ذى أتلانتيك | عبر المظاريف وطوابع البريد.. كيف سيقوم علماء الأنساب بفحص الحمض النووي؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

في الخريف الماضي، تحدّث "جلعاد جافيت" مؤسس إحدى شركات اختبار الحامض النووي خلال مؤتمر للصناعات عن الخطابات الغرامية لجدته "روزا".

 وتملك شركة  "My Heritage" الآن 2.4 مليون شخص في قاعدته بياناتها للحمض النووي، ما يجعلها ثالث أكبر قاعدة بيانات بعد شركتي "23andMe" وشركة "AncestryDNA"، لكن "جافيت" لم يكن راضيًا عن مجرد اختبار الأشخاص الأحياء؛ فقد رغب في اختبار الموتى أيضًا، وهذا ما يقودنا إلى الخطابات الغرامية، أو المظاريف التي أتت بداخلها.

لقد أُغلِقت تلك المظاريف بواسطة جدته، كما أن الطوابع على تلك المظاريف من المفترض أنها لُعقت أيضًا من جانب جدته. يقول "جافيت بابتسامة تعلو وجهه: "ربما لم يدرك أسلافنا ذلك". وأضاف: "عندما كانوا يلعقون الطوابع وأطراف المظاريف، كانوا بذلك يحفظون حمضهم النووي الثمين لنا للأبد". ثم تلا بعدا هذا الإعلان المهم: ستبدأ شركة "MyHeritage" قريبًا في تقديم خدمة أخذ اختبار الحامض النووي الموجود على الطوابع والمظاريف.

لم يكتفِ "جافيت" بذلك، فلو كان بإمكانك إجراء اختبار على خطابات جدتك، لماذا لا يجري هذا الاختبار أيضًا على الشخصيات التاريخية؟ إن "جافيت" هو جامع مذهل للتواقيع، وقد كشف أنه يملك رسائل مكتوبة بخط اليد من "ألبيرت إينشتاين" و"وينستون تشرشل". وفي خطوة مثيرة للعلاقات العامة، وعد بأن "حمضهما النووي سيأتي قريبًا جدًا لشركة My Heritage".

في العام الماضي، حدثت ضجّة وسط علماء الأنساب بشأن احتمال أخذ حامض نووي من طوابع ومظاريف قديمة. وبالإضافة إلى شركة My Heritage، بدأت شركة بريطانية اسمها "LivingDNA" بصورة غير رسيمة في تقديم الخدمة مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 400 إلى 600 دولار أمريكي في العام الماضي، كما أطلقت شركة أسترالية ناشئة صغيرة اسمها "To The Letter DNA"، وهي متخصصة في جمع الحامض النووي من الطوابع والمظاريف، خدمة ذات أسعار مماثلة في يوليو. تقول شركة MyHeritage إنها ستباشر بطرح خدمتها في وقت لاحق من هذا العام  

إن طلب إجراء هذه الخدمة كان مكبوتًا لسنوات وسط علماء الأنساب. يقول "بلاين بيتنجر"، وهو عالم أنساب محترف: "في كل مؤتمر وفي كل حلقة دراسية، كنت دومًا أتلقى أسئلة بشأن أخذ الحمض النووي من القطع الأثرية.. وأعتقد أن هناك إمكانيات هائلة في هذا المجال". إن أخذ الحمض النووي لأحد أسلافنا يمكن أن يكون مفيدًا للغاية للعثور على أقارب جدد. على سبيل المثال، فإن جدتك الكبرى تمرر نحو 6.25 بالمائة من حمضها النووي إليك، لكن ربما يكون لديها الكثير من الأقارب الآخرين الذين يشاركون فقط الحمض النووي من نسبة الـ 93.75 بالمائة التي لما ترثها أنت. ومن بين الطرق التي يمكن بواسطتها مطابقة هؤلاء الأقارب وراثيًا هي اختبارها بصورة مباشرة.
 
لو سألتم علماء الأنساب فإنكم ستسمعون قصة عن رسالة لجدة، أو خزعة أنسجة لوالد، أو مشط تسريح استخدمته جدة كبيرة، تحتوي على حامض نووي يمكن أن يحل لغز عائلة. وفيما تطلب شركتا "23and Me" و "Ancestry" عينات كبيرة من اللعاب من أجل تحليل الحمض النووي، وهي عينات يصعب الحصول عليها من دون تعاون الشخص المستهدف، غير أن جمع الحمض النووي من القطع الأثرية هو أمر أسهل بكثير، لكن أخذ الحمض النووي من هذه المصادر يفتح الأبواب أمام احتمالات جديدة عديدة، بعضها منفّرة، والبعض الآخر مزعج.

هل ينبغي لك أن تكون قادرًا على اختبار والد رفض التعاون في الماضي، وذلك عبر إجراء فحص على رسالة قديمة له؟ أو هل ينبغي لك إجراء اختبار أبوّة سرّي لطفلك مستخدمًا كوبًا شرب منه الرجل المشتبه في إقامته علاقة مع زوجتك؟ أو أن تتعقب رسائل مجهولة؟ أو أن تحصل على الحمض النووي لمشاهير؟

في "فاليجو" بولاية كاليفورنيا، أرسلت الشرطة هناك أيضًا مظاريف تابعة للقاتل المتسلسل "Zodiac" من أجل استخلاص الحمض النووي منها، آملين في تطبيق أدوات علم النسب الوراثية ذاتها التي ساعدت في اعتقال "سفاح كاليفورنيا المشتبه به". (مع ذلك، فإن المحققين في قضية هذا السفاح كانت لديهم ميزة امتلاكهم لحمضه النووي من فحص الاغتصاب الذي أجروه). ومن أجل العثور على السفاح المشبته به في ولاية كاليفورنيا، استخدم المحققون تقنية اختبار الحمض النووي في المنزل، المسماة Genotyping، التي تنظر في مئات آلاف المناطق في الجينوم البشري، وتقدّم تقنية الـ  Genotyping تفاصيل أدق بكثير من تقنية "التكرارات المترادفة القصيرة"، ما يساعد في الكشف عن العلاقات الأسرية البعيدة، فضلاً عن الأشكال الوراثية المتنوعة الي يمكنها التأثير على صحة الشخص ومظهره.. هذه معلومات كثيرة للغاية، موجودة في طيّات مظروف.

لهذه الأسباب، ترسم الشركات التي تقدم خدمات اختبار الحمض النووي للمظاريف خطًا أحمر: هذه الاختبارات ليست للأشخاص الأحياء؛ فالحالة الوحيدة التي يتم فيها السعي للحصول على الحمض النووي لشخص حيّ من رسالة له، هو لو كان هذا الشخص يرفض التعاون في إعطاء مسحة خد أو عيّنة بصاق، وفي هذه الحالة ربما يكون هؤلاء الأشخاص غير موافقين.

هذا يعني رفض طلبات زبائن محتملين، أخبرتني "جوسلين ماكبين"، مؤسسة شركة Totheletter DNA""، أن عددًا من الأشخاص تواصلوا معها لاختبار رسائل مسيئة مجهولة المصدر. هي تُبدي تعاطفًا مع هؤلاء الأشخاص، لكنها تقول "هذا الأمر يفتح الباب أمام مشاكل كبيرة". وبهدف تفادي إجراء اختبار لأشخاص أحياء، تطلب شركة Totheletter من زبائنها الإقرار صراحة بأن المظروف يعود لقريب متوفٍّ. لا ترفض "ماكبين" استخدام الحمض النووي وعلم الأنساب للعثور على مجرمين عنيفين مثل سفاح كاليفورنيا المزعوم – هي في الواقع مهتمة بالتعاون مع الشرطة في أستراليا- لكنها منزعجة من اسخدامهما لتعقب أي شخص.

وللحدّ من إمكانية إساءة استخدام هذه التقنية، لا تنوي شركة MyHeritage اختبار أشياء مثل فرشاة الأسنان وأطقم الأسنان والملابس القديمة. ولأن المظاريف عادة ما تحمل ختم بريد واسم الراسل، فإنه من السهل التحقق من صدقية كلام الزبون بشأن المظروف الذي يريد اختباره، وبان هذا العنصر المُراد اختباره لم يتم الحصول عليه بطريقة سريّة.

لقد أخبرتني شركة MyHeritage بشأن خططها لتحديث شروطها وخدماتها بهدف منع تحميل بيانات الحمض النووي العائدة لأشخاص أحياء، والتي جرى الحصول عليها عبر طوابع أو مظاريف. لكن الحمض النووي العائد لأشخاص ميتين، من بينهم إينشتين وتشرشل، سيُسمح بتحميلها.

يقول "بيتنجر": إن أخلاقيات اختبار الحمض النووي لشخص ميت هي أكثر غموضًا. فالأشخاص الميتون لا يتمتعون عادة بحقوق حماية الخصوصية، أما المشاهير الميتون، ولكونهم شخصيات عامة، فإن حقوق خصوصيتهم أقل. مع ذلك فإن الأشخاص الميتين يكون لديهم غالبًا أحفاد أحياء، يشاركون جزءًا من الحمض النووي لأسلافهم، ولديهم حقوق خصوصية. ماذا لو كان أحفاد إينشتين الأحياء غير راضين عن تحميل شركة ما لحمضه النووي على موقعها، ما سيمكِّن أشخاصًا عشوائيين على الإنترنت من معرفة ما إذا كان لديهم صلة قرابة بعيدة بهذا العالم العبقري؟  

على الجانب الآخر، يقول "بيتنجر"، نحن لا نطلب من كل أقاربنا الأحياء أو أحفادنا المستقبليين غير المولودين الموافقة عندما نرسل اختبار حمض نووي، بالرغم من أن هذا يؤثر عليهم جميعًا. لقد جرى التعرف على سفاح كاليفورنيا، على سبيل المثال، عبر أقاربه من الدرجة الثالثة والرابعة، الذين خضعوا لاختبار حمض نووي. لقد بات أي فرد في وقتنا الراهن يملك سيطرة قليلة نسبيًا على خصوصيته الوراثية.

تسمح شروط الخدمة في شركة Living DNA  بإجراء اختبار حمض نووي على المظاريف فقط عندما يكون الشخص المستهدف متوفىً، وفي حال حصول الزبون على المظروف بصورة قانونية. بالطبع، تعتمد شروط الخدمة هذه على أمانة الزبون، يراجع العامل الفني في مختبر ما المواد التي ستخضع للاختبار، للتأكد من مطابقتها لمزاعم الزبون، لكن التكلفة ربما تكون الرادع الأهم هنا، إذ يستحضر "ديفيد نيكلسون"، المؤسس المشترك لشركة LivingDNA، مثال اختبارات الأبوّة. فهذه الاختبارات متاحة في أي صيدلية مقابل 100 دولار تقريبًا، بينما تتراوح تكلفة هذه الخدمة في الشركة المذكورة بين 400 إلى 600 دولار. يقول نيكلسون: إن "هذه طريقة مكلّفة للغاية لإجراء اختبار".
 
ومن غير المرجح أن تنخفض تكلفة إجراء اختبار حمض نووي للمظاريف قريبًا. تستطيع شركات مثل "23andMe" و"ِAncestryDNA" و"MyHeritage" إجراء اختبارات عادية لمعرفة السلالة مقابل أقل من 100 دولار، وذلك لأنها تستخدم مسحات أو قوارير حمض نووي موحّدة، كما أنه من السهل أتمتة هذه العملية بواسطة الروبوتات.

وعلى النقيض من ذلك، فإنّ كل مظروف مختلف؛ إذ يتعيّن أن تقوم يد إنسان باقتطاع طرف المظروف أو الطابع بعناية، وإذابة المادة الغروية، ثم استخلاص الحمض النووي. يقول "نيكلسون": إن وجود أنواع مختلفة من الغراء ربما تتطلب تقنيات استخلاص مختلفة، كما أن الحمض النووي يتحلل بمرور الزمن، ولهذا فإن معدل نجاح اختبار رسائل قديمة يقارب خمسين بالمائة.

وحتى الآن، لا تزال الجدوى التجارية لاختبار الحمض النووي للمظاريف غير مؤكدة. يقول نيكلسون "في هذه اللحظة، نحن نجري هذه الاختبارات كبادرة لمساعدة الناس". إن الشركة لا تجني أي مال من هذه الاختبارات في الواقع. لقد فكر نيكلسون في عرض خدمة مكوّنة من مستويين، حيث يدفع الزبائن رسومًا أقل مقدمًا، ثم يدفعون مقابل التحليل الوراثي الكامل فقط حال نجاح التحليل، وقد كانت "ماكبين" صريحة بشأن تحديات مماثلة تواجهها شركة "Totheletter"، هي تعمل الآن لإعادة أموال الزبائن الذين لم تنجح عيّناتهم.

تقول ماكبين: "علينا تحسين نتائجنا لو أردنا أن تكون شركاتنا ذات جدوى تجارية"، ودخول شركة MyHeritage، وهي لاعب كبير في صناعة الحمص النووي الاستهلاكية، سيكون حالة اختبار مهمة.  

إن علماء الأنساب، بطبعهم، هم أناس يستمتعون بالتفكير بشأن أساليب الماضي، هم يدركون جيدًا أننا لم نعد نكتب رسائل ونلعق طوابع. يقول "بيتنجر": "لقد كانت هناك فترة ذهبية ممتدة من القرن التاسع عشر وصولاً ربما إلى القرن الماضي أو نحو ذلك"، مضيفًا: "ربما تقوم اختبارات الحمض النووي بإكمال هذه المهمة". بعبارة أخرى: لقد بات لدينا اليوم جيل من الأشخاص الذين يختبرون أنفسهم طوعًا، ويشاركون حمضهم النووي.. هل هناك أفضل من هذا؟!  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا