عودة برلسكوني… ما هى محفزات عودته للساحة رغم فضائح الفساد؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

كان سيلفيو برلسكوني يتحدث بشكل متواصل لقرابة الساعتين -سلسلة طويلة من القضايا غير المترابطة- عندما صعد مساعده إلى المنصة ووضع ورقة أمامه. ودخل جمهوره في موجة حارة من التصفيق لإحدى مقولاته الكلاسيكية: “لقد حكمنا لمدة تسع سنوات، ولم نضع أيدينا أبدًا في جيوب الإيطاليين!”- عندما توقف. وقال برلسكوني: “لقد أعطوني ملاحظة تقول إنهم سيطردوني قريبًا؛ لأن الوقت تأخر والمسرح محجوز لاحقًا”. انخرط الجمهور في التصفيق مرة أخرى. كان من بين الجمهور شقراوات حسناوات ورجال أعمال متأنقين، وبعض الشباب الذين ولدوا بعد أن جاء إلى السلطة للمرة الأولى في عام 1994 ولم يعرفوا العالم من دونه، لقد كان أحد مكوناته بالنسبة لهم، ولم يظهروا أي علامة على التخلي عنه.

ستتجه إيطاليا للتصويت في الانتخابات العامة في 4 مارس. وقد استعد برلوسكوني، رئيس الوزراء السابق، استعدادًا كاملاً للحملة، رغم ما طاله من فضائح الفساد، وما يسمى حفلات “بونجا بونجا” الجنسية، ومزاعم علاقاته مع المافيا والتي ناقشها بالفعل (وأكد نفيها) في خطابه في ميلانو. ويخوض هذه الانتخابات لصالح حزب فورزا إيطاليا من وسط اليمين، على الرغم من أن الإدانة بالاحتيال الضريبي تحظره شخصيا من شغل أي منصب عام. كان حزب فورزا إيطاليا في موقع المعارضة منذ الانتخابات العامة الأخيرة في إيطاليا في عام 2013. ومنذ ذلك الحين، كان هناك ثلاثة رؤساء وزراء من وسط اليسار.

ذهبت إلى ميلان لرؤية أداء برلسكوني مرة أخرى، من الصعب أن نتخيل أنه سيعيد الكرَّة مرة أخرى بعد هذا، ولكن معه، لا نستبعد ذلك. وقد بلغ عرضه ذروته منذ سنوات، حيث تخلى عن منصبه كرئيس للوزراء في نوفمبر 2011، في ذروة أزمة اليورو، لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي، في مناورة يحب الآن أن يقول إنها “انقلاب” ضده – ولكن هنا كان على المنصة، مثل نجم موسيقى برودواي.

يبلغ برلوسكوني من العمر 81 عامًا الآن. ويبدو من وجهه المغطى بالماكياج، وكأنه خرج من متحف الشمع. وهو يرتدي هذه الأيام مثل فريقه حراسته، حيث يرتدي قميصًا أسود تحت سترة سوداء ذات طيات صدر واسعة. ويوم الأحد وعلى مسرح ميلانو، كان يتكلم كبار السن في بعض الأحيان القيام به، وغالبًا ما كان يكرر نفسه. ولا يقوم الآن بمسيرات كبيرة. وكان التلفزيون هو وسيلته المفضلة، وفي هذا كان متقدمًا بفارق كبير، حيث سبق دونالد ترامب وفلاديمير بوتين بمسافات كبيرة، لقد حول برلسكوني المشاهدين إلى ناخبين.

كيف يمكن أن يظل برلسكونى على الساحة السياسية؟ خصوصا عندما تواجه إيطاليا مشاكل اقتصادية هائلة -بعضها نشأ في سنوات حكمه، وبعد سنوات من فضيحة “بونجا بونجا” المحرجة ؟ إنه لا يزال متواجدًا؛ لأن إيطاليا ليس بها وسط يمين طبيعي. لأن وسط اليسار، على الرغم من أن نتائجه في الاقتراع أعلى من فورزا إيطاليا، قد دخل في فوضى لم تمكنه من الاستفادة من خمس سنوات تولى فيها الحكم. ولأنه شخصية معروفة في انتخابات يسيطر عليها أفراد مناهضون للمؤسسة مثل حركة الخمس نجوم والسياسيين اليمينيين المناهضين للمهاجرين.

وخلال الحملة، أشار برلوسكوني إلى نفسه على أنه “أوساتو سيكورو”، أو ما يعني أنه “مستعمل ولكن بحالة جيدة”، نفس المصطلح الذي تراه في إعلانات السيارات المستعملة. وتعد إيطاليا صاحبة أدنى معدلات المواليد في الغرب.

برلسكونى لا يزال على الساحة السياسية لأنه القائد الكاريزمي للحركة السياسية الوحيدة التي تعبر عن وسط اليمين في بلد يميل أكثر من أي وقت مضى إلى اليمين. شريك فورزا إيطاليا الحاكم المحتمل هو حزب الرابطة اليمينية (سابقا رابطة الشمال)، بقيادة ماتيو سالفيني، الذي استغل الخوف من المهاجرين الذين أصبحوا عاملا رئيسيًّا في حملة قذرة.

بدأ بيرلسكوني حياته السياسية في عام 1994 من فراغ سياسي -عقب فضيحة رشوة أدت لانهيار حزب الديمقراطيين المسيحيين الاشتراكيين الذين كانوا يحكمون في تلك المرحلة طوال فترة ما بعد الحرب- واليوم عاد ليملأ الفراغ الثاني. وقالت صوفيا فينتورا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بولونيا، “إذا قرر برلوسكوني فجأة أن يتقاعد عن السياسة، فإن وسط اليمين الحقيقي، باستثناء سالفيني، لن يجد معبرًا سياسيا عنه.. وسينتج عن هذا حدوث فراغ “. ولا يزال برلسكوني في المشهد بسبب العدد الكبير من أعضاء الوسط في إيطاليا الذين يمكن أن يصوتوا لليمين أو اليسار، والذين لا يشعرون في هذه الانتخابات بأنهم في بيتهم والمتمثل في الحزب الديمقراطي، ولكنهم ليسوا في اليمين مثل ناخبي الرابطة. فأين يمكنهم أن يتجهوا؟

ولكن لنجعل بعض الأمور واضحة. ربما يعود برلوسكوني ، لكنه لا يؤيد العودة. ومن المتوقع أن يفوز حزب “فورزا إيطاليا” بحوالي 17% من الأصوات، فيما سيحصل حزب الرابطة على 13% ، على الرغم من أن استطلاعات الرأي الايطالية غالبًا ما تكون غير مؤكدة لأن الكثير من الناس غير متحمسين أو لا يقولون الحقيقة. حتى لو فاز “فورزا إيطاليا” بأكبر عدد من المقاعد في كتلة يمينية، لا يمكن أن يكون برلسكوني رئيسا للوزراء بسبب إدانته بالاحتيال الضريبي، ولكن بغض النظر عن ذلك، فسيلعب دورا حاسما كملك في تشكيل أي التحالف قد ينشأ. 

هناك أيضا إمكانية أنه إذا حصل على أصوات لحزب فورزا إيطاليا، يمكنهم إسقاط شركاء اليمين، الرابطة، ويشكلون ائتلافًا كبيرًا مع الحزب الديمقراطي وسط اليسار، الذي يقف في المعارضة مع غيره من أحزاب اليسار. وينتقد برلوسكوني زعيم الحزب الديموقراطي ماتيو رينزيفي الحملة الانتخابية، حيث يتهم اليسار بأنه دمر البلاد بتركه الكثير من المهاجرين يدخلون البلاد. رغم أنه يشعر بود نحو رينزي أكثر من سالفيني، زعيم حزب الرابطة شريكه الظاهري في التحالف. ونشرت مجلة فضائح مملوكة لشركة عائلة برلسكوني صورة لصديقة سالفيني البالغة من العمر 44 عاما تقبل رجلاً آخر. في الثقافة السياسية الإيطالية، هناك اتفاق “ضمني”، بين سياسيين متنافسين على إسقاط شركائهما وفريقهما بعد الانتخابات، وهو ما ينطوي على علاقة سرية. وقال إزيو ماورو، كاتب عمود ومحرر سابق في “لا ريبوبليكا”، صحيفة “وسط اليسار” الرائدة في إيطاليا، وهي صحيفة معارضة عندما كان برلسكوني في السلطة: “برلوسكوني ورينزي يشبهان عشيقان يتطلعان للاختباء في الظلام”.

 لقد كان بيرلسكوني دائما انتهازيًّا أكثر منه أيديولوجيًّا، انتهازي ممزوج بالسياسي. والرياح السائدة الآن في إيطاليا تهب لصالح برلوسكوني. وفي كلمته في ميلانو، أشار إلى أن 630 ألف مهاجر “غير شرعي”، وصلوا إلى إيطاليا منذ عام 2014، “وكثير منهم” ليس لديهم أي وسيلة لتناول الطعام أو لكسب العيش غير الانحراف”. وفي عهده، وقعت إيطاليا اتفاقًا مع ليبيا في عام 2008 لمنع هذه الهجرة في جزء منه، ولكن انهار هذا الاتفاق مع الربيع العربي. وصفق الجمهور بحرارة. وأضاف برلسكوني “في إيطاليا، تقتل امرأة كل ثلاثة أيام”… “في برنامجنا، لدينا بند للدفاع عن المرأة”. لم يقل ذلك، ولكن الرسالة الضمنية كانت واضحة، وهي إحدى الرسائل التي يقدمها حزب الرابطة بشكل صريح: المهاجرون يأتون ويهاجمون نساءنا. إلا أن الاحصاءات كشفت أن معظم حالات قتل النساء في إيطاليا نتيجة نزاعات داخلية ويقتلهم اشخاص تعرفنهم، بيد أن حزب الرابطة استغل جريمة قتل فظيعة ارتكبها مهاجر نيجيري، وجعلها قضية حملته.

في الغالب، دائمًا ما يتمسك برلسكوني بالعادات القديمة. كما لو كان في عام 1994 حين كان يشغل منصبه للمرة الأولى. كما لو أنه لم يتخل أبدًا عن السلطة عام 2011. ففي عام 2008 حل أزمة القمامة في نابولي. وبعد دخول القوات الروسية جورجيا في نفس العام، توسط بين روسيا وأوروبا لمنع الحرب. كما هو الحال في جميع حملاته السابقة، خاطب الأمهات -فيما كان يتحدث عن والدته- ومرة أخرى تصفيق حار. كما أشاد بالاتحاد الأوروبي وحقيقة أنه انبثق من الحرب العالمية الثانية، وقال إنه يتذكر القنابل التي كانت تسقط على ميلانو عندما كان صبيا. ثم قال: إن أوروبا حرمت إيطاليا من بعض سيادتها الوطنية الثمينة. واليورو كان جيدًا، رغم أن الشركات كانت تعاني. وقال إنه يريد رفع المعاشات التقاعدية لتصل إلى الف ليرة شهريا، حيث نطق عملة إيطاليا ما قبل اليورو قبل أن يصحح لنفسه.

انتهى بملاحظة مربكة. وبعد أن أخبروه بضرورة إخلاء المسرح، قال إنه كان هناك شيء آخر يمكن إضافته… هو أن الإيطاليين يحبون الكلاب والقطط.، وأكد أن حزب “فورزا إيطاليا” إذا وصل إلى السلطة، سيتخذ تدابير لحماية هذه الحيوانات! مرة أخرى، الجمهور يصفق بحرارة. وتساءل مرة أخرى عن “بنود حقوق المرأة”، وما هي التدابير المتخذة لحماية ضحايا العنف العائلي – وقد أضافها إلى القائمة بعد الكلاب والقطط مباشرة. وبحلول ذلك الوقت كنت قد توقفت تقريبا عن تدوين الملاحظات. وبدأ الجمهور يخفف، إن أتباعه يؤمنون به، على عكس منتقديه.

في الأسبوع الماضي قلت لصحفي إيطالي: أعتقد أن برلسكونى قد ألحق أضرارًا اقتصادية واجتماعية هائلة بإيطاليا، إلا أنه أضر إيطاليا فقط، في حين أن ترامب -برأيي- أضر العالم الحر. ولكن الصحفي قال لي، على انفراد، بأنني قللت من شأن الضرر الذي ألحقه برلوسكوني. فقد كان هذا الصحفي يعاني ليشرح لأطفاله الصغار أن العالم، الذي ساعد برلسكوني في خلقه، هو كل ما يراه أطفاله على شاشات التلفزيون طوال حياتهم، وليس الطريقة التي أظهره برلسكوني بها. وقال لي الصحفي: إن الأضرار الحقيقية التي ألحقها برلسكوني بإيطاليا، هي تدمير الخط الفاصل بين المظهر والواقع.

هذه ملاحظة حاسمة، وخاصة في عهد ترامب، ووجدت أنه من المهم أن أقولها ولكن كان مسجلي قد توقف. هناك عامل آخر وراء استمرار برلوسكوني على الساحة: تواطؤ الطبقة الحاكمة. لسنوات، حتى اضطر برلسكوني للتنحي في عام 2011، ونادرًا ما ينتقده من لا يعرفون أنفسهم بأنهم نقاد يساريون، حتى مع هجرة أولادهم للبحث عن عمل في الخارج، وحتى مع تقلص مدخراتهم وانكماشها، حتى لو كانوا قد سئموا منه. لم تتدخل الطبقة الحاكمة حتى وقت متأخر جدا في اللعبة، عندما كان الاقتصاد في خطر. ولا تزال إيطاليا مقسمة بين شبكات مختلفة من السلطة، ومفهوم الصالح العام غريب نوعا ما عن ثقافتها السياسية. واستقرت أزمة اليورو. وينسى الناس. قال إزيو ماورو: “بحث برلسكوني عن العفو، ووجد شيئا أكثر أهمية لدى العديد من الإيطاليين.. إنه فقدان الذاكرة”.

المصدر – ذي أتلانتيك

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا