حظر صادرات الأغذية.. لماذا لن يكفي لمواجهة ارتفاع الأسعار عالميًّا؟ «تفاعلي»

رنا أسامة

يقول خبراء اقتصاد إن الحل الأفضل من حظر صادرات الأغذية هو تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي مع إبقاء التجارة مفتوحة.


ردًّا على حظر صادرت الأغذية، قد تنتقم دول بفرض قيود متبادلة على منتجات أخرى، بما يقود إلى رفع أسعار المواد الغذائية على نطاق أوسع، حتى لو جرى احتواء التضخم في المنتج الأصلي.

وفي حين يعيش حوالي 80% من سكان العالم في دول مُستوردة صافية للغذاء، يقترح خبراء اقتصاد أن الحل الأفضل من حظر صادرات الأغذية هو تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي مع إبقاء التجارة مفتوحة.

20 دولة تفرض قيودا على صادراتها

لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم الذي يلوح في الأفق جراء الحرب الروسية الأوكرانية، حظرت بعض الدول المُصدّرة للغذاء تصدير حاصلاتها الزراعية، مثل ماليزيا التي حظرت تصدير الدواجن في 23 مايو 2022، والهند التي منعت صادرات القمح في وقت سابق من هذا الشهر.

ووفق المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وهو مركز دولي للبحوث الزراعية، فرضت 20 دولة قيودًا على صادرات الأغذية منذ بدء الحرب، لحماية الإمدادات الغذائية من التضخم، في وقت تُشكل فيه الصادرات المُقيّدة مجتمعة 10٪ من نسبة السعرات الحرارية في السوق العالمية.

مناشدة أممية: أعيدوا النظر في حظر صادرات الأغذية

حثّت الأمم المتحدة الدول على إعادة النظر في حظر صادرات الأغذية، على أساس أن الحفاظ على تدفق السعرات الحرارية عبر الحدود أفضل طريقة لضمان الأمن الغذائي العالمي، والوصول إلى أسواق أكثر توازنًا وأسعار أقل تقلبًا للسلع الغذائية.

وقالت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية إن المناشدة الأممية تبدو واضحة، وتهدف إلى إعادة توجيه الأغذية الموجهة أصلًا للتصدير للأسواق المحلية، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى خفض الأسعار المحلية.

أزمة 2007.. كيف تتشابه مع أزمة 2022؟

أشارت المجلة، في تقريرها المنشور يوم 25 مايو الجاري، إلى أن الأزمة المالية التي يعيشها العالم اليوم تُشبه إلى حد كبير الانهيار المالي الذي حدث خلال عامي 2007 و2008.

وقالت إنه عندما ارتفعت أسعار المواد الغذائية حينها، تحديدًا في أغسطس 2007، فرضت بلدان عديدة قيودًا على تصدير محاصيل، ما أظهر فعاليته في إبقاء التضخم المحلي تحت السيطرة. كذلك أشارت بعض الدراسات، وفق أنيليس ديوس، الباحث من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي منظمة اقتصادية حكومية دولية تضم 38 دولة عضوًا.

حظر صادرات الأغذية.. تأثير مُعاكس

في الوقت ذاته، قد تتشابك تداعيات حظر صادرات الأغذية مع عوامل أخرى، تُلقي بظلالها على أسعار السوق، بما في ذلك إفراج حكومات عن مخزون الغذاء، وكذلك الطقس الذي يؤثر على المحاصيل الزراعية، بحسب ذي إيكونوميست.

وثمة أدلة على أن الحظر قد يكون له تأثير مُعاكس. فعلى سبيل المثال، قد يُخزّن المزارعون منتجاتهم لحين رفع الحظر، الأمر الذي حدث بالفعل عندما حظرت 5 دول بجنوب وشرق إفريقيا صادرات الذرة دوريًّا خلال العقد الأول من القرن الـ21، ما أحدث تقلبات في الأسعار.

كذلك يُمكن لحظر التصدير على المدى الطويل أن يشجع المزارعين على تحويل الإنتاج للمحاصيل غير المقيدة، ما يقلل الإنتاج المحلي، مثلما يُشير الباحث أوبي بورتيوس، من كلية ميدلبري في فيرمونت بالولايات المتحدة الأمريكية.

انخفاض الأسعار المحلية.. لماذا لن يكون أمرًا جيدًا؟

مع ذلك، قالت المجلة إنه حتى إذا انخفضت الأسعار المحلية، فلن يكون ذلك أمرًا جيدًا بالضرورة، في وقت تعتمد فيه أعداد كبيرة من الفقراء بالبلدان النامية على الزراعة لكسب عيشهم.

وفي هذا الصدد، لفتت إلى دراسة أجراها باحثون بالمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في عام 2013، وجدت أن حظر تصدير الذرة في تنزانيا ربما تسبب في زيادة معدل الفقر، لأن الانخفاض في دخول أفقر فئة في المجتمع يفوق أي فائدة قد تنجم عن انخفاض الأسعار.  ويصب حظر التصدير في صالح سكان الحضر، الذين يتمتعون عادة بنفوذ سياسي أكبر من نفوذ الريفيين في البلدان الفقيرة.

تأثير مختلط

في حين أن تأثير حظر الأغذية مختلط على الدول التي تفرض هذا الحظر، فإن تداعياته سيئة بوضوح على بقية دول العالم. ورغم أن الدول الصغيرة المصدّرة للأغذية قد لا تؤثر تأثيرًا كبيرًا على الأسعار العالمية، فإن للدول الكبرى تأثير بالغ، ما بدا جليًّا عندما قفز مؤشر أسعار القمح العالمي بنسبة 6٪ في اليوم التالي لإعلان الهند حظر صادراتها من “الذهب الأصفر”.

ووضع إحدى البلدان المُصدّرة للأغذية حواجز تجارية، قد يُشجّع غيرها على فعل الشيء نفسه. ففي عام 2008، عندما حظرت فيتنام صادرات الأرز سارعت الهند والصين وكمبوديا إلى فرض حظر مماثل. وبحسب تقديرات باحثين في البنك الدولي، زاد السعر الدولي للأرز بنسبة 52% جراء قيود التصدير في تلك الفترة.

وبحسب ذي إيكونوميست، إن أفضل طريقة لوقف حظر صادرات  المحاصيل الزراعية هي إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، أو على الأقل السماح بتصدير الحبوب من أوكرانيا، لكن لسوء الحظ يبدو هذا الأمر غير مرجّح في المستقبل القريب، مثلما تتوقع المجلة.

 

ربما يعجبك أيضا