“عبارة الموت”.. مأساة الموصل مستمرة

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

مأساة الموصل مستمرة، فبعد تدمير المدينة وجسورها ومقتل آلاف المدنيين فيها، وتعطل المشافي ونهب الأملاك، وتدمير تراثها الحضاري، وبعد تغلغل المليشيات الشيعية الإرهابية في المدينة، تغرق اليوم 100 امراة وطفل وأب وأم في انقلاب عبارة في نهر دجلة تفتقد أدنى مستويات السلامة.

الحدث بحسب الكاتب والمحلل السياسي العراقي ربيع الحافظ، مثل فاجعة لكنه لم يمثل مفاجأة في مدينة غابت عنها الدولة والحكومة المحلية والإجراءات الوقائية وهجرها أهلها الأصليون وتفكك مجتمعها الأصلي بسبب التمييز الطائفي والعرقي والفساد والنهب العام وكان قد جعلها درة الدولة العراقية ذات يوم.

العبارة المنكوبة

فيما أعلن مجلس محافظة نينوى، الجمعة، وصول عدد ضحايا حادثة غرق العبّارة في نهر دجلة بمدينة الموصل، الخميس، إلى 103 قتلى.

فيما أعلنت مفوضية حقوق الإنسان العراقية، أن 56 شخصًا ما زالوا مفقودين جراء حادثة غرق العبارة، فيما تم إنقاذ 33 شخصا فقط من أصل قرابة 200.

وقال علي البياتي، عضو المفوضية (هيئة مستقلة مرتبطة بالبرلمان)، إن “عدد من قدموا بلاغات بالفقدان 56 شخصا”.

أسباب الحادث

وكشفت إدارة جزيرة الموصل السياحية، أمس الخميس، أن سبب غرق العبارة “هو انقطاع أحد الأسلاك المثبتة بأحد الأعمدة المسؤولة عن سحبها وتثبيتها، الأمر الذي أدى إلى غرقها”.

فيما عزت مصادر أمنية سبب الغرق هو زيادة الحمولة إذ إن “العبارة يمكنها حمل 30 شخصا، لكن القائمين عليها قرروا أن يحملوها أكثر من 100 شخص”، مضيفة أن “المعلومات تشير إلى أن العبارة كانت تحمل أكثر من 170 شخصا أغلبهم من الأطفال والنساء” الأمر الذي أدى إلى غرقها نتيجة الحمولة الزائدة.

من جهته أكد الرئيس العراقي برهم صالح، أن حادث غرق عبارة الجزيرة السياحية في مدينة الموصل، لن يمر دون حساب عسير.

وبيّن البياتي أن “سعة العبارة 75 شخصا، فيما تجاوز عدد الركاب 200، حسب التذاكر”، مشيرا أنها مصنوعة محليا من الحديد، و”متهالكة”.

وتابع “المعبر قديم، تم تأسيسه سنة 1979، ويستخدم لنقل الناس من الجانب الأيسر (الشرقي) إلى الجزيرة السياحية، والعبارة تتحرك بالحبال، أو الأسلاك المربوطة إلى الجهة الأخرى من ضفة النهر”.

وبشأن إجراءات السلامة، أوضح البياتي أن “الجزيرة فيها زورق نهري واحد للإنقاذ”، مبينا أن أغلب الزوارق المشاركة في الإنقاذ بداية، هي خاصة بمواطنين، وليست تابعة للجزيرة أو الحكومة.

طرد المحافظ

في سياق متصل، دهس موكب محافظ نينوى شمالي العراق نوفل حمادي العاكوب، الجمعة، اثنين من أقارب ضحايا عبّارة الموصل أثناء فراره من الأهالي الغاضبين في موقع الحادث، حسب شهود عيان.

وأوضح الشهود، أنه لدى وصول موكب العاكوب إلى موقع حادث غرق العبارة في نهر دجلة بمدينة الموصل هاجمه محتجون غاضبون من أهالي الضحايا بالحجارة وهتافات تندد بالتقصير.

وأجبرت صيحات المحتجين الغاضبة العاكوب على الهرب من موقع الحادث، فحاول الخروج من الحشد.

فيما قالت وسائل إعلام محلية: إن المصابين كانوا ثلاثة إعلاميين، كانوا يغطون تظاهرات ذوي ضحايا حادثة العبارة التي غرقت في نهر دجلة.وحسب المصادر، أن الإعلاميين: ليث الراشدي، ومصور قناة الموصلية، كرم الطائي، والمراسل علي النعيمي، أصيبوا بجروح إثر تعرضهم للدهس بسيارة محافظ الموصل، نوفل العاكوب.

وأشارت المصادر ايضا إلى أن عددا من المحتجين قاموا بطرد (عبد اللطيف الهميم) رئيس ديوان (الوقف السني) ، من أحد جوامع الموصل احتجاجا على الإهمال في إدارة المدينة والفساد المستشري، بما فيها حادث غرق “العبارة ” .

وتراجعت شعبية محافظ الموصل في الآونة الأخيرة؛ بسبب انتقادات وجهت له من قبل أوساط متعددة في المحافظة، ومسؤولين حكوميين، وجهات سياسية.

عبد المهدي

من جهته، أوقف رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، عمل محافظ نينوى، نوفل حمادي العاكوب، لحين استكمال التحقيقات بحادثة انقلاب العبارة في الجزيرة السياحية بالموصل.

كما أصدر عبدالمهدي، أمراً يقضي بتشكيل خلية أزمة في المحافظة لتمشية المهام التنفيذية فيها، وفق ما ورد في نص الأمر الديواني الذي أصدره مكتب رئيس الوزراء.

وورد في الأمر أنه “تقرر تشكيل خلية أزمة لمعالجة الأوضاع في محافظة نينوى بناءً على الصلاحيات المخولة لنا، وبسبب الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها محافظة نينوى، خصوصا بعد الحادثة المؤلمة لانقلاب العبارة ووقوع أعداد كبيرة من الضحايا”.

ووجه عبدالمهدي بتشكيل خلية أزمة ترتبط به شخصيا، وتتألف من رئيس جامعة نينوى مزاحم قاسم الخياط، وقائد عمليات نينوى نجم الجبوري، وقائد شرطة نينوى حمد نامس الجبوري.

وبحسب الأمر الديواني، “تقوم الخلية بتمشية المهام التنفيذية في المحافظة، لحين اتخاذ مجلس محافظة نينوى قراراته في ضوء التحقيقات الجارية واتخاذ ما يراه مناسبا”.

ووجه عبدالمهدي “بالإسراع في إنجاز التحقيقات ومعاقبة المقصرين في هذا الحادث الأليم، وإقرار التعويضات اللازمة”.

وفي وقت سابق، قرر مجلس محافظة نينوى، إحالة العاكوب إلى التحقيق على خلفية الحادثة واعتداء رجال حمايته على المواطنين الغاضبين بشأنها.

واقع الموصل

يقول الدكتور الموصلي “ربيع الحافظ”: “المجتمعات لا تأخذ قرارها الاستراتيجي لحظة انفجار الأزمة، مشكلة الموصل ليست فقط مع قبطان العبارة الذي استهتر بأرواح الناس، الموصل برمتها عبّارة أغرقها قبطانها الثقافي والسياسي في وهمٍ اسمه الحلول المحلية والدستور والعاصمة بغداد والبرلمان وجميعها تتحكم بها المليشيات والمؤسسات الإيرانية وكهنة الفرس”.

وأضاف: تضافر أصوات موصلية (اليوم) تدعو إلى تدويل الموصل تحت إشراف الأمم المتحدة خطوة متأخرة للخروج من مربع ما يسمى بالحكومة، لكن الموصل ليس لديها متسع لخطأ جديد، الأمم المتحدة ليس لديها جيش تفرض به إشرافا وتستعير جنودا ومنظمات مدنية (شركات تجارية عالمية بلباس مؤسسات خيرية) وقد صدم العالم بفسادها الإداري والمالي والأخلاقي في البوسنة وكوسوفو التي لم تجن شيئاً.

وأردف: “الموصل هي هيروشيما الشرق الأوسط، مدينة هيروشيما دمرت بقنبلة ذرية في 45 ثانية ودمرت مدينة الموصل على مدى 45 أسبوعاً بأسلحة تقليدية والنتيجة واحدة، الفرق بين الموصل وهيروشيما وبين مدن دريزدن وكوفنتري (التي دمرت في الحرب العالمية الثانية) هو أن تلك المدن حظيت بوجود إرادة حكومية ومجتمع في وضع سليم وهما الأمران الذي تفتقدهما الموصل اليوم، الإرادة الحكومية غير موجودة أما المجتمع الموصلي فقد تعرض إلى إنهاك على مدىً طويل، الحرب على داعش لم تكن سوى فصلاً متأخراً لكن المجتمع الموصلي كان قد أخضع إلى عملية إنهاك ممنهجة منذ عام 2003 وحتى عام 2017 وهو العام الذي تم فيه استعادة المدينة من داعش، واليوم عادت اليوم نفس القوى التي كانت قد أهانت المجتمع الموصلي لتتحكم بالموصل من جديد لذا ليس من المفاجأة أنه لا شيء يحدث في الموصل اليوم على طريق البناء”.

ورأى الأكاديمي العراقي أن “الصورة الأكبر هي غياب الدولة، غياب القانون، حكم المليشيات الذي يحل محل الدولة، الفساد، غياب الأمن، الهجرة الجماعية للسكان الأصليين للمدينة، استيطان غرباء في المدينة، وفوق ذلك كله عمليات بيع واسعة لأراضي وعقارات لمشترين غامضين، الأموال العقارية تتدفق على المدينة من جهات غامضة وتغير هوية المدينة”.

وختم بالقول: “هناك أدلة على تورط المليشيات التي على علاقة بإيران والتي تسيطر على المدينة، قد تحافظ مدينة الموصل على إسمها لكنها ستفقد هويتها في المدى القريب، المدينة على حافة فقدانها لمجتمعها، مجتمعها بات على حافة الموت. إحياء المدن (سواء كان هيروشيما أو الموصل) يتطلب أمرين: الحكومة والمجتمع معا وهما مفقودان في الموصل، هناك اعتقاد راسخ في الموصل اليوم من أنه لا يمكن أن يحدث تغيير من دون إدارة نزيهة ولا إدارة نزيهة من دون أمن ولا أمن من دون خروج المليشيات من المدينة ولا خروج للمليشيات من دون تدخل خارجي”.

 
https://www.youtube.com/watch?v=QlGJ7HA2Nso
https://www.youtube.com/watch?v=nsFufnaspQg
https://www.youtube.com/watch?v=CvARQab8CM8
https://www.youtube.com/watch?v=2q-k7FYQhJE
https://www.youtube.com/watch?v=8z1mHMvUSAI
https://www.youtube.com/watch?v=CgiLb-l4YUE

ربما يعجبك أيضا