عودة روسيا إلى “مجموعة الثماني” هل ما زالت مبكرة؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

العلاقات ما بين برلين وموسكو، لها خصوصيتها، موسكو حاضرة في برلين ما قبل وما بعد انهيار جدار برلين في نوفمبر 2019، الغزل الروسي الألماني قائما في خطابات بوتين في اللغة الألمانية أمام “البوندستاغ” الألماني.

المزاج العام في ألمانيا، لا يختلف كثيرًا عن المزاج السياسي الألماني ودعوات بالتقارب الروسي الألماني ورفع العقوبات الاقتصادية ضد موسكو.

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل يوم من زيارة وزير خارجية ألمانيا، ماس إلى موسكو أنّه يؤيّد عودة روسيا إلى مجوعة الثماني، من دون أن يذكر أي شرط لهذه العودة، ما يتعارض مع مواقف حلفائه في مجموعة السبع الذين سيلتقيهم أواخر الاسبوع في باريس جنوب غرب فرنسا.

الرئيس الفرنسي ماكرون، من جانبه، أعلن  في تصريح أدلى به في الإليزيه في أعقاب ذلك، أنّه “من المهمّ، في نهاية المطاف، أن تنضمّ روسيا مجددًا إلى مجموعة الثماني”، وأضاف أنّ “الطلاق وقع وقت غزو أوكرانيا. إن الشرط المسبق الذي لا بدّ منه” للقبول بعودة موسكو إلى المجموعة هو “أن يتم إيجاد حلّ بشأن أوكرانيا على أساس اتفاقيات مينسك.

الموقف الألماني من رفع العقوبات عن روسيا

أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس خلال زيارته إلى موسكو، يوم أمس 22 أوغست 2019على أن روسيا يجب أن تتحرك في نطاق حل الأزمة الأوكرانية من أجل تخفيف العقوبات الأوروبية المفروضة عليها، وقال ماس “حتى الآن لم يكن هذا الأمر ممكنا، وطالما الحال كذلك سيكون من الصعب الحديث عن وضع العقوبات الاقتصادية الأوروبية”. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن أنّه يؤيّد عودة روسيا إلى مجوعة الثماني، من دون أن يذكر أي شرط لهذه العودة، ما يتعارض مع مواقف حلفائه في مجموعة السبع الذين سيلتقيهم أواخر الأسبوع في بياريتس في جنوب غرب فرنسا.

اعتبرت المستشارة الألمانية ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم 21 آب أغسطس 2019 أنّه من السابق لأوانه أن تعود روسيا إلى مجموعة الثماني، في رفض واضح للفكرة التي طرحها خصوصاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقالت ميركل خلال مؤتمر صحافي مشترك مع جونسون في برلين إنّ موسكو قامت بالفعل ببعض “الخطوات البسيطة” على طريق تنفيذ اتفاقيات مينسك للسلام في شرق أوكرانيا، معتبرة أنّه “إذا أحرزنا تقدّماً حقيقياً في هذا المجال فسيكون لدينا وضع جديد”.

وسبق أن أعلنت المستشارة الألمانية ميركل” في يونيو2018 أن الأعضاء الأوروبيين في مجموعة الـ7 الكبار متفقون على أنه لا يمكن إعادة روسيا إلى المجموعة ما لم يتحقق تقدم في حل الأزمة في أوكرانيا، وأكدت نحن متفقون على أن عودة روسيا إلى مجموعة الـ7 غير ممكنة ما لم يحرز تقدم كبير في ما يتعلق بالمشاكل مع أوكرانيا.

وفي هذا الإطار دعا رئيس وزراء ولاية ساكسونيا الألمانية ميخائيل كريتشمير  يوم 19 أوغست 2019 لإلغاء العقوبات ضد روسيا، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تستغل هذه العقوبات لتحقيق مصالحها الذاتية.

وأضاف كريتشمير في حديث صحفي “نرى أن فرض العقوبات على روسيا لم يجد نفعا”.

اتفاق مينسك

ضمت روسيا جزيرة القرم إليها، وبدأت الحركة الانفصالية تنتشر في المدن لإستقلال عن أوكرانيا، والانضمام إلى روسيا الاتحادية، وردت القوات النظامية الأوكرانية بشن هجومات على قادة الحركات الانفصالية لاستعادة المدن التي سيطروا عليها الانفصاليون.

وكانت لهذه التطورات دور في إبرام اتفاق “مينسك الأولى” بين روسيا وأوكرانيا لفرض هدنة وإحلال السلام، وتم التوقيع على “مينسك 1” في أوائل سبتمبر 2014. وبعد فشل مينسك 1 تدخلت ميركل، وفرانسوا هولاند، رئيس فرنسا آنذاك، لوقف القتال وإطلاق النار، وأجرى كلاهما مفاوضات مع الجانب الروسي، وانتهت بما يعرف بـ “مينسك 2”.

إن حملة الضغوطات الأميركية على برلين من قبل إدارة ترامب، تعمل بدون شك على دفع الأخيرة بالتقارب أكثر من موسكو. وفي هذا السياق، كتبت داريا رينوتشنوفا، في “فزغلياد”، عن محاولة واشنطن زج ألمانيا في الصراع في سوريا لمواجهة روسيا هناك.

وجاء في المقال: دعت الولايات المتحدة ألمانيا إلى إرسال قوات برية إلى سوريا لتحل محل الوحدة الأمريكية جزئيا، ويقول أليكسي ليونكوف، خبير عسكري روسي لـ”فزغلياد”: الأمريكيون يغادرون، الألمان يأتون، الأتراك يزحفون نحو الأكراد. وألمانيا تتصدى للضربة”. وأضاف: “تريد الولايات المتحدة أيضا تدمير العلاقات بين روسيا وألمانيا”.

خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم  الروسي

ولم يتردد ترامب، بالاعلان عن عزمه فرض عقوبات بشأن مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 2 الروسي، وحذر ألمانيا من الاعتماد على روسيا في الطاقة، وأثار نورد ستريم 2 انقساما في الاتحاد الأوروبي إذ ترى دول شرق أوروبا والدول الاسكندنافية ودول البطليق أن مشروع خط الأنابيب، وهو قيد الإنشاء حاليًا، يمثل اعتماداً متزايداً للاتحاد على موسكو في حين أن دول شمال أوروبا، وخصوصا ألمانيا، تعطي أولوية للفوائد الاقتصادية، وسيمتد خط الأنابيب نورد ستريم 2 لمسافة 1225 كيلومتراً من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق.

ألمانيا تعارض باستمرار الولايات المتحدة في مسألة خط الأنابيب السيل الشمالي- 2 والعلاقات الاقتصادية مع روسيا. ولكن، على الرغم من العقوبات وسياسة الروس، فإن الألمان يلتزمون بنهج معين بخصوص السيل الشمالي- 2، الذي يقترب من شواطئ ألمانيا”.

ورغم الخلافات والجدل ما بين الرئيس ترامب والمستشارة الألمانية ميركل، إلا أن ترامب يرى أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مفتاح حل الأزمة الأوكرانية. عندما دعت كييف إلى التهدئة وضبط النفس خلال شهر نوفمبر 2018. 

حينها أعرب ترامب عن رغبته في وساطة المستشارة ميركل في إيجاد حلول للأزمة الأوكرانية وهذا يعكس مدى التقارب مابين برلين وموسكو. تبذل المستشارة الألمانية، ميركل جهودا لحل خلافتها مع روسيا، فألمانيا وروسيا تجمعهما علاقات وثيقة على المستوى السياسي والاقتصادي، بدءًا من التبادل التجاري القوي وصولًا إلى خط أنابيب الغاز نورد ستريم .

أفادت دراسه أعدها خبراء “معهد الاقتصاد العالمي بشمال ألمانيا” في ديسمبر 2017 أن ألمانيا أكثر الدول الغربية تضررًا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وقدر الخبراء إجمالي الخسائر الألمانية منذ عام 2014 بحوالي (114) مليار دولار، حيث إن ألمانيا تتحمل نحو(40 %) من تجارة الغرب مع روسيا بينما لا تفقد قوى فاعلة أخرى مثل المملكة المتحدة سوى (7.9% )وفرنسا(4.1%) والولايات المتحدة (6.0 % )، وحسب الدراسة، فإن حجم الصادرات الألمانية يقل بنحو( 727) مليون دولار يوميا في المتوسط بسبب العقوبات.

تشارك برلين موسكو في جملة قضايا دولية وإقليمية، أكثر من مشاركتها إدارة ترامب، فما زالت ألمانيا تشارك الرؤية الروسية الثابته في الملف النووي الإيراني، وكذلك  حول الشأن السوري، كلاهما يؤكدان الخيار السياسي وعدم التصعيد العسكري.

الزيارات الروسية الألمانية، تشهد تطورا ما بين البلدين، أكثر في زمن ترامب، ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الثنائية ما بين موسكو وبرلين تطورا أكثر، فهنا في ألمانيا مزاج عام مع التقارب ما بين البلدين ورفع العقوبات الاقتصادية على روسية، لكن رغم ذلك من المتوقع أن ألمانيا تبقى ملتزمة باتفاق الدول السبع، ولا تدعم بشكل قوي رفع العقوبات عن روسيا.

ربما يعجبك أيضا