دير شبيجل | فظائع قطر.. كيف قامت الإمارة الثرية بالنصب على مُصمم نسخة كأس العالم لكرة اليد؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

عندما كان يتعيّن على قطر افتتاح بطولة العالم لكرة اليد عام 2015 قبل أن تتم صناعة كأس البطولة، تقدّم رائد أعمال اسمه "عمّار رشيد" لمساعدة قطر وأميرها في حفظ ماء وجههما، بيد أنه بدلاً من مكافأته، تحوّلت حياة رشيد لجحيم!

التقينا مع ذلك الرجل الذي كان يبدو عليه الخوف بوضوح، لقد خسر "رشيد" كل شيء، شركته وماله وثقته، وفي بعض الأحيان فَقَدَ حتى أعصابه. صوته يتحشرج، وعيناه تتحولان إلى فراغ عميق. كانت أمامه رسالة من محامٍ يعمل لحساب سفارة قطر، تذكر الرسالة، بلغة ألمانية قانونية جافة للغاية: أن رشيد ينبغي أن يذهب للجحيم.

إن بطولة العالم لكرة اليد للرجال تدور رحاها الآن، إذ تتنافس الفرق للفوز بالكأس، وهو عبارة عن يد ذهبية تمسك بكرة ذهبية. يرفع أبطال هذه المسابقة هذا الكأس منذ انعقاد هذه البطولة العالمية في قطر عام 2015. لقد صنع رشيد كأسًا مثل هذا قبل تلك البطولة مباشرة، كان عملاً مستعجلاً، وكان يجب عمل كل شيء بسرعة شديدة. كانت لديه شركة في قطر، وكان يرغب في حماية أمير قطر من التعرض لـ "إحراج كبير". لقد وجد أمير قطر، وفقًا لرشيد، نفسه فجأة من دون كأس قبيل بدء البطولة بوقت قصير؛ لأن الكأس الحقيقي لم يتم تسليمه في الوقت المحدد.

كم كان من المحرج لقطر، البلد الذي يرغب في أن يكون قائدًا في المسابقات الرياضية الدولية، لو أنها عجزت عن عرض كأس يليق بمكانتها. وبالطبع، فإن أمير قطر يُعدّ من بين أثرى أثرياء العالم. ومن ثمّ، لم يكن هناك شك لدى رشيد، أنه سيحصل على مكافأة مجزية نظير عمله.

لكن رشيد لا يزال ينتظر ماله المستحق إلى يومنا هذا. عوضًا عن ذلك، تلقّى هذه الرسالة في شهر أغسطس، المكتوبة بالنيابة عن الشيخ "سعود بن عبد الرحمن آل ثاني". هذا الشيخ، اليوم، هو سفير قطر في برلين، لكنه في عام 2015، كان أحد أبرز المسؤوليين الرياضيين في قطر. هو الرجل الذي نجح في إحضار بطولة العالم لكرة اليد لبلده. قبل بدء البطولة بوقت قصير، وقف الشيخ "سعود" أمام التميمة العملاقة الخاصة ببطولة العالم لكرة اليد، التي صنعها رشيد أيضًا للجنة المنظِمة. وفقًا لرواية رشيد للأحداث، فإنه لم يحصل أيضًا على المبلغ الكامل نظير تلك التميمة.

تذكر الرسالة المرسلة من محامي السفارة القطرية أنه ينبغي لرشيد ألا يتصل مرة أخرى. كما تذكر أيضًا أنه لو حاول الترويج لادّعاء آخر "باطل"، أو هدّد بالإفصاح علنًا عن هذه الادعاءات، فإنه سيُتخذ ضده إجراء قانوني بتهمة "الابتزاز أو الإكراه".  

يقول رشيد إن كل ما يريده هو الدعم من السفير لحلّ المشكلة بطريقة محترمة. إن الدراما المحيطة بعمّار رشيد، الذي يعيش اليوم في مكان ما في ولاية "هيس" الألمانية عقب رحيله المتسرّع من قطر، هي قصة سوء فهم بسيط تتمثل في أن قطر، وهي دولة تستضيف مسابقات رياضية دولية مثل بطولة العالم لكرة اليد عام 2015، وكأس العالم لكرة القدم لعام 2022، ستكون دومًا سخيّة لدرجة التبذير التام، وعندما يتعلق الأمر بالرياضة بوجه خاص، يشعر المرء غالبًا أن الدوحة مستعدة لإصدار شيك على بياض.

وكما يتضح، فإن هذه الإمارة يمكن أن تكون بخيلة ومهينة ومتعسفة بقدر ما تكون كريمة – على الأقل عندما يتعلق الأمر بالعمال الذين يعملون في ظروف استعبادية في مواقع الإنشاء الخاصة ببطولة كأس العالم، أو تجاه رجال أعمال مثل رشيد الذي ترعرع في الولايات المتحدة ويحمل جواز سفر هولنديًّا.

أرض الفرص غير المحدودة؟
وصل رشيد للمرة الأولى إلى قطر في عام 2010. كان يعتقد أن قطر هي أمريكا الشرق، وأنها أرض الفرص غير المحدودة، حيث يمكن أن تتحول فيها الموهبة والاجتهاد وأفكار المشاريع التجارية إلى أموال ومكانة مرموقة مقارنة مع أي مكان آخر في العالم. لقد كانت أفكاره موجّهة نحو المنشآت المزخرفة للفعاليات الرياضية والمناسبات الآخرى.

في إمارة لديها حماسة بالغة تجاه الرياضة، قد تبدو فكرة مثل هذه فكرة جيدة، فبقدر سهولة جني قطر للمليارات من مبيعاتها النفطية والغازية، يمكنها أيضًا بنفس السهولة إنفاق المال على الرياضة. لقد بدا الشيخ "سعود"، سفير قطر في برلين، وكأنه التجسيد الأمثل للمبدأ القطري المتمثل في أنه يمكن شراء أي شيء بالمال، بما في ذلك النجاح. لقد أعلن، على سبيل المثال، أن نادي "باريس سان جرمان"، الذي اشتراه القطريون في 2011، سيسعى لضم كريستيانو رونالدو لصفوفه. وفي النهاية، اكتفى الفريق بضمّ اللاعبين "نيمار" و"مبابي" مقابل مبلغ قدره 400 مليون يورو.

وبوصفه رئيس اللجنة الأوليمبية الوطنية، كان سعود أيضًا الرجل المسؤول عن عرض قطر لاستضافة بطولة العالم لكرة اليد. تفيد التقارير أن قطر أنفقت 220 مليون يورو على المسابقة، وهو أكبر بعشرة أضعاف مما أنفقته ألمانيا في كأس العالم لكرة اليد في عام 2007، يبدو أن هذه الإمارة تشتري كل شيء. يضم الفريق الوطني القطري، مثلاً لاعبين يحملون أسماء مثل "زاركو ماركوفيتش" و "دانييل ساريتش" و"غوران ستاجنوفيتش" و"بيرتراند روينه". كما دفعت قطر حتى تكاليف رحلات وإقامات وتذاكر 60 فردًا إسبانيًّا لتشجيع قطر في المدرجات.

كان من المفترض لبطولة العالم لكرة اليد أيضًا أن تكون حدثًا كبيرًا لشركة عمّار رشيد اليافعة. لقد طلب منظمو هذه البطولة نسخة ضخمة للتميمة الرسمية من شركة رشيد- وهي نسخة طولها خمسة أمتار مقابل 189 ألف ريال، أو نحو 45 ألف يورو. كما صنعت الشركة أيضًا تمثالاً لكرة يد يبلغ قطرها 2.5 متر مقابل 52 ألف ريال، أو نحو 12.400 ألف يورو.

هناك صورة تُظهر السفير القطري الحالي في برلين، وهو يقف أمام تمثال البطولة، وقد بدا عليه السرور. لقد كتب رشيد في رسالة بعث بها مؤخرًا للسفير ما يلي: "لقد وضعت يدك على كتفي وقلت: "شكرًا لك على قيامك بهذا العمل الرائع. لو أردت أي شيء في قطر، فبإمكانك دومًا الاتصال بي أو باللجنة الأولمبية الوطنية القطرية".

أمير في مأزق
في ذلك الوقت، اعتقد رشيد حقًّا أنه حقق مبتغاه، أي أنه سيصبح جزءًا من النخبة في قطر، وأنه سيجني المال ويجد السعادة. وما مثّل له شرفًا أعظم كان قدرته على مساعدة أمير متورط في مأزق – على الأقل هكذا تذكّر رشيد ما حدث في خطابه للسفير القطري.

ووفقًا لرواية رشيد للأحداث، فقد زاره موظف متوتر للغاية يعمل لحساب وكالة أسترالية لتنظيم الفعاليات قبل وقت قصير من انعقاد بطولة العالم لكرة اليد. لقد كان هناك خوف من أن تتحول مراسم الافتتاح إلى كارثة. قال الموظف إن الكأس الجديد، الذي أراد الأمير تقديمه في بداية البطولة في الخامس عشر من يناير، لن يصل إلى قطر في الوقت المحدد، كان الكأس تجري صناعته في إيطاليا من جانب شركة "GDE Bertoni"، وهي الشركة ذاتها التي تصنع الكأس الخاص لبطولة كأس العالم لكرة القدم.

قال الموظف إنه لا يريد التفكير حتى في ردّ فعل أمير قطر لو عرف بشأن هذا الأمر. يقول رشيد إنه سُئل حول ما إذا كان بمقدوره صناعة نسخة سريعة تبدو مشابهة كفاية للنسخة الأصلية كي لا يلاحظ أي شخص الفرق. يقول رشيد إنه قيل له إن الكأس سيجري تبديله بمجرد وصول النسخة الأصلية، سأل رشيد عن الوقت المتاح له، ويذكر أنه قيل له إن أمامه بضعة أيام لأن الفريق الأمني سيفحص الكأس قبل أن يلمسه الأمير. طلب رشيد 50 ألف دولار، وقد وافق الموظف على هذا المبلغ. حصل رشيد على الرسومات وسلّم الكأس في الوقت المحدد، على الأقل هذا وفقًا لرواية رشيد للأحداث.

لكن، هل هذه هي الحقيقة؟
عندما تواصلت صحيفة "دير شبيغل" هاتفيًا مع شركة "بيرتوني" الإيطالية، ذكرت الشركة في البداية بكل وضوح أن الطلب القطري جرى تقديمه في اللحظة الأخيرة، وكانت هناك مشكلة مع أحجار "اللازورد" الكريمة، فضلاً عن طلبات تغيير من الزبون القطري، وقد ساهم كل ذلك في جدول زمني ضيق للغاية. لاحقًا، تلقت مجلتنا ردًّا كتابيًا. يلفت الرد إلى أن الكأس جرى إرساله أثناء "الأيام الأولى لعام 2015"، وهو كان كافيًا للوصول لقطر في الوقت المحدد. عندما تم الضغط عليهم لتقديم إجابات أوضح، أصبح موظفو شركة "بريتوني" أكثر برودًا في إجاباتهم، قائلين إن المعلومات الخاصة بمنتجاتهم سريّة.

قالت الوكالة المسؤولة عن مراسم افتتاح البطولة أيضًا إنها ملتزمة بمدأ السريّة، وأحالت كل الأسئلة لمنظمي بطولة العالم في قطر. لكن لا هؤلاء ولا السفير القطري في برلين أجابوا على الأسئلة.

هناك صور تدعم فيما يبدو رواية رشيد لما حدث، تُظهِر الصور كيف صُنع كأس تلك البطولة العالمية في ورشته باستخدام مادة "راتينج" الصناعية، وألوان ذهبية وزرقاء. لا تحتوي هذه النسخة المقلّدة ذهبًا أو أحجار "لازورد" الكريمة مثل تلك الموجودة في الكأس الذي صنعته شركة "بيرتوني" الإيطالية. لكن، من الوهلة الأولى، من الصعب تمييز الفرق بين النسختين. تبيّن الصور أيضًا كيف حمل أمير قطر، أثناء تقديمه للكأس في مراسم الافتتاح، الكأس بسهولة بيد واحدة وكأنه مصنوع من البلاستيك. يزن الكأس الأصلي نحو 20 كيلوغرام، ما يعني أن الأمير لم يكن مطلقًا بمقدوره حمله بكل أريحية.

سريّة مطلقة
لا يملك رشيد عقدًا مكتوبًا، ويزعم أن عميله طلب أن يبقى كل شيء طي الكتمان. لكن رشيد يملك مذكرة استلام تشير إلى أن "نسخة كأس" "متطابقة مع الكأس الأصلي حسب الطلب" قد جرى "تسليمها داخل صندوق من مادتي البلاستيك والبوليسترين". كما تحمل المذكرة بوضوح توقيع الوكالة الأسترالية المسؤولة عن تنظيم الفعاليات في "استاد لوسيل"، في الثامن من يناير 2015، في الساعة الواحدة وعشرين دقيقة مساءً.

يزعم رشيد أنه تلقى بضعة آلاف من الريالات نقدًا، وأن القطريين وعدوه بتسديد بقية الأموال في وقت لاحق. لكنه يقول إنه لم يتلق مطلقًا بقية أمواله. يزعم رشيد أيضًا أنه لم يتلق أجرًا كافيًا نظير التميمة العملاقة أو كرة اليد الضخمة. كتب رشيد في خطابه الموجّه للسفير القطري: "لم أتقاض أجرًا نظير وقتي ولا مجهوداتي العظيمة كما هو متفق عليه". وأضاف أنه ساعد كل الأشخاص المتورطين في ذلك المأزق لحفظ ماء وجههم، لا سيما أمير قطر. لكن رشيد يشك في أن يكون أمير قطر على علم حتى بما جرى.

هو يقول إن هناك زبائن آخرين أيضًا دفعوا أجورًا حسب ما يروق لهم. ثمّ بعد ذلك أتى اليوم الذي حاول فيه القطريون أن يأخذوا منه شركته.

بإمكان الأجانب في قطر عمومًا تسجيل شركاتهم فقط كمشروع مشترك مع طرف قطري محلي، إذ يملك الطرف القطري المشارك حصة مهيمنة في الشركة تبلغ 51 بالمائة على الأقل. يقول رشيد إنه طُلب منه في سبتمبر 2016 التوقيع على بيع حصته البالغة 49 بالمائة في الشركة، وقيل له إنه بإمكانه البقاء في الشركة كموظف.

ذلك كان اليوم الذي يزعم رشيد أنه قرر فيه الاستسلام. هل يشعر رشيد أن قضيته لديها أي فرصة في محكمة قطرية؟
ويجيب أنه لم يعتقد ذلك حقًّا في حينها. في النهاية، ترك رشيد منزله الفخم في الدوحة وراءه، وقد ركن كل سياراته في جميع أرجاء المدينة – ترك المرسيدس أمام المنزل، وسيارة "ليكسوس" عند متجر "كارفور"، وسيارة "ميني كوبر" عند إحدى المناطق الصناعية، فيما ترك سيارة "جيب شيروكي" أسفل جسر طريق سريع – وذلك تحسبًا لعودته في أي وقت. استقل رشيد الرحلة التالية للندن، ثم استكمل رحلته عبر طائرة ثانية متجهة لمونتريال. ولم يعد مطلقًا لقطر منذ ذلك الوقت.

الكابوس الأسوأ  
يعيش رشيد الآن في بلدة صغيرة. وبعينين تملأهما الدموع، يقول إنه لن يكون لديه قريبًا مال كافٍ لوضع طعام على الطاولة لأطفاله.

لقد أرسل رشيد سيلاً من الرسائل الإلكترونية للسفارة القطرية في برلين. لكن السفير القطري الذي يقول رشيد إنه وعده يومًا بتقديم المساعدة وهو يقف أمام تميمة البطولة، يرفض حتى الردّ عليه الآن، مكلفًا محاميه بتولي هذه المهمة. تذكر رسالة محامي السفير القطري أنهم "لا يفهمون سبب تواصلك مع موكلنا". ويمضي المحامي في رسالته قائلاً إنه لا يوجد أي دليل يثبت أن "موكلنا كانت له أي علاقة قانونية أو من نوع آخر" مع رشيد أو شركته.

يقول محامي السفير القطري إنه فيما يتعلق بمزاعم رشيد ضد مواطنين قطريين آخرين، فإنه بإمكانه مقاضاتهم أمام المحكمة في أي وقت. تطلب الرسالة من رشيد عدم التواصل مع السفارة مجددًا، فيما يقول نَصّ الرسالة: "نحن ننظر حاليًا في احتمالات نجاح صدور أمر قضائي  

لقد كتب رشيد نصًّا يحكي فيه عن التجارب التي يزعم أنه مرّ بها في قطر، وأطلق على هذا النصّ اسم "فظائع قطر". يأمل رشيد أن يحظى ببداية جديدة في أوربا، فقد أظهر للجميع ما هو قادر على فعله. يقول رشيد: إن "الاستسلام يليق فقط بالفاشلين"، في الوقت الراهن، مع ذلك، لا يمكن القول إلا أن رشيد هو الطرف الخاسر.   

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا