خفايا وأسرار اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

تعيش حكومة المملكة المتحدة اليوم في حالة اضطراب, ويعود هذا بصورة رئيسية إلى افتقار تلك الحكومة إلى السلطة, بسبب إجرائها انتخابات ألحقت ضررًا شديدا بكبرياء حزب المحافظين وشعبيته. وما زاد عجز هذه الحكومة وعدم كفاءتها سوءًا هو تعرّضها لعدة فضائح, والتي أدى آخرها إلى إجبار وزيرين في الحكومة على الاستقالة, حيث استقال وزير بسبب تورّطه في فضيحة تحرش جنسي, في حين استقالت وزيرة التنمية الدولية, السيدة بريتي باتيل, لأنها كذبت على رئيسة الوزراء بشأن زيارتها إلى إسرائيل.

أقرّت السيدة "باتيل" بأن أفعالها كانت "دون المعايير العليا المُتوقعة من وزيرة دولة" وهو ما كان عليه الحال بالتأكيد, لأنها قالت أكاذيب. لكن يبدو أن أفعالها ذات المستوى المتدني تضمّنت بعض الأحداث المثيرة. حيث أفادت التقارير أن الوزيرة ذهبت في شهر أغسطس في  "رحلة سرية إلى إسرائيل بصحبة عضو جماعة ضغط, حيث عقدت هناك 12 اجتماعًا , كان من بينها اجتماع مع بنجامين نتنياهو, رئيس وزراء إسرائيل, من دون إعلام رئيسة الوزراء "ماي" أو وزير الخارجية "بوريس جونسون". من المذهل أن الوزيرة تخيلت أن أجهزة المخابرات البريطانية لن تذكر اجتماعاتها وتحركاتها في جلسة الإحاطة الإعلامية اليومية, لكن هذا لم يمنعها من أن تخبر صحيفة الجارديان بان "بوريس جونسون كان يعلم بشان الزيارة إلى إسرائيل. ووزارة الخارجية كانت تعلم بشأن ذلك أيضا. لقد ذهبتُ إلى هناك, ودفعت تكاليف الرحلة, وليس هناك أمر آخر. هذا أمر مستغرب للغاية. ينبغي على وزارة الخارجية أن تذهب وتشرح موقفها".

لكن لم تكن وزارة الخارجية هي الجهة التي يجب عليها أن تشرح الأمور, لأن ما قالته تلك الوزيرة الصغيرة الحقيرة لم يكن إلا مجرد عملية خداع بائسة أخرى من جانبها. إن قولها بأنها "ذهبت في عطلة والتقيت أشخاصًا ومنظمات… الأمر لا يتعلق بهوية الأشخاص الآخرين الذين التقت معم, فأنا لدي أصدقاء هناك" لم يبدو صادقا, كما اكتشفت وسائل الإعلام مجموعة كاملة من عمليات الخداع.

إن تلك الوزيرة لم تجرِ عشرات اللقاءات مع "أصدقاء" في إسرائيل وحسب, لكن, بحسب ما كشفته صحيفة "ذا صن", "التقت السيدة باتيل في السابع من سبتمبر وزير الأمن العام الإسرائيلي, جيلاد إردال, لإجراء محادثات معه في مجلس العموم. ثم التقت في الثامن عشر من سبتمبر مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية, يوفال روتيم, أثناء وجودها في نيويورك في الجمعية العامة للأمم المتحدة. لم تكشف السيدة باتيل في الليلة الماضية (6 نوفمبر) عن فحوى تلك اللقاءات. لقد التقت السيدة باتيل بهذين الرجلين في تل أبيب في شهر أغسطس …."

لقد رافق الوزيرة في رحلتها إلى إسرائيل أحد النبلاء البريطانيين "اللورد بولاك" الذي حضر كل لقاءاتها مع أبرز الشخصيات في إسرائيل, من بينها رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو. كما ذهب "بولاك" معها إلى نيويورك, حيث دفعت شركة استشارات إسرائيلية اسمها "إشرا ISHRA", "والتي تقدم طيفًا واسعًا من الخدمات لعملائها", تكاليف رحلته. كان "بولاك" أيضا حاضرًا عندما عقدت الوزيرة نقاشات مع وزير الأمن العام الإسرائيلي في مجلس العموم, قبل أن تذهب إلى نيويورك.

اللورد بولاك لم يكن مضطرًا إلى أن يقطع مسافة بعيدة للذهاب إلى مجلس العموم, لأنه عضو في مجلس اللوردات المجاور, وهو الغرفة العليا غير المنتخبة للبرلمان في بريطانيا. إن هذا المجلس يمثل استخفافًا بفكرة الديمقراطية, وبالعدالة الاجتماعية, كما أن عددًا كبيرًا من أعضائه متبرعون كرماء للأحزاب السياسية أو السياسيين الفاشلين الذين "تم ركلهم إلى الغرفة العلوية" لينالوا قسطًا من الراحة تعويضًا لهم عن سنوات قضوها في التملق السياسي. يضم مجلس اللوردات 800 عضو, ما يجعله ثاني أكبر مجلس تشريعي في العالم, بعد المؤتمر الوطني الشعبي في الصين (مع العلم أن  عددا سكان الصين يبلغ 1,3 مليار نسمة مقابل 65 مليون نسمة هم عدد سكان بريطانيا).

باختصار فإن مجلس اللوردات هو كيان مشين وهزلي. لكنه ما يزال يتمتع بنفوذ كبير, لأن هناك أموالاً كثيرة تُنفق داخله, وهناك أشخاص وأحزاب سياسية يتحكّمون في هذا المال- مثل مؤسسة "أصدقاء إسرائيل المحافظون" التي تقول صحيفة الفاينانشال تايمز إن "أعضاء البرلمان من الحزب المحافظ يمثلون 80 بالمائة من أعضائها" وليس من قبيل المصادفة أن اللورد بولاك "قضى ربع قرن كرئيس لمؤسسة أصدقاء إسرائيل المحافظون.. قبل أن يستقيل من رئاستها في عام 2015 للانضمام لمجلس اللوردات, لكنه بقى رئيسًا فخريًا للمؤسسة"

إن مؤسسة أصدقاء إسرائيل المحافظون هي مؤسسة ثرية, وبحسب الفاينانشال تايمز فإن المؤسسة "منحت 377,994 ألف جنية إسترليني (495 ألف دولار أمريكي) لحزب المحافظين منذ عام 2004, ومعظم الأموال كان في صورة رحلات ممولة بالكامل لأعضاء البرلمان إلى إسرائيل". ليس هذا فحسب, حيث أنها قدمت تبرعات فردية كبيرة لأعضاء البرلمان من حزب المحافظين, وهل يتخيل أحد للحظة أن أي سياسي  تُقدم له كل هذه الهدايا سيتفوّه بكلمة واحدة ضد إسرائيل في أي لقاء وفي أي سياق؟

لقد تم شراء ذممهم
إن سخاء مؤسسة "أصدقاء إسرائيل المحافظون" الكبير يشمل عقد حفل عشاء سنوي في لندن, وفي إحدى حفلات العشاء تلك, في شهر ديسمبر الماضي, لم تشر رئيسة الوزراء إلى اللورد بولاك بأنه "الوحيد والفريد ستيوارت بولاك" فحسب, لكنها لفتت إلى حضور ما يزيد على 200 مشرِّع في الحفل, كما أعلنت أنها "مسرورة جدًا لأن مؤسسة (أصدقاء إسرائيل المحافظون) أخذت بالفعل 34 عضوًا من أصل 74 عضو برلمان محافظ تم انتخابهم في عام 2015 إلى إسرائيل". 

إن المال هو أهم سمة من سمات العلاقات بين المملكة المتحدة وإسرائيل, حيث كانت "ماي" سعيدة جدا بشأن "أكبر صفقة تجارية تُعقد بين بلدينا, والتي تبلغ أكثر من مليار جنية إسترليني, وذلك عندما قررت شركة الخطوط الجوية الإسرائيلية (العال) استخدام محركات من طراز (رولزرويس) في طائرتها الجديدة" ونظرًا إلى أنهار المال التي تتلقاها إسرائيل من الولايات المتحدة, فإنها قادرة على إنفاقها ببذخ حيثما تريد.

لقد أُعلن في العام الماضي أن الولايات المتحدة "ستمنح إسرائيل مساعدات عسكرية قدرها 38 مليار دولار خلال العقد المقبل, وهي أكبر حزمة مساعدات في تاريخ الولايات المتحدة, وفقًا لاتفاق تاريخي وقِّع في الرابع عشر من سبتمبر" والذي يشمل تقديم مبلغ قدره 3,3 مليار دولار سنويا على هيئة "تمويل عسكري أجنبي".

ليس بإمكان بريطانيا أن تمنح إسرائيل أي أموال, لأنها في وضع مالي ضعيف, لكنها تحاول تعويض افتقارها للمال عبر تقديم دعم سياسي غير مشروط لإسرائيل. لا يهم بالنسبة للحكومة البريطانية أن إسرائيل تخرق قرابة 100 قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي, كلها تقريبا تطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بطريقة غير شرعية. لذا, لا تتوقعوا أن تنتقد المملكة المتحدة إسرائيل.
إن قصة العشق بين حزب المحافظين البريطاني وإسرائيل ليست مضرّة فحسب, لكنها تقوم على العلاقات الشخصية بصورة مريبة أيضا. ولذلك ليس من المستغرب أن الحكومة البريطانية بذلت قصارى جهدها للتغطية على قضية الوزيرة "باتيل" المشينة, وعدم التطرُّق إلى مكائد اللورد بولاك.

اللورد بولاك هو رئيس المجلس الاستشاري لشركة ((TWC Associates, وهي "شركة استشارات متخصصة في تطوير الإستراتيجيات السياسية", ومن بين عملائها عدد من شركات الدفاع الإسرائيلية, من بينها Elbit Systems المتخصصة في المعدات الإليكترونية الدفاعية.
لقد كُشف في عام 2012 عن أن شركة TWC للاستشارات وشركة Elbit Systems الإسرئيلية تورطتا في فضيحة "جنرالات للإيجار" (Generals for Hire) المشينة, وذلك عندما أخبر رئيس فرع شركة Elbit في بريطانيا مراسلين متخفين تابعين لصحيفة الصنداي تايمز أن شركة TWC للاستشارات بإمكانها أن تصل إلى الحكومة "بداية من رئيس الوزراء ونزولاً" في هذا المثال المقزز على الفساد تحديدًا, تفاخر الجنرال البريطاني المتقاعد  "ريتشارد أبليجات", الذي كان حينها رئيس شركة TWC للاستشارات, بأن شركته لديها نفوذ هائل عبر علاقاتها مع مؤسسة "أصدقاء إسرائيل المحافظون". حيث أعلن "نحن نستفيد من جهات, وأرجو ألا تنشر هذا الأمر, في مؤسسة أصدقاء إسرائيل المحافظون.. ونُجري سلسلة من اللقاءات السرية بالاستعانة بمستشارين للوصول إلى صنّاع قرار معينين" مثلما فعلت السيدة "باتيل" في تل أبيب, ولندن, ونيويورك, بتوجيه غامض لكنه رسمي يقف وراءه "بولاك" المثير للريبة. 

هناك الكثير من الأمور السيئة في المملكة المتحدة في الوقت الراهن, لكن الفضيحة المتعلقة بإسرائيل هي أقذر مسرحية يُكشف عنها خلال فترة حكم الإدارة الحالية. إن رئيسة الوزراء تكافح لإخفاء علاقة حكومتها الحميمة بإسرائيل, وهي تحقق نجاحًا عبر صرف أنظار الإعلام بعيدا عن مكائد اللوبي الإسرائيلي, وتوجيهها نحو أهداف أخرى. إن هجومها على روسيا ضمن خطاب لاذع غريب ألقته خلال مأدبة عشاء في لندن في الثالث عشر من نوفمبر, كان دليلاً على الذعر الذي يتملّكها, لكن عناوين الصحف ركّزت على خطابها, في حين تراجعت قضية إسرائيل المشينة إلى الخلفية.

لن يعرف الشعب البريطاني أبدًا ما كانت الوزيرة "باتيل" واللورد بولاك وكل أصحاب النفوذ يخططون لتحقيقه, أو ما قد يفعلونه في المستقبل, لكننا نستطيع أن نجزم بأن التحالف البريطاني-الإسرائيلي سيستمر في الازدهار. 

المصدر – Strategic Culture
                                                                                                                    

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا