عقوبات أمريكية تنتظر تركيا .. بسبب التقارب مع روسيا

يوسف بنده

رؤية

ليست العلاقات التركية الأميركية في أحسن حالاتها في الوقت الحاضر، فالتوترات المتفاقمة ما زالت هي العلامة الأبرز لهذه العلاقات المتدهورة، حيث يوجد خلاف بشأن عدة قضايا منها ولا سيما دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تصنفها تركيا جماعة إرهابية، إضافة لاستمرار تواجد عبد الله كولن في الولايات المتحدة المتهم بتدبير المحاولة الانقلابية في تركيا يوليو 2016، فضلا عن قضية ضراب والتحايل على العقوبات الأميركية على إيران، والقس الأميركي المعتقل في تركيا، وغيرها من القضايا الشائكة جدا.

وكان وزير الخارجية الأميركي الجديد “مايك بومبيو” قد أعرب -منذ أيام لنظيره التركي مولود تشاووش أوغلو- عن قلق الولايات المتحدة بشدة إزاء قرار أنقرة شراء بطاريات صواريخ أرض-جو روسية من طراز إس-400، والتي لا تتوافق مع دفاعات حلف شمال الأطلسي.

وقال مسؤول أميركي كبير عقب اجتماع بين بومبيو ووزير الخارجية التركي على هامش اجتماع وزراء خارجية الحلف “سلط الوزير الضوء على جدية المخاوف الأميركية… إذا مضوا قدما”. وأضاف “طلب من تشاووش أوغلو أن يدرس عن كثب أنظمة حلف شمال الأطلسي القابلة للتوافق”.

وخلال الاجتماع طرح بومبيو أيضا المخاوف بشأن اعتقال القس أندرو برانسون المسجون منذ ديسمبر 2016 وأميركيين آخرين تحتجزهم تركيا.

توسيع التعاون مع روسيا

وقد وقعت تركيا اتفاقا مع روسيا في ديسمبر/ كانون الأول لشراء بطاريات صواريخ إس-400 سطح جو ضمن خطط أنقرة تعزيز قدراتها الدفاعية وسط تهديدات من المقاتلين الأكراد والمتشددين الإسلاميين في الداخل وصراعات على حدودها في سوريا والعراق.

ووترت خطوة شراء صواريخ إس-400 التي لا تتماشى مع أنظمة حلف شمال الأطلسي أعضاء الحلف الذين يشعرون بالقلق بالفعل من الوجود العسكري لموسكو في الشرق الأوسط مما دفع مسؤولين بالحلف إلى تحذير أنقرة من عواقب غير محددة.

ويبدو أن روسيا ماضية في خططها المناوئة للناتو وللولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في إدخال المزيد من اسلحتها الدفاعية والهجومية المتطورة إلى منظومة الجيش التركي. فقد أعلنت روسيا أنها مستعدة لتزويد تركيا بمنظومة متطورة للدفاع الجوي من فئة بانتسير – أس 1.

وفي هذا الصدد صرح رئيس الدائرة الفيدرالية الروسية للتعاون التقني والفني الروسي، دميتري شوغاييف، بأن روسيا مستعدة لبيع هذه المنظومة لتركيا من أجل حماية منظومة S-400 التي ستحصل عليها أنقرة. وأعرب عن ثقته في أن تسمح صفقة S-400 للبلدين بتوسيع تعاونهما.

ونظام بانتسير 1 هو نظام دفاع جوي ارض-جو قصير ومتوسط المدى، روسي الصنع صمم من قبل مؤسسة صناعة الأجهزة الحربية الروسي وهو تطوير لنظام تنغوسكا.

صفقة متأخرة

تعتزم تركيا شراء أكثر من مئة مقاتلة إف-35 التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن كما تجري محادثات مع واشنطن بشأن شراء صواريخ باتريوت.

ويرى مراقبون أن إيقاف الإدارة الأمريكية بيع مقاتلات إف-35 إلى تركيا أو انسحاب الأخيرة من برنامج تطوير تلك المقاتلات والبالغ قيمته 400 مليار دولار، من شأنه أن يُعرّض البرنامج لخسائر بمليارات الدولارات.

وكان من المنتظر أن تستلم تركيا أول مقاتلتين من طراز (F-35A) خلال هذا العام، بتكلفة 103 ملايين دولار للواحدة، وهذا يعني أن تراجع تركيا عن شراء طلبها المتمثل بـ120 مقاتلة، سيضع بقية شركاء المشروع أمام أعباء إضافية بقيمة 12 مليار و360 مليون دولار.

من جهة أخرى، تُساهم 10 شركات للصناعات الدفاعية في تركيا بشكل كبير في مشروع تصنيع هذه المقاتلات، من بينها أسيلسان وروكيتسان وتوساش-طاي وميكيس وكاليه.

وتلعب هذه الشركات التركية دورًا كبيرًا في تزويد المشروع بالقطع والأنظمة الكهربائية، فضلًا عن تأمين صيانة المحركات.

قانون في الكونجرس

يبدو أن الولايات المتحدة ماضية في معاقبة أنقرة، إذ إن هناك تشريع يجري العمل عليه من الجانب الأميركي لمنع تسليح تركيا بأسلحة متطورة تم الاتفاق عليها سابقا ومن أهمها المقاتلة المتطورة إف 35 وهو ما اثار حفيظة الجانب التركي.

إذ أصدر أعضاء بمجلس النوب الأميركي بعض التفاصيل يوم الجمعة الماضية، عن مشروع قانون الدفاع السنوي بقيمة 717 مليار دولار تشمل جهود التنافس مع روسيا والصين، وإجراء لوقف مبيعات الأسلحة مؤقتا إلى تركيا.

وسيطلب مشروع القانون من وزارة الدفاع تزويد الكونجرس بتقرير عن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا الأمر الذي سيعرقل بيع معدات دفاعية لحين اكتمال التقرير.

ورغم أن تركيا دولة حليفة في حلف شمال الأطلسي إلا أنّ العلاقات تدهورت بين أنقرة وواشنطن في الآونة الأخيرة. وتدعم تركيا الولايات المتحدة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية لكنها باتت قلقة على نحو متزايد بسبب دعم الولايات المتحدة للمقاتلين الأكراد في سوريا.

ومن المقرر أن تناقش لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب الأسبوع المقبل مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي الذي يحدد مستوى الإنفاق الدفاعي ويضع السياسات التي تتحكم في كيفية استخدام التمويل.

ويستخدم مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني لمجموعة واسعة من الإجراءات السياسية علاوة على تحديد كل شيء من مستويات الأجور العسكرية إلى تحديث وشراء السفن والطائرات.

ولن تصدر اللجنة مشروع القانون نفسه إلا بحلول الأسبوع المقبل لكن الجمهوريين الذين يسيطرون على اللجنة سيصدرون ملخصا وستفعل الأمر ذاته الأقلية الديمقراطية.

وفيما يتعلق بروسيا، يشمل مشروع القانون المقترح بنودا مثل فرض عقوبات جديدة على صناعة السلاح الروسية ومنع التعاون العسكري وتوفير المزيد من التمويل للحرب الإلكترونية.

لكنه يتضمن أيضا قاعدة يدعمها الجمهوريون وتتيح للرئيس دونالد ترامب إنهاء بعض العقوبات التي فرضت على روسيا بموجب تشريع أقره الكونجرس بأغلبية ساحقة العام الماضي رغم اعتراض الرئيس.

رد تركيا

وفي هذا الصدد، قال وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو: إن أنقرة سترد إذا ما أوقفت الولايات المتحدة مبيعات السلاح لها.

وفي مقابلة مع قناة (سي.إن.إن. ترك) وصف تشاووش أوغلو اقتراحا من أعضاء في مجلس النواب الأمريكي بوقف مبيعات الأسلحة مؤقتا، ومن بينها طائرات إف-35، لتركيا بأنه خطأ وغير منطقي ولا يليق بالتحالف بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي.

لكن الوزير التركي لم يفصح بماذا سوف ترد الحكومة التركية إذا ما مضى المشرعون الأميركان في مشروعهم المناوئ للحكومة التركية.

وقال الوزير: إن “تركيا ليست دولة تسير بأوامركم. إنها دولة مستقلة. الحديث مع مثل هذه الدولة من موقع عال وإملاء ما يمكن أو لا يمكن شراؤه توجه غير صحيح ولا يتناسب مع تحالفنا”.

وأبلغ مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي تشاووش أوغلو الشهر الماضي أن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء قرار أنقرة شراء بطاريات صواريخ إس-400 الروسية.

وقال تشاووش أوغلو إنه سيزور الولايات المتحدة الأسبوع المقبل للقاء بومبيو مضيفا أنه لم يتحدد تاريخ بعد.

انهيار اللوبي

يقول الكاتب التركي سردار تورغوت في مقال له في صحيفة خبر تورك ونشرفي موقع ترك برس عن هذه الازمة الجديدة في العلاقات التركية – الاميركية “ان هذه الأزمة الجديدة تنذر بحدوث قطيعة تامة بين البلدين. 

فتركيا اتفقت منذ زمن بعيد مع الولايات المتحدة بشأن استلام المقاتلات، بل إنها بدأت بستديد أثمانها. 

تشمل الصفقة 116 مقاتلة، والولايات المتحدة وافقت حتى على أن تكون تركيا المركز الرئيسي لصيانة هذه المقاتلات في المنطقة. أما الآن يسعى بعض أعضاء مجلس الشيوخ من أجل عرقلة تسليم المقاتلات إلى تركيا”. 

يتزامن ذلك مع انهيار اللوبي التركي الضاغط الذي كان يدعم المواقف التركية في السابق وهو مايشير اليه الكاتب قائلا “لم تعد المجموعة المدافعة عن تركيا والمسماة “Turkish Caucus” قادرة على الاعتراض. كانت المجموعة تقنع الآخرين من أجل عدم تمرير مثل هذه المشاريع المضادة، لكن بعد الأحداث التي شهدتها زيارة أردوغان الأخيرة للولايات المنحدة انسحبت هذه المجموعة. ولم تعد تركيا تجد من يناصرها داخل مجلس الشيوخ”. 

لا يبدو أن الأمور تسير في صالح تركيا ولا في توجهاتها الحالية وإن الضغط على الجانب الأميركي في اية ورقة بيد تركيا لا يتكافأ مع ما في يد الولايات المتحدة من أوراق قد تهز الواقع التركي بشكل جدي وعندها سوف تبدو تصريحات وزير الخارجية التركي بالتهديد بالرد هي أقرب للاستهلاك الإعلامي منها إلى المواجهة المباشرة بين الجانبين.

ربما يعجبك أيضا