سوريا.. هل ستكون منبج مرحلة الصراع القادمة في الصراع السوري؟

محمود رشدي
رؤية – محمود رشدي
شهد الأسبوع الماضي تطورًا في مدينة منبج السورية، أبرزها إعلان دمشق دخول قوات الجيش السوري إلى المدينة بعدما تلقت دعوة من القوات الكردية، للتصدي للتصريحات العدائية التركية والتي تهدد بدخول المدينة للقضاء عليها، وجاء ذلك في سياق متصل عقب قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا.

وقالت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب الكردية في بيان صدر عنها: “في ظل التهديدات المستمرة من الدولة التركية لاجتياح مناطق شمال سوريا وتدمير المنطقة وتهجير أهلها مثلما حصل في جرابلس وإعزاز والباب ومؤخراً عفرين، فإننا في وحدات حماية الشعب نعلن بأننا بعد أن انسحبنا من منطقة منبج، تفرغنا للحرب ضد داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى في شرق الفرات ومناطق أخرى، لهذا ندعو الدولة السورية التي ننتمي إليها أرضاً وشعباً وحدوداً إلى إرسال قواتها المسلحة لاستلام هذه النقاط وحماية منطقة منبج أمام التهديدات التركية”.

الأهمية الجيوسياسية للمدينة للأطراف المتصارعة
تعد مدينة منبج لها أهمية كبرى من حيث الأطراف المتصارعة في سوريا لكل من القوات الكردية وتركيا والنظام السوري، بالإضافة إلى روسيا والولايات المتحدة، وقد تكون المنطقة الشمالية السورية وبخاصة مدينة منبج، هي مرحلة الصراع القادمة في سوريا عقب هزيمة تنظيم داعش في اكتوبر 2017، وسحب واشنطن لقواتها من سوريا.

وتأتي أهمية المدينة من كونها معقل لقوات سوريا الديمقراطية، والتي تشكل غالبيتها من الأكراد؛ الذي يعد امتداد بشري لحزب العمال الكردستاني، وينشط الأخير في جنوب تركيا، والذي تعده منظمة إرهابية، ومنذ اندلاع الصراع السوري وبرزت القوات الكردية في مجابهة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، إذ انتصرت على آخر معقل له في مدينة الرقة بأكتوبر 2017.

ومن جانبها، تخشى تركيا من ازدياد نفوذ الأكراد على الحدود السورية، خشية من سعيهم لإقامة الدولة الكردية، والتي تتضمن بها أراضٍ تركية، ولذا تقدم أنقرة الدعم لفصائل المعارضة السورية وتحاول السيطرة عليها في أي فرصة تتسنى لها.

وتمتد المدن الكردية في سوريا على طول الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، الأمر الذي دفعها منذ بداية الصراع إلى محاولة الدخول للمدينة لفصل المدن الكردية عن بعضها وبالتالي لتضعف الأكراد في الوصول إلى تحقيق أي نوع من الحكم الذاتي في سوريا كما يقول بعض المراقبين.

قوات سوريا الديمقراطية

يتواجد بالمدينة قواعد عسكرية تعتبرها الأكراد داعم أساسي لها في حربها ضد أنقرة، إذ تمثل لها تلك القواعد الشريان اللوجستي والعسكري لها، هذا بالإضافة إلى كون المدينة خط رابط ما بين المدن السورية ذات الغالبية الكردية، ولذا لها أهميتها في استمرار الدعم والتواصل ما بين المقاتلين الأكراد، كما تعتبر امتداد جغرافي للحلم الكردي.

كما تعتبر المدينة بالنسبة لوحدات حماية الشعب الكردية، الشريان الاقتصادي بسبب نشاط الحركة التجارية التي تربط مدينة حلب بمناطق شرق الفرات وغربها مثل القامشلي والرقة والحسكة وشرق دير الزور.

الولايات المتحدة الأمريكية

قبل إعلان انسحابها من سوريا، كانت الولايات المتحدة تستخدم المدينة كورقة ضغط على أنقرة عبر دعمها للقوات الكردية من خلال قاعتها العسكرية بشمال سوريا، وبخاصة عبر هزيمة تنظيم داعش. كما تعد المدينة قريبة جغرافياً من قاعدتها العسكرية في تركيا والتي تسمى بـ”أنجرليك”.

النظام السوري

تعد المدينة هي إحدى الأراضي الحدودية السورية مع الدولة التركية، وتسعى دمشق إلى استعادة كافة أراضيها عقب دخول روسيا كداعم أساسي لها في 2015 من قوات المعارضة السورية أو ما تسمى بقوات “الجيش الحر”، فعقب استعادة دمشق وضواحيها، حاولت السيطرة على الجنوب السوري، وفي الوقت الحالي لم يتبق لها سوى الشمال السوري الذي تتجمع بيه عدد من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة وقوات المعارضة، بجانب القوات الكردية.

تنظيم داعش ” تنظيم الدولة الإسلامية بسوريا والعراق”

تعد منبج نقطة جغرافية مهمة في شمال سوريا، إذ استخدمها التنظيم سابقا لاستقبال وإرسال عناصره من وإلى سوريا وخاصة أولئك القادمين من أوروبا وباقي أنحاء العالم.

تسابق الأطراف المتصارعة للنفوذ في منبج

منذ اندلاع الصراع في سوريا، وتحاول تركيا مراراً من عدم وقوعها في قبضة القوات الكردية، ولذا دعمت قوات “الجيش السوري الحر” في مواجهة القوات الكردية، وكما نشرت عدة تقارير صحفية، فقد دعمت تركيا التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري لإحلالها محل الأقلية الكردية.

انتزع تنظيم داعش أو ما يعرف بـ”تنظيم الدولة الإسلامية” المدينة في 2014، وسيطر عليها لمدة عامين، إلا أن استطاعت القوات الكردية مدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من طرد عناصر التنظيم الإرهابي في 2016.

وفي بدايات عام 2017، تشكل مجلس منبج العسكري الذي يضم كرداً وعرباً وتتلقى استشارات وتدريبات عسكرية من وحدات حماية الشعب والتحالف الدولي، وفي الآونة الأخيرة صعّدت تركيا من تهديداتها للقيام بهجمات على منبج لطرد القوات الكردية منها.

وجرت التطورات بشكل سريع في في نهاية العام الماضي بأن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإنسحاب من منبج، في حين سارع الأكراد إلى الاتفاق مع موسكو والقوات الحكومية التي أرسلت 300 من عناصرها إلى المناطق الحدودية لمنبج للعمل جنبا إلى جنب مع القوات الروسية ومقاتلي مجلس منبج العسكري بناء على دعوة وحدات حماية الشعب إلى ذلك. وأدت هذه الخطوة إلى تريث تركيا وإيقاف تهديداتها بالهجوم على منبج.

وعليه، فهل يمكن أن تتقاطع مصالح الأطراف المتصارعة في سوريا؟، فمن حيث السيطرة على المدينة، فبالنسبة لتركيا فهي مدينة تدخل ضمن نطاق الأمن القومي، وبالنسبة للأكراد فتدخل ضمن حلمها لإقامة الدولة الكردية أو على أقل تقدير الحصول على حكم ذاتي لهم بكلاً من سوريا وتركيا على غرار كردستان العراق، أما عت الطرف السوري فتمثل المدينة بمثابة جزء لا يتجزأ من أرض سوريا والتي تحاول استعادتها مرة أخرى ضمن مناطق نفوذها بالرعاية الروسية. 

ربما يعجبك أيضا