سيل أكاذيب ومقاطع مفبركة.. هل تتأثر نزاهة الانتخابات التركية؟

محمد النحاس

هل تسهم المعلومات المضللة في تغيير توجهات الجمهور التركي؟


انعكست أجواء الاستقطاب في تركيا إثر الانتخابات الرئاسية، على ساحات منصات التواصل، ولم يقتصر على تصريحات عابرة تؤيد هذا أو تدعم ذاك.

لكن كانت هناك معركة معلوماتية، وسيل من البيانات المضللة ومقاطع الفيديو المفبركة التي تهدف في نهاية المطاف للتأثير في توجهات الناخب، وليست مقتصرة على طرفٍ دون آخر، بل أظهر الجميع استعدادًا لاستخدامها، فهل يؤثر ذلك في نتيجة الاستحقاق بنهاية المطاف؟

معلومات زائفة

يشير الصحفي المتخصص في تدقيق المعلومات، سمير أوغلو، إلى أنه في صباح يوم 15 مايو 2023، أي بعد يوم واحد من الجولة الأولى من الاستحقاق الانتخابي، غمرت وسائل التواصل الاجتماعي تقارير تزعم سرقة الأصوات، وفقدان بطاقات الاقتراع وغيرها من الأمور على هذا المنوال.

اقرأ أيضًا| خاص| «رؤية» تحاور كليتشدار أوغلو عن سياسته الخارجية

ويضيف: “وقد ثبت أن معظمها زائف أو مبالغ فيها”، وفقًا لما نقل موقع مجلة (وايرد) الأمريكية، والمتخصصة في تغطية تقاطعات التقنية مع الواقع المعاش، وتأثيرات التكنولوجيا في مجالات الحياة المختلفة، وتشهد الانتخابات التي يخوضها الرئيس التركي المنتهية ولايته، رجب طيب أردوغان أمام زعيم ائتلاف المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو تنافسًا محمومًا، وترقبًا واسع النطاق.  

سيل من الأكاذيب

يلفت سمير أوغلو إلى أنه منذ أوائل مارس عندما أعلن أردوغان موعد الانتخابات النهائي، وشاب هذه الدورة الانتخابية سيل من المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي زاد من صعوبة العمل الإعلامي، مشددًا على ضخامة كمية هذه المعلومات والبيانات والتصريحات التي يجري التلاعب بها، عبر التقنيات المختلفة.  

اقرأ أيضًا| تركيا تتجه نحو جولة إعادة لانتخابات الرئاسة

بحسب المجلة الأمريكية، عمل مدققو البيانات والمعلومات مكثّفًا، بسبب استعداد المرشحين، الحكومة والمعارضة على السواء، لاستخدام المواد المضللة في حملاتهما الانتخابية، وفي 1 مايو الجاري نُشر مقطع فيديو يظهر قيادي في حزب العمال الكردستاني، والذي تصنفه أنقرة إرهابيًّا، ويظهر بعد ذلك كليتشدار في الفيديو الذي جرى التلاعب به، مرددًا “هيا” وهو الشعار الذي كان يردده المسلحون الأكراد في الفيديو المشار إليه

حملات ممنهجة

الغريب في الأمر استخدام الرئيس المنتهية ولايته مقطع الفيديو في إحدى جولاته لإقناع الناخبين بتأييده في 7 مايو، ومن ثم شهد المقطع انتشار واسعًا على الرغم من أن مستوى التزييف في المقطع ليس احترفيًّا على الإطلاق، وعادةً ما يتهم أردوغان منافسه بأنه على صلة بمجموعات “إرهابية” في إشارة للمسلحين الأكراد، الأمر الذي ينفيه كليتشدار على نحو قاطع.

هذه الحملات يبدو في كثيرٍ من الأحيان أنها ممنهجة، فوفقًا لنائب رئيس المعهد الدولي للصحافة (آي بي آي)، ومقره فيينا، إمري كيزيلكايا، الذي تنقل عن المجلة الأمريكية، فإن صانعي الدعاية الحكومية سيطروا على منصات التواصل الاجتماعي بالفعل، ولتأدية هذا الغرض تم توظيف الآلاف منهم منذ عام 2013، مشيرًا إلى أنهم روّجوا على نطاق واسع للفيديو المزيف (الخاص بكليتشدار) وقد نال ملايين المشاهدات، على منصات مثل فيس بوك، وتويتر، وتيك توك. 

يذكر أن كليتشدار كان قد اتهم الروس بالوقوف وراء نشر معلومات مضللة تستهدفه على نحو خاص بتقنية “التزييف العميق”، لكن الكرملين رد بطريقة قاسية واصفًا الاتهامات بـ”الباطلة التي يروجها كاذبون” وفق تعبيره. 

ليس الحادث الوحيد

من جانبه، يذهب أستاذ الصحافة والدراسات الإعلامية، بجامعة إسطنبول بيلجي، إركان ساكا، أبعد من ذلك، ويرى أن المؤسسة الإعلامية بأكملها تستخدم معلومات مضللة، كما تنقل المجلة الأمريكية. 

فيديو كليتشدار، ليس الحادث الوحيد ذا الشأن، فقد جاء انسحاب المرشح الرئاسي محرم إنجه قبل الجولة الأولى بأيام معدودة بعد انتشار مقطع فيديو جنسي له على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن اتضح في ما بعد أنه جرى تزييفه عن طريقة تقنية “الديب فيك”، وقال إنجه إنه “مأخوذ من موقع إباحي إسرائيلي”.

معايير مزدوجة

فيما بدا محاولة لمواجهة سيل المعلومات المضللة عامة، أقرت الحكومة التركية العام الماضي قانونًا لمكافحة البيانات غير الصحيحة، لكن المجلة الأمريكية تشير إلى أنه، وعلى العكس من ذلك جرى استخدامه لتقويض نشاطات المعارضة، واعتقال الصحفيين.

تنقل المجلة عن إركان ساكا قوله: “لم أر أي شخص مؤيد للحكومة يتعرض للمسائلة عن طريق هذا القانون”، مشيرًا لوجود بعض الصحفيين المعارضين في السجن بسبب هذا القانون، ويشدد على وجود “معايير مزدوجة” موجهةً على نحو رئيس ضد المعارضة.

وتحتل تركيا المرتبة 165 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمي لمنظمة مراسلون بلا حدود وتراجعت 15 مرتبة منذ العام الماضي، ويشير أستاذ الدراسات الإعلامية إركان ساكا ختامًا إلى أن قبضة الحكومة في السيطرة على منافذ الإعلام تجعل من الصعوبة بمكان التوصل إلى معلومات بشكل مستقل، وهو ما يعاني منه الناس داخل تركيا، على حد قوله.

ربما يعجبك أيضا