راند | استهداف البنية التحتية.. تعرف على أحد أشكال الحرب السيبرانية بين الولايات المتحدة وروسيا

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

تتجه المواجهة السيبرانية بين الولايات المتحدة وروسيا بوتيرة متزايدة نحو البنية التحتية المدنية الحيوية, لا سيما شبكات الطاقة, وذلك بناءً على التقارير الصحفية الأخيرة. لقد بات الصراع الخفي علنيًا الشهر الماضي, عندما أوردت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا عن نقلة في القيادة السيبرانية الأمريكية إلى نهج أكثر عدوانية في استهداف شبكة الطاقة الكهربائية الروسية. 

أثار التقرير تشكُّك بعض الخبراء ونفي الإدارة, لكن هذا الكشف دفع موسكو إلى التحذير من أن مثل ذلك النشاط قدّم "تحديًا مباشرًا" والذي تطلب ردًا. نشرت مجلة "وايرد" في نفس اليوم مقالًا أوضح بالتفصيل الاستطلاع السيبراني المتزايد عن الشبكات الأمريكية عن طريق برمجية خبيثة مُعقدة ناشئة من مؤسسة أبحاث روسية, نفس البرمجية التي أعاقت العمليات في مصفاة نفط سعودية في 2017 خلال ما وصفته "وايرد" بأنها "واحدة من الهجمات السيبرانية الأكثر تهورًا في التاريخ." 

وعلى الرغم من أن كلا الجانبين كانا يستهدفان البنية التحتية لأحدهما الآخرمنذ 2012 على الأقل, بحسب مقال نيويورك تايمز, غير أن عدوانية ونطاق هذه العمليات يبدو الآن غير مسبوق. 

تتشارك واشنطن وموسكو عدة أوجه تشابه فيما يتعلق بالردع السيبراني. على سبيل المثال, كلاهما يرى الآخر خصمًا ذا قدرة عالية. يشعر المسئولون الأمريكيون بالغيظ من قدرة موسكو على استخدام قوتها الاستبدادية للتحكم في الأوساط الأكاديمية, والقطاع الخاص, والشبكات الإجرامية لتعزيز قدرتها السيبرانية مع عزل المخترقين المدعومين من الدولة عن الإسناد المباشر.

ترى موسكو قدرة سيبرانية حازمة في الولايات المتحدة, قادرة على صناعة برمجية خبيثة مُعقدة مثل فيروس ستوكسنت, بينما تستخدم العمليات الرقمية لتنسيق الثورات الإقليمية, مثل الربيع العربي في 2011، في حين بعض المسئولين على الأقل في الجانبين يعتبرون البنية التحتية المدنية وسيلة ضغط ملائمة وضرورية لردع الآخر. 

وأيًّا كانت أوجه التشابه بينهما في الاستهداف السيبراني, سلكت موسكو وواشنطن مسارات مختلفة في تطوير القدرات والسياسات الخاصة بالحرب السيبرانية, إلى حد كبير بسبب التفسيرات المختلفة بشدة لكلا الجانبين للأحداث العالمية وكمية الموارد الموجودة تحت تصرفهما. 
تسببت فجوة كبيرة في الاستعداد لاستخدام العمليات السيبرانية والقدرة على شنها في التفريق بين الاثنين لمدة 20 عامًا تقريبًا. في حين أن الجيش الأمريكي عزز الأخيرة, إلا أن مسألة متى وأين ينبغي أن تستخدم الولايات المتحدة العمليات السيبرانية فشلت في مجاراة القدرات الجديدة. على العكس, قدرة روسيا, خاصة داخل جيشها, تفوقت عبر استعدادها لاستخدام العمليات السيبرانية ضد الخصوم المتصورين.

مع هذا, تعكس الأحداث منذ 2016 تقاربًا لهذين العاملين. وفي حين أن الولايات المتحدة أظهرت استعدادًا متزايدًا لشن عمليات ضد روسيا, عززت موسكو قدرتها السيبرانية العسكرية نوعًا ما عن طريق توسيع مبادرات التجنيد وتطوير البرمجيات الخبيثة. 

غير أن الخطر في الردع السيبراني لكلا الجانبين لا يكمن كثيرًا في استعدادهما وقدرتهما المتقاربين بقدر ما هو متأصل في سوء الفهم المتبادل. السلطات السيبرانية في الكرملين, على سبيل المثال, تمتلك وجهة نظر شبه ثابتة عن أن الولايات المتحدة تسعى لإضعاف الوضع العالمي لروسيا في كل منعطف على طول الجبهة الرقمية, مشيرة إلى أن العمليات السيبرانية الأمريكية تقف خلف الحوادث العالمية المعارضة لأهداف السياسة الخارجية لموسكو. إن التوسع المعلن في استهداف شبكات الطاقة الروسية قد يضمن أن الأعطال المستقبلية, التي قد تحدث بصورة عشوائية, سوف تراها موسكو عملًا واضحًا للعدوان السيبراني الأمريكي.

في واشنطن, يبدو أن القليل من الجهود مكرسة لفهم تعقيد وجهة نظر روسيا عن الحرب السيبرانية والردع. إن فكرة أن جهود روسيا عام 2016 للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية كانت بمثابة بيرل هاربر "سيبرانية" أو "سياسية" هي مقارنة مناسبة فقط بمعنى أن المسئولين الأمريكيين كانوا مصدومين من نهج موسكو المميز تجاه الحرب السيبرانية: وهو خليط من العمليات السيكولوجية والفنية والذي يختلف عن معظم المفاهيم الغربية. 

وقد نفّذ العملاء العسكريون الروس ما يجب اعتباره حملة سيبرانية أكثر عدوانية قبل عام من تدخلهم في الانتخابات الرئاسية, عندما إدعوا إنهم "الخلافة السيبرانية," وهو فرع إلكتروني لداعش, وهاجموا المنافذ الإعلامية الأمريكية وهددوا أمن أزواج العسكريين الأمريكيين. من جانبهم, عقد الروس مقارنة تاريخية مختلفة لنشاطهم في 2016. "أندري كروتيسك", رجل الكرملين المسئول عن قضايا الدبلوماسية السيبرانية, شبّه تطوير روسيا للقدرات السيبرانية ذلك العام بأول اختبار قنبلة ذرية ناجح للاتحاد السوفيتي في 1949. 

وقد كرّس المحللون الغربيون القليل من الانتباه إلى الخبراء السيبرانيين الفعليين في الجيش الروسي, الذين كتبوا بداية من 2008 سلسلة من المقالات عن عواقب عسكرة واشنطن المتصورة للفضاء السيبراني, ومن ضمنها المقال الأخير في منتصف 2016 الذي ناقش حاجة روسيا للسعي إلى السلام السيبراني مع الولايات المتحدة عن طريق إظهار "إمكانيات معلوماتية" متساوية. 

ورغم وجود السلطات الجديدة للقيادة السيبرانية, لا يتقيد المخترقون الروس نسبيًّا بحدود قانونية أو معيارية ولديهم قائمة أوسع بكثير من الوسائل والطرق في التنافس مع الولايات المتحدة باستثناء الحرب الشاملة. المخترقون العسكريون الروس, على سبيل المثال, لاحقوا كل شيء من الكنيسة الأرثوذكسية إلى المؤسسات الفكرية الأمريكية, وشنوا ما وصفته إدارة ترامب بالهجمة السيبرانية الأكثر تكلفة في التاريخ.
في المساحة الحرجة بين الحرب والسلام, تستفيد العمليات السيبرانية الروسية بالتأكيد من التفويض المتساهل الخارج عن القانون الممنوح من دولة استبدادية, وهو تفويض ستعزف واشنطن عن تكراره بدافع الإحباط. 

ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يمر نشاط الكرملين دون رد، لكن النقلة من تعطيل الوصول إلى الإنترنت على "اللجان الإلكترونية" الروسية إلى التهديد بقطع الكهرباء عن مناطق في روسيا قد تُعرّض المعايير القليلة الهشة الموجودة في هذه المنافسة السيبرانية الثنائية للخطر, وربما تؤدي إلى استهداف موسع للمنشآت النووية.

إن الولايات المتحدة تتأخر في مواجهة تنبؤ الكثير من المسئولين في دوائر الدفاع الروسية بحدوثها منذ وقت طويل, وذلك حينما كان صُناع السياسة الأمريكيون مشغولين بمتطلبات مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد.

وقد تتبع واشنطن خطى موسكو في إدراك أن هذا صراع طويل المدى والذي يتطلب حلولًا مبتكرة ومدروسة على عكس الحلول الانعكاسية. إن زيادة التكاليف الدبلوماسية للعدوان السيبراني الروسي, ودعم الدفاعات السيبرانية, أو حتى تعزيز القنوات العسكرية أو الدبلوماسية لبحث الخطوط الحمراء السيبرانية, حتى لو كانت سرية أو غير رسمية, قد تقدّم خيارات أفضل من المقامرة بأمن المدنيين الذين أقسمت قوات كلا الجانبين على حمايتهم. 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا