ذا ناشيونال | لماذا يوجد الكثير من النزاعات الحدودية في قارة آسيا؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

لا تزال النزاعات الحدودية في آسيا تجد طريقها إلى عناوين الأخبار بانتظام. وربما كان أبرزها هو المواجهات والصدامات بين القوات الهندية والصينية في جبال الهيملايا منذ شهر مايو الماضي، والتي ربما أدّت لمقتل عشرات الجنود من الجانبين.
كما تتصاعد حرب كلامية بين الصين والولايات المتحدة بشأن مزاعم بكين في بحر الصين الجنوبي، ويزداد حشد أسطولي البلدين في هذه المنطقة. يحذر محللون مثل "مايكل فاتيكيوتس"، مؤلف كتاب "دم وحرير: النفوذ والصراع في جنوب شرق آسيا المعاصرة"، من أن أي صدام عَرَضي "يمكن بسهولة أن يتسبب في حدوث صراع لا يمكن إيقافه، نظرًا للديناميات السياسية في كل من بكين وواشنطن".
مؤخرًا، قام وزير الخارجية الفلبيني "تيودورو لوكسين" بإحياء خلاف قديم بين الفلبين وماليزيا حين غرّد على تويتر قائلا: "ولاية صباح ليست في ماليزيا". دفعت إشارة الوزير الفلبيني إلى ولاية صباح الواقعة شمال شرق جزيرة "بورنيو" نظيره الماليزي "هشام الدين حسين" للرد عليه قائلًا: "هذا تصريح غير مسئول يضر بالعلاقات الثنائية. إن ولاية صباح هي جزء من ماليزيا وستظل كذلك دائمًا". ذكر السيد "لوكسين" بعدها أنه سيستدعي السفير الماليزي في الفلبين لتوبيخه، وواصل إطلاق مزيد من التصريحات المستفزة.

قد يبدو هذا النزاع غامضًا ومحيّرًا نوعًا ما. لكن تاريخه يستحق تفسيره بإيجاز لأن بعض النقاط المهمة فيه مرتبطة أيضًا بالعديد من النزاعات الحدودية الأخرى في آسيا.

أولًا، يعود تاريخ هذا النزاع إلى زمن الاستعمار وحتى زمن ما قبل الاستعمار، حينما لم تكن الدول الحالية موجودة أصلًا أو كانت موجودة بأشكال مختلفة تمامًا. في القرن التاسع عشر، امتدت سلطنة "سولو" من غرب الفلبين إلى أجزاء مما يُعرف الآن بولاية "صباح" الماليزية. سيطرت شركة "شمال بورنيو البريطانية" عام 1878 على منطقة صباح، وتنظر الفلبين، بوصفها خليفة لسلطنة بورنيو، إلى عملية السيطرة باعتبارها استئجارًا مؤقتًا، بينما تَعتبر ماليزيا ذلك العقد وثيقة تنازل عن الأرض.

في كلتا الحالتين، فإن نصّ العقد المُترجم إلى الإنجليزية يوضح جليًّا أن ما حصل كان تنازلًا "للأبد" عن المنطقة، ووجدت بعثة للأمم المتحدة أن غالبية السكان المحليين في تلك المنطقة التي كانت حينها مستعمرة بريطانية يؤيدون الانضمام لدولة ماليزيا الجديدة عندما تأسست عام 1963. لكن الفلبين لم تقبل مطلقًا هذا الأمر، إذ قطعت في البداية علاقاتها الدبلوماسية مع جارتها الجديدة ماليزيا، وفي العام 1967 خططت لمحاولة زعزعة استقرار ولاية "صباح" ومن ثم الاستيلاء عليها، لكن المحاولة أُجهضت لاحقًا.
عادت العلاقات بين البلدين وأصبحت دافئة لعقود. وكما صرّح المتحدث باسم الرئيس الفلبيني "هاري روك" في الأسبوع الماضي: "لا ينبغي أن يؤثر هذا الأمر على علاقاتنا الثنائية المتواصلة. وهذا الأمر لم يؤثر على علاقتنا في السنوات الأخيرة، وستظل علاقاتنا الثنائية مع ماليزيا صحيّة، بالرغم من قضية صباح".
كان السيد "روك" يحاول تهدئة التوتر الذي نجم من تصريحات وزير الخارجية "لوكسين". لكن، في الوقت ذاته، أعاد السيد "روك" تأكيده بشكل قاطع على حق الفلبين في ولاية صباح، كما أن لا أحد يطمح بجديّة في السلطة في الفلبين بإمكانه التخلي عن هذه القضية.

سيكون من السهل على المرء اعتبار هذه القضية غير مهمة وسخيفة، إذ يطالب خمسة رجال على الأقل حُكم سلطنة لم تعد موجودة أصلًا. لكن القضية تبقى أداة سهلة لإثارة المشاعر الشعبوية في الفلبين. في عام 2013، دفع هذا الوضع مجموعة مكوّنة مما يزيد على 200 مسلح يطلقون على أنفسهم اسم "قوات الأمن الملكية لسلطنة سولو وشمال بورنيو" للنزول في حي "لاهاد داتو" في ولاية صباح، حيث دارت مواجهات مسلحة قُتل فيها 60 فردًا من الغزاة و10 من أفراد الأمن الماليزي.

هناك أمثلة أخرى على أراضٍ وجزر متنازع عليها في آسيا، إذ يتمسّك كل طرف برواية تاريخية متنازع عليها أصلًا، مثل مطالبات الصين واليابان تجاه جزر "دياويو/سينكاكو"، ومطالبات اليابان وروسيا تجاه جزر "الكوريل"، والنزاع بين الأرمن والأذربيجانيين بشأن إقليم "نوغورنو كاراباخ"، وكما ذكرنا آنفًا النزاع بين الصين والهند حول منطقتي "أروناشال براديش" و"لادخا". وبالرغم من بذل جهود لحل تلك النزاعات في الماضي، غير أن معظمها باتت الآن مستعصية، لأن التكلفة السياسية التي سيتحملها أي زعيم عند محاولته عقد تسوية أو التخلي عن أي أرض ستكون مرتفعة للغاية، مثلما هو الحال مع الفلبين.
هناك مخرج لهذا الوضع، كان رئيس الوزراء الهندي قد ألمح له في خطاب ألقاه في "لادخاه" الشهر الماضي، قائلا: "أيها الأصدقاء، لقد ولّى زمن السياسة التوسّعية، نحن في زمن التنمية".
التنمية المشتركة هي أيضًا وسيلة لتسوية النزاعات وستستفيد منها جميع الأطراف. هذا ما فعلته ماليزيا وتايلاند منذ زمن طويل فيما يتعلق بمساحة تزيد على 7 آلاف كيلومتر مربع من مياه "خليج تايلاند"، إذ يتقاسم البلدان استغلال قاع البحر بالرغم من مطالباتهما المتعارضة التي لم يتخليا عنها. نجح هذا الحل لدرجة أن النزاع نفسه لم يعد يمثّل مشكلة.
إن هذين البلدين عضوان في "رابطة دول جنوب شرق آسيا"، وسلوكهما هذا يعدّ تطبيقًا للشعار غير الرسمي للرابطة الذي يقول "نتفق على ألا نتفق ولكن دون أن نكون بغيضين تجاه بعضنا".
ربما يكون صحيحًا أن بعض هذه الاختلافات تعود جذورها لأفعال القوى الإمبريالية التي جاءت من أماكن بعيدة للغاية ولم يكن لديها معرفة أو اهتمام كافيان بحدود الأراضي التي كانت تقوم بترسيمها. لكن لن يكون من المفيد كثيرًا اليوم توجيه اللوم لـ "هنري ماكماهن"، الذي اقترح خط الترسيم بين التبت والهند في مؤتمر "سيملا" عام 1914. لقد توفي "ماكماهن" منذ زمن طويل. لكن النزاع باقٍ، ويتعيّن على القادة الحاليين حلّه.
لو أرادت آسيا أن تظل محرّك النمو في العالم، فيجب على دولها ألا تضيّع الوقت في الانقسام فيما بينها. هناك مطالبات وحجج لا يمكن حلها مطلقا. إن الاعتراف بهذا وإيجاد طريقة للمضي قدمًا نحو المستقبل، ربما يكون الحل للتخلص من الكثير من المشاكل.  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا