سرقة أم اكتشاف.. عالم مصريات يروي لـ«رؤية» أسرار رحلة البحث عن توت عنخ آمون

نادية عبد الباري

مقبرة توت عنخ آمون كنز بشري وتاريخي لا تنتهي أسراره، وبعد مضي قرن على اكتشافه لا يزال التاريخ يفضي علينا بالجديد عن رحلة البحث عن الملك الذهبي.


اليوم الجمعة 4 نوفمبر 2022، يعني مضي قرن كامل على أهم كشف أثري في القرن الـ20، وهو مقبرة الملك توت غنخ آمون.

ولاينظر إلى الكشف عن تلك المقبرة ككشف أثري فحسب، إنما إنساني أيضًا، خصوصًا أنه مهّد لظهور علم المصريات، والخوض في أسرار الحضارة المصرية القديمة، وبالتالي بات النظر إلى مصر مختلفًا.

لماذا لاحق هوارد كارتر توت عنخ أمون؟

أثار عالم الآثار البريطاني، هوارد كارتر، الجدل بالغرض من هذا الاكتشاف، وعما إذا كان بغرض السرقة أم لأهداف علمية، ويقول عالم المصريات، بسام الشماع لشبكة رؤية الإخبارية إن اكتشاف كارتر كان في البداية لأغراض بحثية.

وكان كارتر مولعًا وشغوفًا باكتشاف مالم تصل له الإنسانية، فنشأ بين العالم العجوز، البالغ حينها 48 عامًا، والملك المصري الشاب، توت عنخ آمون، علاقة غرام جعلته لا يغادر مصر، إلا بعد دراسة كل زاوية في المقبرة وتحليلها، ومقارنة الرسوم المنحوتة بجدرانها، للاستكشاف كيف نام الملك آلاف السنين.

ماذا جنى كارتر من بجثه عن المقبرة؟

يوضح الشماع أن رحلة وصول كارتر إلى مقبرة توت عنخ آمون كانت طويلة، لكنها مثمرة، فاكتشف العديد من مقابر النبلاء وكبار رجال الدولة في طيبة، ثم مقبرة الملك أمنحتب الأول، التي طال البحث عنها، ومن بعدها مدخل مقبرة الملك أمنحتب الثالث.

لكن الحلم الكبير للعالم البريطاني كان العثور على مقبرة توت عنخ آمون، فلم ينطلق في مشروعه البحثي، إلا في العام 1915 مع حصوله على تصاريح الحفائر الرسمية لصالح رجل الأعمال الإنجليزي المهتم بتمويل رحلات البعث وبعثات الاستكشاف وقتها، كارنرفون.

حينها، سخَّر كارتر كل قدراته العقلية وخبراته الأثرية، مصحوبة بأموال كارنرفون، ومشَّط وادي النيل بأكمله، مستخدمًا كل الخرائط التي رُسمت له عبر البعثات السابقة، من أجل تحقيق الحلم المأمول.

رحلة كارتر في الوصول لتوت عنخ آمون

كارتر كان يجيد اللغة العربية بكل لهجاتها، فتمكن من التواصل مع الحفارين من صعيد مصر، ومن خلالهم عرف ما لم يكتب في الخرائط والمخطوطات، فأجرى رحلات سريعة إلى الأقصر.

وخلال إحدى زياراته الدورية، وفي ذروة المشاعر المعادية للألمان، وقع تفجير مقر الحفائر الألماني في الأقصر، ودارت الشائعات بأن كارتر كان له يد في هذا الأمر، ولكن هذا يصعب إثباته. وبعد التفجير علم كارتر بأماكن وسراديب سرية كانت لعمال وملوك الفراعنة، بحسب ما رواه الشماع عن رحلة العالم البريطاني لاكتشاف المقبرة.

شائعات كادت تجهض أعظم الكشوف

يوضح الشماع أن هوارد لم يشعر بيأس ولو للحظة، رغم أن مواسم كاملة استمرت منذ عام 1917، لم يحقق فيها كارتر أي نتائج تذكر، ولم يعثر على أي دليل آخر، ينير له خط السير نحو مقبرة الملك توت، أو أي بوصلة توجهه نحو الطريق الصحيح.

وقاد المندوب السامي البريطاني حملة شائعات، روج فيها أن كارتر يستهلك الوقت، ويخادع ممولي حملة اكتشافاته لاستنزافهم ماديًا لصالحه، وصدق اللورد كارنرفون هذه الرواية، فبدأ في إعادة ترتيب تمويله، بعدما أنفق الكثير من المال دون اكتشاف ما يعوض ما صرفه. بحسب ما يرويه عالم المصريات.

2022 11 4 11 32 47 737

رحلة طويلة للكشف عن الملك الشاب

بحسب ما كتب كارتر في مذكراته، لم يكن اللورد يمول بعثات الكشف الأثري لأجل العلم، بل لأنه دائم التباهي بتلك المجموعة من الكنوز الأصلية والقطع الأثرية، التي أطلق عليها “خزانة الآثار”، وهو الغرض الذي جعله يمول رحلة البحث عن توت عنخ أمون.

وأعلن اللورد كارنرفور، رسميًّا انتهاء الحفائر في موسم 1921-1922، وأوقف التمويل، مغادرًا الوادي إلى إنجلترا، ليضع كارتر في مأزق، محاولًا باستماتة الدفاع عن موقفه، ما دفعه للسفر خلف سيده الثري، ليقابله في مقره بقلعة هايكلير في مقاطعة هامبشاير، في محاولة قد تكون الأخيرة لمد تمويل المشروع الحلم.

601

كنوز الوادي التي لا تنضب

محاولات كارتر للإقناع باءت بالفشل، رغم تقدير اللورد كارنرفورد لما بذل من جَهد، ففي النهاية اعتذر عن التمويل بسبب تأثير الحرب العالمية في وضعه المالي، وإيمانه بأن العمل في الوادي لم يعد يؤتي ثماره.

وعُرف عن كارتر أنه عنيد، ومراوغ، وصبور لأقصى حد، فطّمع اللورد بأن الوادي لم يفرغ تمامًا من المقابر، وما زال احتمالية العثور على مقبرة توت عنخ آمون موجودة، وهي في المنطقة التي لم يكمل كارتر العمل بها، عند مقبرة رمسيس السادس.

كارتر دفع ثروته لمقابلة توت عنخ آمون

حاول كارتر إقناع اللورد بالتمويل مرة أخرى، مقدمًا له حل الشراكة، بعد أن نجح عالم الآثار البريطاني في تكوين ثروة بسيطة من بيع التحف والأنتيكات للمتاحف وتجار الآثار وهواة جمع القطع النادرة، في الفترة التي طُرد فيها من مصلحة الآثار المصرية وما بعدها، خلال اشتراكه في الحفائر.

وفي النهاية نجح كارتر في أحيا رغبات اللورد كارنرفورد وحبه للمقامرة، ليوافق الرجل الثري على تمويل موسم أخير 1922-1923، على أمل تعويض ما أنفقه في المواسم الماضية.

سرقة عمرها 100 عام

وفي 4 نوفمبر 1922، وبعد بحث مضنٍ استغرق ما يقرب من عقد من الزمان، عثر فريق كارتر على أول 12 درجة من الدرجات التي أدت إلى مدخل مغلق بأختام تحمل اسم توت عنخ آمون. وكان ذلك اليوم المشهود بداية مشروع امتد 10 سنوات أخرى.

وانتهى الاكتشاف وحفظ 5 آلاف قطعة أثرية داخل المقبرة، ونقلها إلى القاهرة، ونقل أعظمها لخزائن الأثرياء والنبلاء في بريطانيا، وحاليًا يصعب عودتها لمصر، بعد أن باتت تزين أكبر متاحف العالم، وهنا يجزم الشماع أن غرض السرقة غلب على الأهداف العلمية لرحلة البحث عن مقبرة توت عنخ أمون.

ربما يعجبك أيضا