حدث في رمضان «16»| عكا تنهي أحلام نابليون بالمشرق

محمود سعيد

نابليون الذي كان يحلم بإعادة تجربة الإسكندر في الشرق ودخول إيران والصين واحتلال إسطنبول، ذهبت أحلامه أدراج الرياح أمام أسوار عكا


بعد احتلال نابليون بونابرت مصر، واجه مقاومة عنيفة من المماليك المقاومة الشعبية في عموم المدن المصرية، وتوافد العرب من الجزيرة والشام وليبيا لمقاومة الاحتلال الفرنسي.

وانصبت جهود نابليون على مواجهة تلك المقاومة العنيفة، لكن وصلت مسامعه توقيع الدولة العثمانية اتفاقيات دفاع مشترك مع روسيا وإنجلترا، وبدء تجمع تلك الجيوش في دمشق وجزيرة رودس، وأيقن نابليون بحسه الاستراتيجي أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم.

تحركات نابليون نحو الشام

أدرك نابليون أن تلك جيوش انجلترا وروسيا والعثمانيين ستهاجمه لا محالة، خصوصًا أن الإسطول الفرنسي تدّمر في معركة “أبو قير” وانقطعت صلته بفرنسا، فانطلق وعبر سيناء بنصف جيشه لاحتلال فلسطين بغية الوصول إلى قلب الشام، ولمباغتة هذا التحالف الثلاثي.

وطارد نابليون قوات من المماليك واحتل العريش في 16 رمضان الموافق 12 فبراير 1799، وفي 25 فبراير احتلَّ غزة، ووصل الجيش الفرنسي في 3 مارس إلى يافا التي حاصرها جيش نابليون المدينة مدَّة 4 أيَّام، وبعد تواصلٍ مع الحامية العثمانية بالداخل قَبِلَت الحامية بالاستسلام في مقابل تأمين أرواحها حسب ما ذكر المؤرخ البريطاني ماكلين.

مجزرة مروعة في يافا

في يوم 7 مارس 1799 دخل بونابرت المدينة ونكث بعهده وقَتَل الأسرى، والمئات من المدنيِّين الرجال والنساء والأطفال، ووصل عدد القتلى إلى 4 آلاف و600 شهيد حسبم ا ذكر المؤرخ البريطاني كلودفيلتر، أما المؤرخ الأمريكي ويليام دورنت ، فقال إن نابليون قتل ألفين و441 من هؤلاء طعنًا بالحراب توفيرًا للطلقات الناريَّة.

ونقل المؤرخ الأمريكي چين كريستوفر هيرولد شهادة الميچور الفرنسي ديتروي الذي قال: “خلال مساء هذا اليوم، وصباح اليوم التالي، قتل الجنود الفرنسيون الهائجون الرجال والنساء والأطفال، من المسيحيين والمسلمين، واغتصبوا فتيات صغيرات معلَّقاتٍ بأجساد أمهاتهنَّ المقتولات”. ونقل استمتاع الجنود الفرنسيين بقتل الرجل أو المرأة بعد سماع كلمات التوسُّل والاسترحام.

حصار عكا

واصل نابليون تقدُّمه في 19 مارس وحاصر مدينة عكا الحصينة الاستراتيجية التي قاد المقاومة فيها الوالي العثماني أحمد باشا الجزار حاكم فلسطين بقوات كبيرة، وأمد الأسطول الإنجليزي حاميتها بالمؤن والسلاح. وفي أثناء ذلك، أرسل كليبر لملاقاة جيشٍ عثمانيٍّ قادم من دمشق.

وفي 16 أبريل عند جبل طابور غرب بحيرة طبرية، كانت المعركة سجالًا، إلى أن جاء نابليون بنفسه بقوات كبرة غيرت مجرى المعركة. وأمر نابليون بحرق القرى المحيطة بأرض المعركة، مع قتل عددٍ كبيرٍ من سكانها عقابًا لهم على الانضمام للعثمانيين، ثم عاد بعد ذلك إلى حصار عكا.

الحصار في عكا والمقاومة تمتد لقنا المصرية

في أثناء حصار عكا، استغل المصريون ومعهم كتائب من جيش المماليك وعرب الحجاز بقيادة الشيخ الجيلاني والشريف حسن انشغال نابليون في الشام وأغرقوا الإسطول الفرنسي في نهر النيل بقنا 3 مارس عام 1799، وهي الموقعة التي جعلت نابليون بونابرت، يبكي وهو على أسوار عكا حين سمع بإغراق سفينته إيطاليا.

وباتت تلك معركة البارود تحتفل بها محافظة قنا كل عام، وبونابرت وصف بونابرت الجيش العربي الذي جاء من الجزيرة، في مذكراته بأنهم “الحجازيون ذوو الجلود البرونزية الذين كانوا يدخلون المعارك وهم يتزينون بالعمائم الخضراء ويبتهلون ويرددون التراتيل قبل اقتحام المعارك مع الفرنساوية في حركة أشبه بحرب العصابات المعروفة.” وكانت خسارة الفرنسيين فادحة، ولقي أكثر من 500 جندي حتفهم.

عكا تدحر نابليون وجيشه

لم يستطع نابليون احتلال عكا بعد شهرين من الحصار،  وتزايدت مخاوف من الجيش الإنجليزي في المعركة، ومع وصول الأنباء بتوجه الأسطول العثماني إلى الإسكندرية، إضافة إلى خسائر الجيش الفرنسي في عدد من المعارك بأوروبا. وتفشِّي الطاعون في جيش بونابرت، وخشيته من حدوث ثورة في مصر مع تعاظم المقاومة فيها ضد الاحتلال، كلها عوامل اضطرت القائد الفرنسي لرفع الحصار عن عكا في 20 مايو 1799.

وكانت الخسارة الفرنسية فادحة وجرائم الحرب التي ارتكبتها تضيق بها المجلدات، فنابليون الذي كان يحلم بإعادة تجربة الإسكندر في الشرق ودخول إيران والصين واحتلال إسطنبول، ذهبت أحلامه أدراج الرياح أمام أسوار عكا التي قاومت جنبًا إلى جنب مع مقاومة مصر ضد الاحتلال.

ربما يعجبك أيضا