«عودوا لبلدكم».. لماذا تجدد التراشق بين اللبنانيين والسوريين؟

محمد النحاس

جدل حاد في لبنان بشأن اللاجئين السوريين.. ما القصة؟ وما علاقة الأزمة الاقتصادية؟


تجدد الجدل في لبنان بشأن ترحيل اللاجئين السوريين، في ظل اتهامات تطال بعضهم بشأن دور مزعوم في أزمات البلاد.

ويعيش لبنان على وقع أزمة اقتصادية حادة، وحالة من الفراغ والتخبط السياسي، ألقت بظلالها على أزمات اجتماعية أكثر عمقًا، أبرزها العلاقة المُلتبسة مع اللاجئين السوريين في البلد الذي يستضيف ما يزيد على المليون لاجئ، فما أبعاد هذه الأزمة؟.

ما ينطق به الواقع

لافتة معلقة تحمل عبارة “يُمنع تجول السوريين” بعد الساعة 8 مساءً ” أدت لاشتعال مشاجرة بين بائع خبز لبناني، ولاجئة سورية، وكان الاشتباك اللفظي بينهما حادًا وحمل عبارات قاسية، يمكن وصفها بالعنصرية.

FsRtIo9WcAAWbRQ 1 1

تعبر الصورة عن مقدار ما بلغته الأزمة بين اللبنانيين والاجئين السوريين

هذا المشهد ليس واقعيًّا، بل تضمنه مسلسل “النار بالنار”، الذي أخرجه، محمد عبدالعزيز، وقد أثار حالة من الجدل والخلاف، بين من اعتبره عنصريًّا، وآخرون قالوا إنه يُعبر عن معاناة السوريين في لبنان، بيد أن الأكيد أن هذا المشهد يعبر عن مدى عمق الأزمة الاجتماعية بين اللاجئين وقطاعات واسعة من اللبنانيين.

جدل متجدد

الجدل بشأن أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان ليس جديدًا، غير أنه يتجدد كلما اشتدت أبعاد الأزمة الاقتصادية هناك، وقد يجدده بعض الحوادث من وقت لآخر، وكان آخرها، ترحيل مجموعة من 50 لاجئًا إلى سوريا، وأدانت منظمة العفو الدولية هذه الخطوة، وقالت إنها تُعرض حياتهم للخطر.

في المقابل، أشاد مغردون لبنانيون بالخطوة، داعين لمزيدٍ من هذه الإجراءات، وعن المخاوف على مصير اللاجئين، دافع هؤلاء عن ذلك بأن من جرى ترحيلهم ليسوا لاجئين، بل دخلوا البلاد بسبل غير شرعية، وهي الحجة التي أدلى بها العديد من المسؤولين اللبنانيين في حديثهم مع وسائل إعلام إقليمية.

اقرا أيضًا| لبنان.. اللاجئون السوريون في مواجهة محاولات الإبعاد

طرد اللاجئين؟

في هذا الصدد، اتهم مغرد تحت اسم “رضوان” الجيش اللبناني بـ”رمي” النازحين السوريين حرفيًّا بين الحدود اللبنانية والسورية بنحو مُهين، قال إنه يخالف لكل القوانين والمعايير الإنسانية، وبدلاً من تسليمهم للأمن العام لترحيلهم، يعمد إلى “كبّهم” على الحدود.

اقرأ أيضًا| بشارة الراعي: السوريون لا يمنكهم البقاء في لبنان.. «فيديو»

وردت مغردة لبنانية: “وهيك لازم يصير.. تحية للجيش اللبناني”، وكتب آخر “افتعلو أزمة النازحين من الألف للياء، ويجب محاسبتهم. أما لبنان، فليس مسؤولًا عن النازحين”، مضيفًا “لبنان مسؤول فقط عن اللبنانيين”، وفي تعليق قد يشير إلى المشهد السينمائي سالف الذكر كتب ذات المغرد: “أفلام الدراما تبعكن بلوها واشربو ميتها. لا تعاطف مع المحتلين المستوطنين السوريين بقناع نازحين”.

تغيير ديموغرافي؟

حالة السخط بررها مغردون بـ”التغيير الديموغرافي في لبنان”، في إشارة منهم لما اعتبروه “عملية إحلال” أدت لزيادة السوريين على حساب اللبنانيين، ودفع هذا لإطلاق حملة تحت شعار “الحملة الوطنية لتحرير لبنان من التغير الديموغرافي السوري”، وحسب موقع صحيفة النهار اللبنانية اُستخدمت في هذه الحملة أرقام مغلوطة وغير دقيقة.

يعيش ما يزيد على المليون لاجئ سوري في لبنان

يعيش ما يزيد على مليون لاجئ سوري في لبنان

ومن غير المعروف على وجه الدقة عدد اللاجئين السوريين في لبنان، لكن تشير تقديرات إلى أن تعدادهم يقدر بقرابة مليون ونصف المليون، وفق الصحيفة سالفة الذكر، ويعيش السوريون أوضاعًا إنسانية صعبة، ونقصًا في المواد والسلع الأساسية، علاوةً على المخيمات التي تفتقر إلى العديد من مقومات الحياة.

أوضاع إنسانية صعبة

حسب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، خلص تقييمها لأوجه الضعف لعام 2020 بشأن اللاجئين السوريين إلى أن 89% من أسر اللاجئين السوريين في لبنان تعيش تحت خط الفقر المدقع، وهو ارتفاع من 55% في منتصف عام 2019.

118287Image1

اللاجئون السوريون في لبنان يعانون في ظل أوضاع معيشية قاسية

وفي تقرير إعلامي للمنظمة المعنية بشؤون اللاجئين، نشرته عبر تويتر، تقول اللاجئية السورية وردة: “لا أذكر متى كانت المرة الأخيرة التي أطعمت فيها عائلتي الفاكهة”، وعلقت مغرّدة لبنانية: “خلي منظمة العفو الدولية تستقبلهم ليس لعدم محبتنا.. لكن أحبك يا جاري أنت بدارك وأنا بداري..”.

وفي تغريدة له كتب الناشط السوري، بسام جعارة: “العنصريون في لبنان اختلفوا في كل القضايا الأساسية، واتفقوا فقط على طرد اللاجئين السوريين!”. ونشر المدون السوري قتيبة ياسين مقطع فيديو ردًا على ما أسماه “مؤتمر صحفي لبث الكراهية والعنصرية ضد اللاجئيين السوريين”.

مواقف متفاوتة

مسؤولون لبنانيون دخلوا على خط الأزمة، وانتقد محافظ البقاع، بشير خضر، أوضاع السوريين وقال إنه كمحافظ يحصل على معاش أقل مما يحصل عليه اللاجئ السوري، ولم نتمكن على وجه الدقة من تحديد مدى دقة التصريح السالف، وكانت مواقف الأحزاب السياسية في لبنان أكثر اعتدالاً من الحالة العامة، التي يمكن ملاحظتها جليًّا على مواقع التواصل الاجتماعي.

الحزب الاشتراكي وصف ما يجري بـ”الحملة العشوائية التي تزيد التوتر ولن تقود لنتيجة”، وتساءل عن مرجعية الخطوات في الحكومة اللبنانية، وقالت حركة أمل من جانبها إن هذه القضية يجب ألا تدار بـ “شعبوية ولا عنصرية ولا بالفوضى”، وعزى التيار الوطني الحر هذه الحالة إلى أن الوضع في لبنان قد تغير ولم يعد في قدرة اللبنانيين تحمل الوضع الاقتصادي، وفقًا لقناة إم تي في لبنان نيوز المحلية الإخبارية.

أزمة عامة في لبنان

غير أن المعاناة الاقتصادية في لبنان لا تفرق بين سوري ولبناني، وتكتوي قطاعات واسعة منهما بنيرانها، ما يمكن أن يُفسّر حالة السخط المتزايدة، التي ربما لا تقصد السوريين بقدر ما تعبر عن التبرم بالأوضاع العامة، وعدم القدرة على مواكبتها.

وبدأت تجليات الأزمة الاقتصادية في أكتوبر 2019 على إثر تداعيات فيروس كورونا، ثم تلا ذلك أزمة انفجار مرفأ بيروت أغسطس 2020، ومن ثمّ الحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت سلبًا في العديد من البلدان الشرق أوسطية.

وحسب تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني، فإن الأزمة الاقتصادية والمالية تأتي ضمن الأزمات الاقتصادية الأسوأ على مستوى العالم، منذ منتصف القرن 19، وانخفض إجمالي الناتج المحلي الاسمي من قرابة 52 مليار دولار في 2019، إلى ما يقدر بنحو 23.1 مليار دولار في 2021.

أزمات هيكلية

تعيش “باريس الشرق” -كما كان يُدعى لبنان- حالة غير مسبوقة من الانكماش الاقتصادي، وانخفاض دخل الفرد، وانخفاض هائل في سعر صرف الليرة، وتصاعدت ظاهرة “دولرة الاقتصاد”، أي استخدام الدولار في المعاملات اليومية، بفعل فقدان الثقة في العملة المحلية.

وتضع البنوك قيودًا على عمليات السحب بالعملات الأجنبية، ما أدى للعديد من الاقتحامات المصرفية التي لاقت المقاطع المنتشرة عنها على منصات التواصل تفاعلاً كبيرًا. كل هذه الأزمات المعقدة، في بلدٍ لم يتجاوز تعداد سكانه 6 ملايين نسمة فحسب.

332987 1663156500

اقتحام فتاة بنك في لبنان – مشهد لافت لاقى رواجًا واسعًا

وذلك إلى جانب أزمات سياسية حادة وعميقة يمكن وصفها بـ”الهيكلية” ما أدخل البلاد في نفق مظلم، قاد إلى انعدام كل تصور ممكن للحل، ومن ثمّ اشتعلت الأزمات الاجتماعية بين مكوناته، والمكونات التي بات يُنظر لها على أنها دخيلة على بنية المجتمع.

اقرأ أيضًا| ملف اللاجئين السوريين يخلق سجالًا سياسيًّا في لبنان

ربما يعجبك أيضا