رغبة في الحوار .. طهران تطالب واشنطن بتنفيذ “معاهدة الصداقة”

ولاء عدلان

رؤية
 
عقدت محكمة العدل الدولیة في لاهاي، الیوم الإثنین، جلستها الأولي للبت في شكوی الحكومة الإیرانیة إزاء العودة أحادیة الجانب للحظر من قبل حكومة واشنطن.
 
وأعلنت محكمة العدل الدولیة، فی بیان بتاریخ 26 یولیو 2018، أن جلسة الاستماع العامة، فیما یتعلق بإصدار أمر مؤقت في ملف انتهاك اتفاقیة الصداقة عام 1955، التی تمنع أیة اعتداءات بین إیران وأمریكا من أي نوع، سواء سیاسیة أو عسكریة أو اقتصادیة، ستعقد یوم الإثنین 27 اغسطس وتستمر إلى الخمیس 30 أغسطس 2018، فی قصر لاهای للسلام (هولندا).
 
وسیتقدم الهیئتان الإیرانیة والأمریكیة الیوم وغدا، الحجج الشفهیة فی الجولة الأولي من جلسة الاستماع الشفویة. وفی الجولة الثانیة من جلسات الاستماع الشفویة في 29 و30 اغسطس، ستقدم إیران والولایات المتحدة، الأدلة والوثائق إلى المحكمة.
 
وأفادت وكالة رویترز الیوم (الإثنین) أنه بعد أربعة أیام من المداولات حول الشكوي التی قدمتها إیران إلى محكمة العدل الدولیة، ستصدر هذه السلطة القضائیة التابعة للأمم المتحدة حكمها في غضون شهر.
 
وأضافت رویترز، إن الولایات المتحدة لم ترد بعد على الدعوى القضائیة الإیرانیة، ومن المتوقع أن یدفع محامو الولایات المتحدة بضرورة ألا یكون لمحكمة العدل الدولیة سلطة قضائیة في هذا النزاع وبأن معاهدة الصداقة لم تعد ساریة وبأن العقوبات التي فرضتها واشنطن علي طهران لا تمثل خرقا بأي حال.
 
وحسب رویترز، فإن المحامین الإیرانیین یرون إن استئناف العقوبات الأمریكیة، انتهاك لمعاهدة 1955، وسیطالبون المحكمة باصدار قرار ضد أمریكا یقضي برفع العقوبات ضد إیران.
 
كما اعتبر وزیر الخارجیة الإیراني محمد جواد ظریف، یوم أمس الإثنین أن موقف إیران في محكمة لاهاي قوي للغایة وقال إن الأمريكیین یحاولون التشبث بالأعمال الدعائیة.
 
وعلق ظریف علي شكوي إیران من أمريكا في محكمة لاهاي على خلفیة فرضها الحظر على طهران من جدید بالقول إن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بادرت عقب خروج أمريكا من الاتفاق النووي وفرض الحظر من جدید على إیران إلى تقدیم شكوى إلى المحكمة الدولیة في لاهاي ضد واشنطن على أساس اتفاقیة عام 1955.
 
وأوضح ظریف أنه رغم أن الأمريكیین عرضوا التفاوض مع إیران من جدید عقب خروجهم من الاتفاق النووي ولكنهم قد نقضوا العهد فیما سبق وأن إیران اتخذت الإجراءات اللازمة وفق اتفاقیة 1955.
 
وأعلن ظریف بأن محكمة لاهاي مهتمة حتما بجمیع جوانب ملف إیران وقال إننا نعتقد بأن الدعوى المذكورة قانونیة بشكل كامل ونأمل أن تحكم محكمة لاهاي لصالح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.
 
اقتصاد محاصر
 
دخلت الدفعة الأولى من العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ مطلع أغسطس على أن تليها دفعة ثانية في الخامس من نوفمبر تطال قطاع النفط والغاز الذي يلعب دورا أساسيا في الاقتصاد الإيراني.
 
وفي شكواها إلى المحكمة، تتحدث طهران عن “حصار” اقتصادي فرضته واشنطن “مع كل الانعكاسات الدراماتيكية التي يخلفها ذلك على الشعب الإيراني المحاصر”.
 
وأعلنت عدة شركات بينها المجموعات الفرنسية توتال وبيجو ورينو إلى جانب الألمانيتين سيمنز ودايملر عن وقف أنشطتها في إيران بسبب العقوبات.
 
كما أعلنت شركة الخطوط الجوية البريطانية “بريتيش إيرويز” والخطوط الفرنسية “اير فرانس” الخميس وقف رحلاتهما إلى طهران الشهر المقبل، مشيرتين إلى ضعف المردود التجاري.
 
لكن “بريتيش إيروايز” أوضحت أن رحيلها من إيران ليس مرتبطا بالعقوبات الأميركية.
 
وسيقدم محامو واشنطن حججهم الثلاثاء. ويقول الخبراء إن الولايات المتحدة ستركز على الأرجح على عدم أهلية محكمة العدل الدولية للنظر في هذه القضية.
 
وأحكام محكمة العدل الدولية ملزمة ولكنها لا تملك سلطة فرض تطبيقها كما تم تجاهلها في حالات نادرة من قبل بعض الدول من بينها الولايات المتحدة.
 
رغبة في التفاوض
 
يقول المحلل السياسي، دينيس روس، في تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي”، أن إيران تثير الهلع ولكنها ترغب في عقد اتفاق.
 
ويستطرد في تحليه، أنه لا يزال الاتفاق النووي الإيراني يستقطب الأنظار حتى في آخرته. فالأطراف المؤيدة له تجاهر بأن إيران لن تتفاوض أبداً على أي تعديل له، في حين يجادل معارضوه بأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب منه سيؤدي إلى إبرام اتفاق أفضل.
 
ويبدو أن ترامب نفسه يؤمن بإمكانية عقد اتفاق أفضل بعد أن كان قد عرض مؤخراً التحاور مع الجانب الإيراني دون شروط مسبقة. بيد أن المرشد الأعلى علي خامنئي أشار إلى عدم موافقته حين صرّح قائلاً: “أنا أحظّر إجراء أي محادثات مع أمريكا… فأمريكا لا تلتزم بوعودها بتاتاً”. وقد جاء هذا الحظر بعد أن كان قائد “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني اللواء محمد علي جعفري قد أصرّ على أن “الشعب الإيراني لن يسمح أبداً لمسؤوليه بالاجتماع والتفاوض مع الشيطان الأكبر، فنحن لسنا كوريا الشمالية”.
 
ويقول، دينيس روس: يبدو هذا الكلام حاداً، لكنني أعتقد أن مؤيدي ترامب هم بأفضل حال. ويشير التاريخ والديناميات السياسية الأساسية بأن موقف إيران المتحدّي من المفاوضات سوف يلين قبل مرور فترة طويلة، ومن الممكن تماماً توقع التوصل إلى اتفاق بين الجانبين. ومع ذلك، لن تكون جولة المفاوضات الأمريكية -الإيرانية المقبلة شبيهةً على الإطلاق بالجولة الأولى – ومن المرجح أن يلعب فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دوراً أساسياً كصانع سلام.
 
ومع تعثر الاقتصاد وازدياد الضغوط في إيران، سيبحث النظام عن مخرج وسيكون مستعداً للحوار في الوقت المناسب. في المقابل، سيشعر الإيرانيون ببعض الرفاهية مع بلوغ سعر برميل النفط ما يزيد عن 70 دولاراً خصوصاً وأن ميزانيتهم كانت قائمة على 55 دولاراً للبرميل الواحد. بالإضافة إلى ذلك، سيتريّث القادة الإيرانيين بانتظار معرفة مقدار تراجع مشتريات النفط الإيراني من قبل المشترين الأوروبيين وما إذا كان سيحل محلهم آخرون.
 
مشاركة روسيا
 
ويشير المحلل الأمريكي في تقريره إلى أنه، من المرجح أن تبحث إيران عن وسيلة للحوار – ليس بشكل مباشر، لأن ذلك سيبدو وكأنه استسلام. وبدلاً من ذلك، من المحتمل أن يقترب قادة إيران من الروس في أوائل العام المقبل. فهم يلاحظون كيفية ارتباط ترامب ببوتين، ومع اهتمام بوتين بإبراز النفوذ الروسي على الساحة العالمية، سيضطلع بسرورٍ بدور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران. (على الأقل لأن بوتين سيكون متلهفاً على الأرجح بأن تتضمن تلك المحادثات مناقشات حول مستقبل سوريا).
 
بإمكان المرء أن يتصوّر بوتين – ربما في اجتماعه المرتقب مع ترامب في أوائل عام 2019 – يقدّم اقتراحاً بتوسيع قيود الاتفاق النووي على أجهزة الطرد المركزي الإيرانية والمواد المخصّبة عبر تمديد فترتها لمدة 10 إلى 15 عاماً مقابل إلغاء الولايات المتحدة جميع عقوباتها. بمعنى آخر، تقوم الولايات المتحدة بإسقاط كافة عقوباتها الحالية – النووية وغير النووية – مقابل تمديد القيود على برنامج التخصيب الإيراني من عام 2030 حتى عام 2045، وبالتالي لن يكون هناك أي غموض بشأن قدرة إيران على التعامل مع المصارف الأمريكية.
 
من الناحية النظرية، لا يرقى هذا الاقتراح إلى مستوى موقف إدارة ترامب الذي عبّر عنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مطالبه الإثني عشر من الإيرانيين – وهي مطالب لا تقتصر على إنهاء برنامج التخصيب النووي، بل أيضاً على وضع حد للتهديدات الإيرانية وأعمالها المخلة بالاستقرار في المنطقة. ولكن إذا عرض بوتين مثل هذا الاقتراح وطرَحه على ترامب على انفراد، فمن الصعب الاعتقاد بأن الرئيس الأمريكي سيرفضه ببساطة، فثمة احتمال كبير بأن يرى فيه باباً – أو حتى “عرضاً لا يضاهى” أو صفةً مفرطة أخرى.
 
معاهدة الصداقة
 
هذا، وقد تم التوقيع على معاهدة الصداقة بين الولايات المتحدة وإيران في عام 1955، خلال ولاية الرئيس الأمريكي “دوايت أيزنهاور”، ورئيس الوزراء الإيراني “حسين علاء”. وجاءت هذه المعاهدة في فترة، عندما كانت إيران تحاول جذب المستثمرين الأجانب، من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل ، مثل “قانون الجذب ودعم الاستثمار الأجنبي” الذي أقره البرلمان الإيراني.
 
تم التوقيع على المعاهدة بعد سنتين من انقلاب 1953 في إيران. كان انقلابًا مدبرًا من قبل الحكومة البريطانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية؛ من أجل هيمنة الشاه على السلطة، وانهيار حكومة “محمد مصدق” القومية في إيران، التي قامت بتأميم صناعة النفط الإيرانية.
 
تاريخ هذه الاتفاقات بين الولايات المتحدة وبلدان أخرى يعود الى عام 1778 في القرن الثامن عشر؛ إذ وقعت الولايات المتحدة اتفاقية الصداقة والعلاقات التجارية مع فرنسا. ومنذ توقيع تلك الاتفاقيات، أصبحت قاعدة لحكومات الولايات المتحدة تنفيذ هذه المعاهدات مع الدول الأخرى؛ من أجل تسهيل وتبسيط الاستثمارات والأنشطة التجارية وترسيخ العلاقات السياسية.
 
بنود المعاهدة
 
حسب تقرير لمجلة مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكية، تتكون المعاهدة من مقدمة وثلاثة وعشرين مادة.
 
وتؤكد على العلاقات الودية مع تشجيع التجارة والاستثمارات المشتركة وتنظيم العلاقات القنصلية. ووقع على المعاهدة “مصطفى ساميلي” (نائب إيراني من وزارة الشؤون الخارجية) و”سلدن شابين” (سفيرًا فوق العادة ومفوضًا للولايات المتحدة) في طهران قبل أسبوع فقط من الذكرى الثانية لانقلاب عام 1953. ودخلت هذه المعاهدة حيز التنفيذ في يونيو (حزيران) عام 1957.
 
معاهدة سارية
 
في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1979، بعد 22 عامًا من دخول المعاهدة حيز التنفيذ، حدثت أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران. وفي غضون بضعة أشهر في أبريل (نيسان) 1980 قطعت واشنطن العلاقات السياسية مع طهران، وأجرت ـ في وقت لاحق ـ عملية عسكرية في إيران؛ من أجل تحرير الرهائن، التي فشلت لأسباب فنية ومناخية.
 
ثم فُرضت الجولة الأولى من العقوبات الأمريكية ضد إيران، وتم تجميد جميع الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة.
 
كان ذلك بداية عصر التوتر والإجراءات غير الودية، والتي كانت كل واحدة منها انتهاكًا واضحًا للمعاهدة التي نصت في المادة الأولى على أن “يكون هناك سلام وطيد وصداقة مخلصة دائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران”.
 
كان يمكن لهذه الحوادث أن تؤدي إلى إلغاء المعاهدة أو رحيل أي من الطرفين، ولكن على الرغم من كل التوترات والحوادث، وتضارب المصالح على مدى العقود الأربعة الماضية، ليس هناك أي دليل قانوني ضد صلاحية معاهدة عام 1955.
 
خلال السنوات القليلة الأولى، بعد ثورة 1979، لم تشر إيران إلى المرجعية القانونية للمعاهدة من أجل تجنب أي إيحاء بأنه كان هناك أي اتجاه نحو تجديد العلاقات مع الولايات المتحدة. الجانب الأمريكي من جانبه كسر هذا النموذج، عندما ذهب إلى “محكمة العدل الدولية” في إشارة إلى نفس المعاهدة خلال أزمة الرهائن، مؤكدًا أن إيران قد خالفت الفقرة الرابعة من المادة الثانية من المعاهدة.
 
وفي أقل من عقد من الزمان في وقت لاحق، هاجمت سفينة حربية أمريكية طائرة ركاب إيرانية، مما أسفر عن مقتل 290 شخصًا كانوا على متنها، وقدمت حينها طهران شكوى ضد الولايات المتحدة إلى محكمة العدل الدولية.
 
وقال التقرير إن المرة الثانية التي قدمت فيها طهران شكوى ضد الولايات المتحدة كانت في نوفمبر (تشرين الثاني) 1992؛ بسبب الهجمات الأمريكية على منصات النفط الإيرانية في الخليج العربي في عام 1987 وعام 1988.
 
في كلتا الحالتين، استشهدت المحكمة بمعاهدة عام 1955 وأكدت صلاحية المعاهدة في التعامل مع هذه القضايا.

ربما يعجبك أيضا