ذي أتلانتك | جسرًا نحو موسكو.. لماذا استشهد قادة أوروبيون في خطاباتهم بكلمات لدوستويفسكي؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

هل تمر أوربا بلحظة "دوستويفسكي"؟ أم إنها تمر بلحظة "بوشكين"؟ لقد استشهد الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، خلال مؤتمر صحفي مع فلاديمير بوتين في "سان بطربرج" في الرابع والعشرين من مايو، بخطاب "دوستويفسكي" عن "بوشكين"- وهو الخطاب الذي يوجّه فيه الكاتب نداءً مثيرًاً يدعو فيه لأن تتبنى روسيا مبدأ العالمية. ثم، في يوم الثلاثاء، أعاد رئيس وزراء إيطاليا الشعبوي الجديد "جوزيبي كونتي" صياغة – أو ربما أعاد صياغة بشكل خاطئ – خطاب دوستويفسكي ذاته في أول خطاب له أمام مجلس الشيوخ الإيطالي.

لقد ألقى "دوستويفسكي" خطابه المثير في عام 1880 في حفل إزاحة الستار عن تمثال ل "بوشكين"، الشاعر الذي يعتبر عرّاب الأدب الروسي. في ذلك الخطاب، أعاد "دوستويفيسكي" تفسير قصيدة "بوشكين" الملحمية "يوجين أونجين" لتناسب رؤيته الخاصة للعالم، إذ اعتبر أن بطلتها "تاتيانا" كانت مثالاً للمرأة الروسية، كما قدّم رؤية حماسية للغاية بشأن الروح الروسية. وقد خلص في خطابه إلى رؤية واسعة لعلاقة روسيا بأوروبا، وهو ما أثار إعجاب كل من مؤيدي "النزعة السلافية" و"النزعة الغربوية"، وهما مدرستان فكريتان روسيتان ما يزال لهما صدى حتى يومنا هذا.

يقول دوستويفسكي في خطابه:
"لا يعرف الأوربيون كم هم عزيزون علينا" ويتابع "أنا أؤمن أننا نحن الروس.. سنفهم أنه لكي نصبح روسًا حقيقيين يعني أن نسعى في النهاية للتوفيق بين كل المسائل الخلافية الأوربية، وأن نسعى لحل المعاناة الأوربية عبر روحنا الروسية الإنسانية والموحدة، وأن نحتضن بكل حب أخويّ كل اخواننا……"  

هذه هي الفقرة التي ذكرها ماكرون في الشهر الماضي. وأثناء ظهوره إلى جانب بوتين في مؤتمر صحفي تم التطرق فيه أيضا إلى ترمب والناتو وسوريا، استشهد ماكرون بهذا الخطاب بوصفه يوفر أساسًا لكيف يمكن لفرنسا وروسيا أن تجدا قاسمًا مشتركًا فيما بينهما. وقال ماكرون "جميعنا لدينا تناقضات أوربية داخل شعوبنا يتعيّن علينا حلّها، لكننا نعلم، وعلمنا في الماضي، وسنعلم أيضا غدا، كيف نبني أرضية مشتركة حقيقية"

وباقتباسه كلمات تعود لأحد أهم الكتاب الروس، يكون ماكرون واحدًا من ضمن سلسلة طويلة من الرؤساء الفرنسيين الذين استخدموا الثقافة والقوة الناعمة كوسيلة لإقامة أو تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية. كما أن ماكرون أيضا أحد أكثر السياسيين المثقفين على الساحة العالمية اليوم، وهو ما لا ينسجم بطبيعة الحال دوما مع حالة الغضب الشعبوية الراهنة ضد النخب، كما تعرّض ماكرون في بلده لانتقادات بسبب فشله في تحويل خطاباته لأفعال. (فشل خطاب ماكرون القوي الذي ألقاه في الكونغرس الشهر الماضي في إقناع ترمب بالحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، أو بالتراجع عن فرض رسوم على أوربا)

وعلى النقيض من ذلك، استشهد رئيس الوزراء الإيطالي "كونتي"، أثناء خطابه أمام مجلس الشيوخ الإيطالي يوم الثلاثاء، بخطاب "دوستويفسكي"، لكن بدا أنه كان يشدّد على مسألة العلاقة بين النخب والشعب، وهو موضوع لم يكن في قلب خطاب دوستويفيسكي، هذا إن كان موجودًا أصلا. وقال "كونتي" في خطابه "لقد جرى اتهامنا بأننا شعبويون ومناهضون للنظام" مضيفا "هذه صياغات لغوية يحق لأي شخص استخدامها" وتابع بالقول "لو كانت الشعبوية تعني إنصات الطبقة الحاكمة لحاجات الشعب، وأنا هنا استلهم من خطاب دوستويفسيكي عن بوشكين، ولو كانت معارضة النظام تعني السعي لإنشاء نظام جديد، فإن هذه القوى السياسية تستحق هذه الصياغة اللغوية".

إن رئيس الوزراء "كونتي" هو محامٍ مغمور اختارته حركة "خمس نجوم" المناهضة للمؤسسة الحاكمة في إيطاليا وحزب "الرابطة" اليميني لقيادة حكومة ائتلافية- وهي أول حكومة شعبوية تتشكل في إيطاليا التي تعتبر عضوًا مؤسسًا رئيسيًا للاتحاد الأوربي. وقد خرجت تلك الحكومة للنور يوم الجمعة الماضي بعد فشل محاولة الرئيس الإيطالي في اللحظات الأخيرة لتنصيب حكومة تكنوقراطية. وقد جاءت تلك المحاولة الفاشلة عقب رفض الرئيس طلب الأحزاب لتعيين شخصية متشككة في أوربا في منصب وزير المالية. وبعد أيام من المناورات المجنونة، التي تراجع فيها (كونتي) ثم عاد مرة أخرى، اتفق الحزبان السياسيان في النهاية على اقتسام السلطة في حكومة سياسية يوجد بها وزير مالية أقل إثارة للجدل.

إن خطاب "كونتي" أمام مجلس الشيوخ الإيطالي جاء قبل تصويت بالثقة في الحكومة الجديدة، والذي نالته الحكومة اليوم في مجلس الشيوخ، وسيتعيّن عليها أن تناله أيضا يوم الأربعاء في مجلس النواب الإيطالي، وهو الغرفة السفلى للبرلمان. إن استشهاد "كونتي" بخطاب "دوستويفيسكي" عن "بوشكين" كان مقدمة للفكرة الأساسية بشأن روسيا في خطابه: وهي أن إيطاليا تسعى لإجراء "انفتاح" تجاه روسيا، ورفع العقوبات، والبداية تكون، حسبما قال، "عبر رفع تلك العقوبات التي تضر بالمجتمع المدني" في روسيا.

هذا ليس أمرًا جديدا بالكامل على إيطاليا. فخلال فترة حكمه الممتدة من 2014 إلى 2016، دعا رئيس الوزراء الإيطالي المنتمي ليسار الوسط "ماتيو رينزي" أيضا لتخفيف العقوبات المفروضة على روسيا. لقد كانت إيطاليا دوما دولة متعاطفة مع روسيا- بداية من احتضان إيطاليا لأكبر حزب شيوعي في الغرب، وصولا إلى الصداقة الشخصية التي جمعت رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق "سيلفيو" بيرلسكوني" والرئيس الروسي بوتين. كما أن الشركات التجارية في شمال إيطاليا، وهي معقل حزب "الرابطة" اليميني، تجري الكثير من الاعمال التجارية مع روسيا.

إن قائد حزب "الرابطة"، ماتيو سالفيني، الذي برز بوصفه الرجل القوي في هذه الحكومة، والذي يشغل الآن منصب وزير الداخلية، لم يستشهد بخطاب "دوستويفيسكي" عن "بوشكين". فهو يميل أكثر نحو رئيس وزراء المجر "فيكتور أوربان" ورئيسة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا "ماري لوبان"، لكنه معجب بخطاب بوتين بشأن حماية الغرب المسيحي. يشرف "سالفيني" الآن على أجهزة الشرطة والاستخبارات الإيطالية. إن الشعوب الأوربية مازالت بالتأكيد عزيزة جدا على روسيا.  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا