اتفاقية أمنية بين الصين وجزر سليمان.. لماذا تهدد العالم؟

رنا أسامة

تتطلع الصين لإعادة توازن النظام العالمي لخدمة مصالحها على حساب الديمقراطية وعالم مفتوح وحر.


عندما أعلن رئيس وزراء جزر سليمان، ماناسيه سوجافاري، توقيع اتفاقية أمنية شاملة مع الصين، أصرّ على أنها “لن تؤثر سلبًا أو تقوّض السلام والوئام في المنطقة”.

ولم يوضّح ماناسيه سوجافاري مغزى توقيت إعلانه الاتفاقية التي تثير قلقًا، أمام البرلمان، اليوم الأربعاء 20 إبريل 2022، قبل أيام من وصول وفد دبلوماسي أمريكي إلى العاصمة، كذلك لم يُبيّن ما إذا كانت الاتفاقية الموقّعة مُطابقة لمسوّدة سرّبت مُسبقًا.

لعبة تُغيّر قواعد اللعبة

إعلان سوفافاري، بمزيج من السرية والتأكيد الغامض، هزّ ديمقراطية جزر سليمان واستقرار منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأكملها. في حين أعرب عن رغبته في إرجاء انتخابات العام المقبل من خلال إعادة كتابة الدستور، وبات بإمكانه الاعتماد على الصين في حال اندلعت احتجاجات، مع تمتع الزعيم الصيني، شي جين بينج، وجيشه بموطئ قدم في سلسلة جزر لعبت دورًا حاسمًا الحرب خلال العالمية الثانية ويمكن استخدامها لإغلاق ممرات شحن حيوية.

و وصفت الأستاذة بجامعة كانتربري في نيوزيلندا، المهتمة بدراسة التأثير الصيني بالمنطقة، آن ماري برادي، الخطوة بأنها “لعبة تُغير قواعد اللعبة”، لا سيّما إذا تطابقت النسخة الموقعة مع المسودة التي بدأ تسريبها الشهر الماضي، تُمكّن الصين من بناء قاعدة بحرية في جنوب المحيط الهادئ، بحسب صحيفة نيويويورك تايمز الأمريكية.

ضرورة أمنية

توفر الاتفاقية الأمنية بين بكين وهونيارا تفويضًا واسعًا للصين لتدخل مُحتمل، إذا تعرّضت استثماراتها الأجنبية وشتاتها لتهديد، بتوسيع نطاق عرضها لقوتها العسكري، ما يُثير مخاوف بين حلفاء الولايات المتحدة، تحديدًا أستراليا ونيوزيلندا، بشأن النفوذ الصيني في منطقة تمتّعوا فيها بنفوذ كبير لعقود.

وعدّ مسؤولون من الصين وجزر سليمان، الاتفاقية الأمنية “ضرورية” لضمان الاستقرار في هونيارا بعد اضطرابات عنيفة استغرقت أيامًا في نوفمبر الماضي، استهدفت المصالح الصينية وحكومة سوجافاري. ظبحسب المسودة، فإن أي شيء تقريبًا مرتبطًا بالصين في جزر سليمان البالغ عدد سكانها اقل من 700 ألف نسمة، من مواطنين إلى شركات صغيرة لبنية تحتية إلى ملاعب، يكفي لتحفيز استدعاء قوات صينية، وفق نيويورك تايمز.

1 29

مبدأ القوة العسكرية

في حين أن الاستثمارات الصينية موجودة في كل مكان، قد تواجه دول ضغوطًا مماثلة لتعزيز النفوذ الصيني. ووقّعت أكثر من 140 دولة على مبادرة الحزام والطريق في بكين، التي تقرض فيها الصين عادةً مبالغ مالية كبيرة للدول الأعضاء في مبادرتها، من أجل بناء طرق وسدود وسكك حديدية وموانئ ومرافق رياضية.

وتحاول الصين إرساء مبدأ استخدام القوة العسكرية لحماية وجودها الاقتصادي، لا سيّما في المناطق التي تدّعي أنها لا تتمتع بنفوذ فيها، كما يرى أستاذ القانون بجامعة تسمانيا الأسترالية، ريتشارد هير، الذي قدّم استشارات لحكومات عديدة بالمحيط الهادئ. وتحمل اتفاقية الصين وجزر سليمان رسالة للعالم، مفادها من وجهة نظر هير، أنه “إذا تعرضت مشاريع بكين الكبرى لتهديد، يحق لها حمايتها”، بحسب نيويورك تايمز.

اتفاقية الصين وجزر سليمان.. لماذا تثير قلقًا؟

رئيس شؤون أستراليا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تشارلز إيدل، قال إن الدرس الذي ينبغي على العالم تعلّمه أن “الصين تتطلع لإعادة توازن النظام العالمي لصالحها”، مُضيفًا “سواء كان ذلك يعني فتح طرق تجارية أو إنشاء منشأة عسكرية أو توقيع اتفاقية أمنية، ستعمل بكين لخدمة مصالحها الخاصة على حساب الديمقراطية وعالم مفتوح وحر”.

بحسب نيويورك تايمز، فإن جزر سليمان، وهي أرخبيل في جنوب المحيط الهادئ، ليست المكان الوحيد الذي سعت فيه الحكومة الصينية للجمع بين ترتيبات أمنية واقتصادية. وفعّلت الأمر نفسه من جيبوتي إلى باكستان إلى كمبوديا، بإطلاق مشاريع بنية تحتية ساعدتها على الوصول إلى موانئ استراتيجية. لكن إيدل قال إن الاتفاقية مع جزر سليمان كانت “في بعض النواحي أكثر إثارة للقلق”.

لم تحدث من فراغ

الباحث الأسترالي عزا سبب إثارة الاتفاقية للقلق إلى الموقع الجغرافي لجزر سليمان. ونظرًا لأن الدولة المكونة من 900 جزيرة تقريبًا تقع عبر ممرات شحن تربط الولايات المتحدة بآسيا، فإن جزر سليمان وجيرانها، تمثل أولوية إستراتيجية، كما أظهرت اليابان في الحرب العالمية الثانية، قبل أن يطرد الأمريكيون قواتها في معركة وادي القنال التي جرت بين أغسطس 1942 وفبراير 1943.

وأوضح أن “الصفقة الأمنية بين الصين وجزر سليمان لم تحدث من فراغ”. فقد عززت الصين وجودها ووسعت نفوذها عبر المحيط الهادئ على مدار العقد الماضي. وفيما تبحث بكين عن قاعدة عسكرية في المنطقة، ستسمح لها الاتفاقية بإبراز قوتها في الخارج وإلى أبعد من ذلك، بما قد يصل إلى “التأثير على السياسة عبر المحيطين الهندي والهادئ”، بحسب إيدل.

2 10

ماذا عن الموقف الأسترالي والأمريكي؟

أستراليا التي أرسلت فريقًا إلى هونيارا في نوفمبر لتهدئة الاضطرابات، تبدو أنها غير سعيدة أيضًا بالاتفاقية التي تجيز نشر قوات من الشرطة والبحرية الصينية في الأرخبيل. عندما تسرّبت المسودة، ضغط مسؤولون أستراليون على حكومة سوجافاري لعدم التوقيع عليها.

وألقى رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، باللوم على الصين، قائلًا إن الاتفاقية تنذر بتعرّض دول لتعدٍ صيني، وانتقدت وزيرة الخارجية الأسترالية، ماريز باين، جزر سليمان لافتقارها للشفافية وفشلها في التشاور مع دول المحيط الهادي الأخرى بشأن الصفقة.

في المقابل، حاول المسؤولون الأمريكيون تجنب توبيخ حكومة سوجافاري. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الاتفاقية الأمنية اتبعت نمطًا تُبرم فيه الحكومة الصينية “صفقات غامضة مع مشاورات إقليمية قليلة”، بما قد يهدد استقرار جزر سليمان ويشكّل سابقة مقلقة لمنطقة جزر المحيط الهادي، وفق نيويورك تايمز.

كيف ردّت جزر سليمان؟

من جانبه، أبدى رئيس وزراء جزر سليمان اهتمامًا قليلًا بالاستماع إلى مخاوف أستراليا والولايات المتحدة أو دول جزر المحيط الهادئ الأخرى. وقال في البرلمان بعد إعلان توقيع الاتفاية الأمنية، الأربعاء: “أطلب من جميع جيراننا وأصدقائنا وشركائنا احترام المصالح السيادية لجزر سليمان”.

ويشعر منتقدو سوجافاري في الحكومة بالقلق الآن من أن يقود تصويت بحجب الثقة إلى مزيد من الاحتجاجات. ويقول معارضو سوجافاري إن مجرد التهديد بتدخل صيني من شأنه أن يقوّض بالفعل الديمقراطية في البلاد. وواجه رئيس الوزراء انتقادات لرغبته في إقامة علاقات أقوى مع بكين بعد أن قطع فجأة العلاقات التي أقيمت منذ فترة طويلة مع تايوان في 2019.

ربما يعجبك أيضا