طعنة لاستقلال إسكتلندا.. لماذا استقالت نيكولا ستيرجان؟

محمد النحاس

كيف ستؤثر هذه الاستقالة في مستقبل إسكتلندا؟ وما علاقتها بمحاولات الاستقلال؟


أعلنت رئيسة وزراء إسكتلندا، نيكولا ستيرجان على نحوٍ مفاجئ، استقالتها من منصبها، أمس الأربعاء 15 فبراير 2023.

ورغم استقالتها، فإنها ستظل في المنصب الحكومي، حتى اختيار خليفة لها، فما أسباب الاستقالة غير المتوقعة؟ وكيف ستؤثر في سياسة بلادها؟ وما علاقاتها بقضية الاستقلال؟

حان وقت الاستقالة

قالت نيكولا ستيرجان، في مؤتمر صحفي، إن الوقت قد حان للتنحي، مضيفةً أن هذا “مناسب لي وللحزب وللبلد بكاملها”، وفقًا لما أورده تقرير لشبكة سي إن إن الأمريكية، اليوم الأربعاء 15 فبراير 2023.

وقالت زعيمة الحزب الوطني الإسكتلندي، إنها تعرف أن الوقت قد حان للتنحي، ويأتي هذا بعد أن تولت المنصب لمدة 8 سنوات، لتكون بذلك أول امرأة ترأس الحكومة، وأطول مسؤول يتولى المنصب.

تقييم عميق

طمحت كثيرًا ستيرجان إلى استقلال إسكتلندا عن بريطانيا، وتمثل هذه الاستقالة ضربة جديدة لهذا الحلم الوطني، وكانت ستيرجان قد استبعدت منذ نحو الشهر استقالتها عن منصبها، وواجهت رئيسة الحكومة ضغوطات متزايدة بشأن موقفها من الاستقلال، ومن المتحولين جنسيًا.

ولكنها نفت أن تكون قضية المتحولين هي سبب الاستقالة، التي قالت إنها مرتبطة بـ”تقييم أعمق وأطول أجلًا”، وتواجه ستيرجان بالفعل ضغوطًا داخل حزبها، خاصةً في ظل عدم حدوث تقدم في قضية الاستقلال.

حزن بادٍ وجوانب شخصية

أشارت ستيرجان لبعض القضايا الشخصية التي ساهمت في الدفع تجاه هذا القرار، من ضمنها بعض “التغيرات في الظروف العائلية” على حد وصفها، وصعوبة “التنزه أو حتى تناول القهوة مع صديق” في ظل توليها المنصب.

TELEMMGLPICT000322263047 trans NvBQzQNjv4BqENh0amqpuv8Z5e8 LKlob RHlEWgcACQH02ls8s96XU 1

وبدت بعد استدعائها هذه “الجوانب الشخصية” حزينة، وأضافت أنه ليس من السهل الابتعاد عن السياسة لشخص قضى معظم عمره في غمارها.

قضية أكبر من أي فرد

تعتقد ستيرجان أن خليفتها سيقود إسكتلندا إلى الاستقلال، ذلك أنها “قضية أكبر من أي فرد”، وقالت على غرار رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، التي استقالت على نحو مفاجئ هي الأخرى الشهر الماضي، إنها ببساطة قد سئمت، معترفةً بضغط المنصب.

ووصفت صحيفة سكاي نيوز البريطانية، ستيرجان بأنها سياسية هيمنت على السياسة في إسكتلندا، وكانت الوجه الأبرز لقضية الاستقلال، وفاز حزبها بـ45 من أصل 59 مقعدًا في مجلس العموم في عام 2019.

شوكة في الخاصرة

رأت الصحيفة البريطانية أن ستيرجان كانت “شوكة في خاصرة حكومة المحافظين ومعارضة شرسة لرئيس الوزراء السابق بوريس جونسون”.

وعلاوةً على الاعتراف بالإجهاد الشخصي، ترى الصحيفة البريطانية أن هذه الخطوة بمثابة اعتراف بـ”الفشل في الحصول على الاستقلال”.

دفاع عن الاستقلال

القضية الأبرز التي كافحت ستيرجان طويلًا من أجلها، قضية الاستقلال، إذ دفعت طويلًا في هذا الاتجاه دون نتيجة تذكر، وأجرت إسكتلندا استفتاءً على الاستقلال عام 2014، وهو ذات العام الذي تولت فيه رئاسة الحكومة، وجاءت النتيجة برفض الاستقلال.

وتشير العديد من استطلاعات الرأي إلى تغير هذا الموقف، خاصةً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والذي عارضته إسكتلندا.

سياسة مختلفة

كانت الأغلبية الأعم من الإسكتلنديين صوتت خلال استفتاء بريكست 2016 على البقاء في الاتحاد الأوروبي، وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبرت ستيرجان عن التناقضات بين سياسة إدنبرة، وسياسة لندن.

230215100107 01 nicola sturgeon 020623

وقالت موجهةً حديثها إلى الاتحاد الأوروبي: “نرغب في الانضمام إليكم مجددًا كدولة مستقلة”، وأعربت عن ثقتها، في أن إسكتلندا ستكون شريكًا بناءً للاتحاد الأوروبي.

تغير الظروف

منذ بريكست قادت ستيرجان حملة على الصعيد الوطني لعقد استفتاء آخر بغرض نيل الاستقلال، ويرى الحزب الوطني الإسكتلندي أن “الظروف قد تغيرت، لذلك من المبرر تمامًا إجراء استفتاء جديد”.

ولكن آمالها طوتها الرياح، وزادت مطالبات استقلال إسكتلندا بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وكانت ستيرجان تخطط لعقد مؤتمر خاص للحزب الوطني الإسكتلندي في مارس لتحديد الخطوة التالية في ما يتعلق بقضية الاستقلال.

خسارة لا تعوض

قالت آنذاك إن الخسارة بالخروج من الاتحاد الأوروبي لا تعوض، علاوةً على أنه عكس رغبة شعب إسكتلندا، لذلك لا بد من العودة مجددًا.. وهذه المرة كدولة مستقلة”، في إشارة منها لمساعي الانفصال.

وفي نوفمبر الماضي، قضت المحكمة العليا ببريطانيا على آمال الاستقلال الإسكتلندي بعد أن أقرت بعدم قانونية إجراء استفتاء على الاستقلال دون موافقة الحكومة البريطانية، وفق بي بي سي.

ومن جانبها ترفض الحكومة البريطانية بطبيعة الحال الموافقة على عقد استفتاء آخر، وقالت المحكمة إنه بموجب القوانين التي قام عليها البرلمان الإسكتلندي عام 1999، فليس من حقه إجراء تعديل على “حالة الاتحاد بين إسكتلندا وإنجلترا”.

انقسامات وفشل

اعترفت السياسية البارزة أن سياستها أدت إلى مزيد من الانقسامات بدلًا من رأب الصدع، بعد فشل مساعيها لإجراء استفتاء ثانٍ، وذلك بعد قرار المحكمة العليا البريطانية.

وكان خيارها البديل هو “الإعلان أن الأحزاب الموالية لها إذا ما فازت في الانتخابات العامة التالية ستكون تلك الخطوة بمثابة استفتاء بحكم الواقع”، أي إنها ستمثل دلالة للموافقة على الاستقلال.

وأثارت هذه الخطة، وفق سكاي نيوز، مخاوف جمة داخل الحزب الوطني الإسكتلندي، إذ خشي أعضاؤه من أن ربط التصويت بقضية واحدة، قد يضيق الدائرة الداعمة للحزب.

اعتراف مر

إذا لم يستطع القائد الجديد للحزب حشد الدعم حوله، سيمثل هذا ضربة جديدة لقضية الاستقلال، وقد يؤدي ذلك إلى أفول سيطرة الحزب على سياسة إسكتلندا، وترى سكاي نيوز أن “الاستقالة بمثابة اعتراف بأن الاستقلال عسير على الأقل على المدى المنظور”.

ويعد المستفيد الأكبر حزب العمال الإسكتلندي، وأبدى مسؤولون بالحزب سعادتهم، مؤكدين أن هذه “لحظة كبيرة”، “وعلينا أن نظهر للناخبين أننا نستحق الثقة مجددًا”، وفقًا لسكاي نيوز.

قائدة عظيمة

النائب السابق عن الحزب القومي الإسكتلندي، ستيفن جيثينز، قال إنه “فوجئ”، معربًا عن خيبة أمله، مردفًا بأنها قادت البلاد بطريقة ممتازة.

وقال عضو البرلمان عن ذات الحزب، ستيوارت ماكدونالد، “إنها أفضل من تولى هذا المنصب”، وقالت النائبة أليسون ثيوليس، “إنها محطمة تمامًا بعد هذا القرار”، وقالت إن رئيس الحكومة كانت “قائدة عظيمة”.

كيف ترى بريطانيا الاستقالة؟

عقب رئيس الحكومة البريطانية، ريشي سوناك، على قرار الاستقالة، شاكرًا نيكولا ستيرجان على “خدمتها الطويلة”، ومتمنيًا لها التوفيق.

ريشي سوناك

وأشاد وزير شؤون إسكتلندا في الحكومة البريطانية، أليستر جاك، بـ”المسؤولية السياسية الهائلة التي تحملتها ستيرجان”، غير أنه دعا أنبرة إلى “التخلي عن هوسها بالاستقلال”.”

تاريخ حافل

ولدت ستيرجان عام 1970، ودخلت عالم السياسة مبكرًا عندما كانت تبلع من العمر 21 عامًا، عندما ترشحت في الانتخابات المحلية عن دائرة شيتلستون الانتخابية في جلاسكو، غير أنها خسرت في مواجهة حزب العمال.

skynews nicola sturgeon first minister 6058735ودخلت البرلمان الإسكتلندي بعد تأسيسه عام 1999، وتولت عدة حقائب وزارية بعد ذلك وأصبحت عام 2007 نائبة الوزير الأول، وتولت منصب الوزيرة الأولى عام 2014، (يعادل منصب رئيس الحكومة).

قانون مثير للجدل

ديسمبر الماضي تبنت ستيرجان مشروع قانون يسهل التحوّل الجنسي، ويسمح به من سن 16 عامًا، دون أي رأي طبي، وهو المشروع الذي أثار انتقادات واسعة النطاق.

ورفضت الحكومة البريطانية مشروع القانون، وواجه انتقادات جمعيات نسوية ترى أن “المتحرشين سيستخدمون القانون للوصول إلى أماكن خاصة بالنساء فقط”.

مستقبل غامض

ختامًا يمكن القول إن ستيرجان واحدة من أبرز من أثروا في سياسة إسكتلندا، وستبدي الأيام مستقبلًا النحو الذي سيكون عليه الحزب، ويعني ذلك أن هذا سيحدد مستقبل البلاد على المديين المتوسط والبعيد، في وقت تعد فيه قضية الاستقلال هي أبرز القضايا المطروحة على الساحة.

ولم تعلن رئيس الوزراء بعدُ عمن سيخلفها، الذي سيوضع على عاتقه عبئًا هائلًا، وكما عبرت ستورجون عن ذلك، “عليه أن يعطي كل شيء لهذا المنصب”.

ربما يعجبك أيضا