سيتي لاب | العودة للحياة..كيف نهضت المدن المُحطمة من تحت الأنقاض؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

حوّلت الزلازل المدن إلى حطام والحرائق  إلى رماد, ودمرت الحروب المدن الكبرى العملاقة وحوّلتها إلى أنقاض.

من السهل النظر إلى آثار الحرب الأهلية السورية في حلب, التي كانت قلب النجاح التجاري والحفاظ على التاريخ, ويبقى التساؤل حول إذا ما كان في مقدور تلك المدينة أن تعود إلى أيام مجدها.

إن التقارير الواردة عن التكاليف المتصاعدة للتعافي البطئ لكاتماندو بعد زلزال 2015 في نيبال وصراع اليابان المستمر لإعادة بناء توهوكو عقب تسونامي 2011 ترسم بالتأكيد صورة بائسة وكئيبة للمستقبل.

لكن المدن المدمرة لا تظل أراضي قاحلة للأبد. إن كل مأساة بها جانب مشرق مهما كان شاحبًا. فعندما تُدمر مدينة ما تدميرًا كليًّا, فإن الحاجة لإعادة بنائها تمثل فرصة للمجتمع ليعيد رسم المشهد المادي, لكي يجعلها أقوى وأكبر مما كانت عليه من قبل.  

ولكي تجد أمثلة على ذلك الصمود, أُلقي نظرة على التاريخ: لقد كانت بعض أعظم مدن العالم ضحايا لأحداث حوّلتها إلى حطام. لكن حتى بعد حالات الدمار الأكثر سوءًا, مثل هيروشيما حيث بدا التعافي مستحيلًا, تعافت المدن, وبُنيت مجددًا من الأنقاض, ووُلدت من جديد كرمز على الحداثة والسلام.

حريق شيكاغو الكبير – 1871
عندما انتشرت النار من حظيرة في الجانب الجنوبي الغربي من شيكاغو إلى قلب الحي التجاري, محمولة بالرياح القوية, دمرت 17,500 مبنى وأكثر من 73 ميلًا من الشوارع. توفي ما يُقدّر بـ300 شخص, ونزح حوالي 90 ألف ساكن؛ لكن المدينة كانت متحمسة لإعادة البناء, حيث حددت شروط البناء الجديدة وبدأت حتى قبل أن يكمل المهندسون خططهم، وخاضت شيكاغو فترة من "إعادة البناء العظيم"، وعلى الرغم من بعض اللحظات العصيبة – على سبيل المثال إحباط على مستوى الأمة والذي أوقف البناء وتجنب الشركات الشروط الجديدة – خلال أقل من 20 عامًا, لم تبنِ المدينة أول ناطحة سحاب في العالم فحسب؛ بل أصبحت أيضًا مركزًا رئيسيًّا للتجارة والنقل.

زلزال سان فرانسيسكو الكبير – 1906
كانت عربات ترام سان فرانسيسكو تعمل بعد أسابيع من الزلزال الذي ضرب ساحل كاليفورنيا بقوة 7,8. كان العمال يصلحون مواسير المياه والصرف الصحي, بينما ذهب السكان القادرون على العمل لإزالة الأنقاض. وفي غضون ستة أسابيع, فتحت البنوك مرة أخرى, وفي غضون أشهر, كان العمال يضعون خطوط السكة الحديد.

جاءت إعادة البناء بسرعة, وفقًا لصحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل, التي وصفت المدينة الجديدة بأنها نسخة أكثر حداثة ونظافة من النسخة الماضية: كتب المراسل كارل نولت, "اختفى وسط المدينة الفيكتوري القديم؛ واختفت الأحياء العشوائية في ساوث أوف ماركت. كان الهدف هو بناء مبان من الطراز الأول."

زلزال كانتو الكبير في طوكيو – 1923
عند رؤية الأضواء البراقة وناطحات السحاب الشاهقة في طوكيو اليوم, ربما لن يخطر ببالك أبدًا أن المدينة عانت من زلزال وتسونامي مدمر بقدر ذلك الذي شهدته توهوكو في 2011. قبل دقيقتين من منتصف الليل في 1 سبتمبر 1923, أحدث زلزال بقوة 7,9 تسونامي والذي أشعل النيران في جميع أنحاء المدينة. أحرق اللهب المنازل الخشبية للعاصمة وقتل أكثر من 100 ألف شخص في طريقه.

أدت المأساة إلى جهد إغاثة دولي والذي شاركت فيه الولايات المتحدة مشاركة كبيرة. لم يكن جهد التعافي سلسًا؛ لقد كان مشحونًا بالعنف, والخلاف حول كيف ينبغي أن تبدو المدينة الجديدة, والاستياء بين القوات اليابانية والأمريكية التي جاءت للمساعدة في جهود الإغاثة. مع هذا, كان الزلزال وجميع الصراعات التي جاءت معه نقطة تحول في اليابان، وكما أخبر بيتر دووس, أستاذ التاريخ الشرفي في ستانفورد, مجلة سميثونيان, نتج عن الزلزال "أول محاولة منهجية لإعادة تشكيل طوكيو كمدينة حديثة. لقد نقل طوكيو إلى صفوف المدن الكبرى العالمية."

قصف وارسو – 1944
لم تكن الكوارث الطبيعية هي الأشياء الوحيدة التي أخضعت المدن. خلال الحرب العالمية الثانية, أبادت ألمانيا النازية البلدة القديمة للعاصمة البولندية ردًا على انتفاضة وارسو الشهيرة, التي تركت فيها المقاومة البولندية حوالي 20 ألف قتيل من القوات النازية. وبحسب صحيفة الجارديان, استفادت وارسو من الأنقاض في إعادة البناء، وحوّلت المدينة الحطام إلى طوب, وعندما لم يكن ذلك الحطام كافيًا, استوردوا مواد من المدن الأخرى التي دمرتها الحرب. ومن أجل إعادة بناء المدينة لتستعيد مجدها السابق, اعتمدوا على الرسام الإيطالي الشهير برناردو بيلوتو, الذي كان قد سجل مشهد وارسو داخل لوحاته التي رسمها لملك بولندا.  

درسدن – ألمانيا – بعد الحرب العالمية الثانية – 1945
في الحرب العالمية الثانية, كانت قوات التحالف قد أسقطت 2,400 طن من المتفجرات شديدة الانفجار و1,500 طن من القنابل الحارقة على درسدن؛ ما رفع درجة الحرارة إلى 3 آلاف فرنهايت. إن إزالة الحطام فقط من شأنها أن تستغرق أعوام.

أراد المخططون الحضريون مظهرًا جديدًا لدرسدن, مقررين أن يعيدوا بناء بعض مبانيها التاريخية فقط (كنيسة السيدة العذراء لم تتم إعادة بنائها بالكامل حتى 60 عامًا بعد الحرب) وجرى تنظيف مركز المدينة ومعظم ضواحيها من أجل المعمار الأكثر حداثة الذي عكس الحقبة الشيوعية.
 
الحرب الأهلية في بيروت – 1975 : 1990
في التاريخ الأكثر حداثة قُصفت بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عامًا. تخدم المدينة, مثلما تشير صحيفة واشنطن بوست, كدرس حاسم لحلب – على فرض أن القتال سينتهي يومًا ما – في كيفية عدم إعادة بناء مدينة محطمة.

إن وسط مدينة بيروت اليوم رمز للحداثة والترف, بمعمارها الذي جذب الاستثمار الأجنبي وعزز تعافيها الاقتصادي، لكن لأن شركة خاصة أعادت بناءها, أصبحت أيضًا ما تصفه واشنطن بوست بأنها "مدينة الإقصاء". لم تُدمر المباني التاريخية خلال الحرب, بل خلال التعافي؛ ما عزل المدينة عن تاريخها.  كما أن غياب المصالحة السياسية والتعطش للربح يعني أن المدينة لا تزال تنقصها البنية التحتية والخدمات الأساسية.

وهكذا.. توجد طرق عديدة يمكن بها إعادة بناء المدن من الرماد، وكل مدينة تفعلها بطريقة مختلفة. وهذا في حد ذاته ينبغي أن يزرع بعض الأمل في الأماكن التي مزقتها الحرب أو المضطربة, لكن الطريقة التي أعادت بها المدن بناء نفسها يتعين أيضًا أن تخدم كدروس للتعافي الذي ينتج في المدن التي لم تعد تبدو وتعمل مثل الأراضي القاحلة التي أصبحت عليها.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا