رواية “الديوان الإسبرطي” .. ذاكرة عربية مثقلة بالألم من الجلاد العثماني

يوسف بنده

رؤية

لم يكن فوز رواية “الديوان الإسبرطي” للروائي الجزائري عبدالوهاب عيساوي، بجائزة الرواية العربية “البوكر”، مفاجئا لمن قرأ الرواية، إذ تناول عيساوي في روايته الجزائر خلال واحدة من الفترات السياسية المضطربة ما بين الاحتلالين العثماني والفرنسي، بحبكة سردية متقنة ولغة باذخة.

وحسب تقرير صحيفة عكاظ السعودية، فقد تشابكت في الرواية، 5 شخصيات في فضاء زمني ما بين 1815 إلى 1833، في مدينة المحروسة، الجزائر. أولاها الصحفي ديبون الذي جاء في ركاب الحملة على الجزائر كمراسل صحفي، وكافيار الذي كان جنديا في جيش نابليون ليجد نفسه أسيرا في الجزائر، ثم مخططا للحملة.. ثلاث شخصيات جزائرية تتباين مواقفها من الوجود العثماني في الجزائر، وكما تختلف في طريقة التعامل مع الفرنسيين، يميل ابن ميار إلى السياسة كوسيلة لبناء العلاقات مع بني عثمان، وحتى الفرنسيين، بينما لحمّة السلّاوي وجهة نظر أخرى، إذ ترى أن الثورة هي الوسيلة الوحيدة للتغيير. أما الشخصية الخامسة فهي دوجة، المعلقة بين كل هؤلاء، تنظر إلى تحولات المحروسة ولكنها لا تستطيع إلا أن تكون جزءا منها، مرغمة لأنه من يعيش في المحروسة ليس عليه إلا أن يسير وفق شروطها أو عليه الرحيل.

وحسب تقرير شبكة صدى البلد، فقد رصدت الرواية ما فعله العثمانيون في الدول العربية، ولم تقتصر على عرض تصوير لما عاناه الشعب الجزائري من الاحتلال العثماني، ولكن انتقل إلى تصوير أثر دخول الفرنسيين أيضًا، وكيف كان التعامل معهم والمقارنة بينهم وبين المحتل السابق.

واعتمد الكاتب في روايته على تقنية تعدد الأصوات، وترك لشخصيات روايته عرض وجهات النظر المختلفة والمتعارضة، وبقي دوره على اختيار هذه الشخصيات التي أراد لها تمثيل كل طبقة أو فئة من فئات المجتمع، فيهم اثنان فرنسيان هما: الصحفي والمراسل الفرنسي “ديبون” و”كافيار” أحد جنود حملة نابليون، والجزائريون الذين يمثلهم كاتب الديوان “ابن ميار” الذي يراوح مكانه بين الفرنسيين والعثمانيين، وبين المواطنين البسطاء الذين يمثلهم “حمة السلاوي” الذي يشترك في المقاومة ضد المستعمر، و”دوجة” الفتاة الجزائرية ضحية الفقر والتشرد.

استطاع عبد الوهاب عيساوي أن ينقل الصورة كاملةً، ولم ينتقل في أحداث الرواية أبعد من تلك الأيام التي رصدها، قبيل الاستعمار الفرنسي، وفي الوقت نفسه كان التركيز على شخصيات غير تاريخية وغير معروفة، أكسبها هو من خلال وصفه والتعريف بهم صفاتهم وطريقة كلامهم، وجعلهم يعبرون عن منطقهم الخاص وحياتهم، وطريقة تعاملهم وأفكارهم تجاه المحتل العثماني والمستعمر الفرنسي بعد ذلك، وترك للقارئ في النهاية تشكيل الصورة النهائية.

واستخدام الكاتب عدد من المصطلحات العسكرية المستخدمة في أيام العثمانيين والتي قد تكون مجهولة لشريحة كبيرة من القراء مثل “الكراغلة” و”اليولداش” و”الجولق” وغيرها من ألفاظ يصعب فهمها دون أن يتم توضيح معانيهم في هامشِ مستقل.

واستطاع عيساوي أن يقدّم رواية تاريخية محكمة البناء، لا تعتمد على عرض سيرة ذاتية لأحد أبطال المقاومة الجزائرية مثلًا، وتوغّل في المجتمع الفرنسي والجزائري والتركي، ليرسم لنا صورة بانورامية لتلك المرحلة التاريخية المهمة في تاريخ بلاده الجزائر المحروسة.

حقائف تاريخية

نقول الكاتبة الإماراتية، عائشة سلطان، في مقال لها حول هذه الرواية: “منذ أن اطلعت على الصفحات الأولى من رواية الديوان الأسبرطي، ذهبت أقرأ بعض المراجعات الأدبية حولها وحول الحوادث التاريخية التي ارتكز هيكل وبناء الرواية عليها، والتي تناولت الجزائر خلال واحدة من الفترات السياسية المضطربة ما بين الاحتلالين العثماني والفرنسي. منذ تلك المراوحات البحثية وأنا مقتنعة تماماً بأنني أمام نص سردي متقن ذي لغة باذخة، وأمام روائي اجتهد كثيراً وطويلاً ليصنع لنا رواية عربية بمذاق عالمي”.

يُذكر أن عبدالوهاب عيساوي روائي جزائري من مواليد 1985 بالجلفة، الجزائر. تخرج من جامعة زيّان عاشور، ولاية الجلفة، مهندس دولة إلكتروميكانيك ويعمل مهندس صيانة. فازت روايته الأولى “سينما جاكوب” بالجائزة الأولى للرواية في مسابقة رئيس الجمهورية عام 2012، وفي العام 2015، حصل على جائزة آسيا جبار للرواية التي تعتبر أكبر جائزة للرواية في الجزائر، عن رواية “سييرا دي مويرتي”، أبطالها من الشيوعيين الإسبان الذين خسروا الحرب الأهلية وسيقوا إلى معتقلات في شمال أفريقيا. في العام 2016، شارك في “ندوة” الجائزة العالمية للرواية العربية “ورشة إبداع للكتاب الشباب الموهوبين”.

ربما يعجبك أيضا