حديقة الأسماك بالقاهرة.. تاريخ من الجمال أفسده الإهمال

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف وهدى إسماعيل

تعد حديقة الأسماك بالقاهرة أو ما تعرف بحديقة الجبلاية -المسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية بالقرار الوزاري المصري رقم 860 لسنة 2011- إحدى العلامات المميزة في حي الزمالك الشهير، ويرجع تاريخ إنشاء الحديقة إلى عام 1867 حين طلب الخديوي إسماعيل (من أسرة محمد علي باشا) من مدير متنزهات باريس إحضار أحد الخبراء لتصميم الحديقة، تعرضت الحديقة للإغلاق في الستينيات لفترة طويلة وأعيد افتتاحها في ثمانينيات القرن الماضي.

وتبلغ مساحتها مضافًا إليها مجموعة الحدائق النباتية المجاورة لها نحو تسعة أفدنة ونصف الفدان، ويتميز النسق المعماري للحديقة بأنه بني على هيئة جبلاية وتم استخدام الطين الأسواني والرمل الأحمر والمواد الداعمة لإنشاء تكوينات معمارية على هيئة خياشيم الأسماك، فأصبح تصميم الجبلاية يشبه السمكة، فهي مكونة من فتحتين تشبهان فتحتي الخياشيم وخلفهما منطقة البهو، وعلى جانبي الفتحتين توجد زعنفتان جانبيتان خلفهما ممرات الحديقة.

تصميم ومحتويات

الجبلاية من الداخل روعي عند تصميمها أن تكون على شكل ممرات أو تجاويف داخل شعاب مرجانية تقبع في باطن البحر، فإذا ما نظرت إلى سقف أحد الممرات وجدته وكأنه واحد من بين تجاويف أخرى صنعتها الأمواج وهي تصاميم تعزف ألحانًا عند مرور الهواء بها تشبه إلى حد كبير حركة الماء من خلال حركة الهواء المندفع من المداخل الأربعة متنقلًا بين الكهوف. كما توجد خارج الجبلاية ممرات تفصل بين مسطحات خضراء تحتوي على أشجار نادرة جلبت خصيصًا من مدغشقر وأستراليا وتايلاند حيث الغابات النادرة التي تتميز بها هذه المناطق.

وتضم الحديقة 49 حوضًا للأسماك المتنوعة والنادرة تنعكس عليها أشعة الشمس عبر فتحات علوية مثل الأسماك النيلية والبحرية وأسماك الزينة والأسماك المحنطة ويوجد بها أقسام أخرى تضم أنواعًا من السلاحف والزواحف التي تعيش في المستنقعات والأنهار.

مشاهد مؤلمة

أكثر المشاهد التي تؤذي عينيك وأنت تزور حديقة الأسماك بالقاهرة كانت عمليات تقليم سعف النخل وتركها ملقاة على الأرض لفترات طويلة لتسد الممرات وطرق الحديقة التاريخية، فضلًا عن الحمام الذي تحول إلى إناء ضخم أجوف بلا ماء، فقط مرتعًا للقاذورات وسلة قمامة يتسابق الزوار لإلقاء المخلفات فيه.

ناهيك عن تسابق العاملين بالحديقة في مطاردة الزوار لجني الأموال بمقابل مشروبات أو بدون حتى لا تتعرض لمضايقات تدفعك للفرار بجلدك سريعًا من المكان الذي لا يصلح لمن يبحث عن زيارة لمكان تاريخي أو مكان هادئ يريح أعصابك ويمتع ناظريك بإطلالة تاريخية على الفن والجمال، فتذكرة المكان التي لا تزيد عن 5 جنيهات مصرية لا تساوي شيئًا أمام أسعار المشروبات المثلجة والساخنة التي تضاهي أسعارها في الفنادق الفاخرة والكافيهات.

عبث وإهمال

يصدمك كم العبارات العبثية والملتهبة وأسماء العشاق والمتسكعين من الفتيات والشباب وطلاب الجامعات وتلاميذ المدارس على جدران وممرات الحديقة وأشجارها النادرة بالطباشير والألوان تخليدًا لذكريات اللقاءات والعشق، فأينما تذهب تلاحقك الأسماء، فيما تغيب الأضواء والأنوار عن كهوف كثيرة وكأنها متعمدة لخلوات مشينة ومواقف معسولة تحت سمع وبصر المترددين على الحديقة والمسؤولين عن أمنها.

فضلًا عن الإهمال الكبير الذي لحق بأحواض الأسماك وعدم الاهتمام بتطهيرها وتنظيفها ورعايتها وتقديم الطعام اللازم لها في الأوقات المحددة، وما هذا إلا قتل ممنهج لتاريخ طويل من الجمال والفن.

لماذا نتعمد وأد الجمال والإساءة لتراثنا بأيدينا! ولمصلحة من؟!

ربما يعجبك أيضا