غاز شرق المتوسط.. تكتل دولي جديد لتأسيس سوق إقليمية وردع أنقرة

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

في خطوة استراتيجية هامة لحماية ثروات البحر المتوسط، وإنشاء سوق غاز إقليمية، وقع ممثلو ست دول تطل على ساحل البحر المتوسط، أمس الثلاثاء، في القاهرة اتفاقية تحويل منتدى غاز شرق المتوسط لمنظمة إقليمية دولية.

ستصبح المنظمة منصة دولية لحوار سياسي منظم بشأن غاز البحر المتوسط، وقطع الطريق أمام أي أطماع خارجية، وقامت بالتوقيع كل من مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن.

ويأتي انضمام مصر لمنظمة غاز شرق المتوسط في إطار سعيها للتحول لمركز إقليمي للطاقة في المنطقة، حيث جاءت تلك الخطوة التاريخية تنفيذا للمبادرة المصرية التي أعلن عنها خلال القمة الثلاثية المصرية القبرصية اليونانية في أواخر 2018، وتم التنسيق مع الدول أعضاء المنتدى حول أسلوب التوقيع في ظل قيود السفر المرتبطة بجائحة كورونا.

والمنتدى الذي أُسس عام 2019 كان يهدف إلى إنشاء سوق غاز على المستوى الإقليمي وتأمين العلاقات التجارية وضمان تلبية العرض والطلب من الدول المكونة للمنتدى وترشيد تكلفة البنية التحتية وتقديم أسعار تنافسية.

ماذا قالت الدول الأعضاء عن المنظمة؟

وفقًا لبيان لوزارة البترول المصرية فقد شارك في مراسم التوقيع، التي تمت عبر تقنية مؤتمر الفيديو، إلى جانب طارق الملا، كل من ناتاشا باليديس وزيرة الطاقة والتجارة والصناعة القبرصية، وكوستيس هاتدزاكيس وزير البيئة والطاقة اليوناني، ويوفال شتاينتز وزير الطاقة الإسرائيلي، واليساندرا تودي وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية، وهالة الزواتي وزيرة الطاقة الأردنية، وكل من فيكتوريا كوتس مستشار أول وزير الطاقة الأمريكي، وكريستينا لوبيلو مدير إدارة الطاقة نيابة عن مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبي وذلك بصفة مراقب، إضافة إلى حضور سفراء دول قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والولايات المتحدة وفرنسا لدى القاهرة.

وقال الملا، في كلمة خلال المراسم “المنتدى أصبح رسميا منظمة دولية حكومية كبيرة في منطقة المتوسط، مقرها القاهرة، ويمثل ذلك انطلاقة كبيرة في رحلة تأسيس هذا الكيان الذي تطور تدريجيا ليصل إلى هذه المكانة”.

وأوضح أن “هذه المنظمة تهتم بتعزيز التعاون وتنمية حوار سياسي منظم ومنهجي بشأن الغاز الطبيعي إسهاما في الاستغلال الاقتصادي الأمثل لاحتياطيات الدول من هذا المورد الحيوي باستخدام البنية التحتية الحالية، علاوة على إقامة بنية تحتية جديدة عند الحاجة من أجل المنفعة المشتركة ورفاهية الشعوب” .

وشدد على أن “المنتدى يتطلع لعضوية دول أخرى بالمنطقة طالما أنها تتماشى مع أهداف المنتدى وتتشارك نفس الأهداف لتحقيق الغاية المشتركة من أجل رفاهية دول المنطقة وشعوبها”.

من جانبه، قال كوستيتس هاتدزاكيس وزير البيئة والطاقة اليوناني: إن اليوم  يمثل حدثاً تاريخياً لدول شرق المتوسط لتحقيق التعاون والازدهار من خلال  هذا المنتدى الذي يعد أول  منظمة دولية في اقليم شرق المتوسط، وأن إنشاءه يؤكد قدرة الدول على التغلب فعلياً على المشاكل والتحديات ونجاحها في استثمار الطاقة كوسيلة للسلام والتعاون البناء بين دول المنطقة بدلاً من أن تكون وسيلة لإشعال النزاعات والتوترات، مضيفًا أن ما تم اليوم لا يعد نهاية لمسيرة عمل امتدت  لعامين وإنما يمثل بداية حقيقية نحو تعاون أكثر استدامة من أجل زيادة الاستثمارات.

فيما قالت المهندسة هالة الزواتي وزيرة الطاقة الأردنية: إن اليوم يعد تتويجاً لما تم بذله من جهود لاقامة هذه المنظمة منذ عام 2019 بما يضمن الحفاظ على حقوق دولها ويؤسس اطار مشتركك  للتعاون الاقليمي ووضع السياسات من أجل تكوين سوق مستدام للغاز بالمنطقة، موجهة الشكر للدولة المصرية والمهندس  طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية على تبنى المبادرة  الخاصة بانشاء المنتدى.

وقالت أليسندرا تود وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية: إن بلادها تتطلع إلى النتائج الإيجابية من خلال التعاون الناجح في هذا المنتدى، مؤكدةً أنه بالرغم من الظروف الصعبة التي يواجهها العالم فإن دول العالم استطاعت تخطيها ووضع الأسس التي يقوم عليها هذا المنتدى ودعم الشراكات في مجال الطاقة والغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وأكدت على التطلع إلى مستقبل أفضل في مجال الطاقة يليق بحجم التعاون المبذول في المنتدى الذي يمثل فرصة رائعة لزيادة الاستثمارات وتكوين  شراكات أكبر وتحقيق المزيد من الثمار لرفاهية الشعوب.

وقال يوفال شتاينز وزير الطاقة الإسرائيلي: إن إنشاء المنتدى بمثابة مظلة للتعاون الاقليمي السلمي وسيدعم ويعزز التعاون  في مجال الطاقة بين دول المنطقة وليس فقط في مجال الغاز الطبيعي وإنما في كافة المجالات ويخدم أهداف سلامة البيئة، مشيراً إلى أن المنتدى هو بداية تعاون وتكامل بين الدول والشعوب من خلال منظمة اقليمية تضم دول شرق المتوسط.

ومن جانبها، قالت كريستينا لوبيللو مدير إدارة الطاقة بالاتحاد الأوروبي: إن هذا المنتدى الذي يجمع دول المنطقة يسهم  في تأمين احتياجاتها من الطاقة من أجل الاستقرار حيث يمثل هذا المنتدى قيمة كبيرة وتعقد عليه الآمال في أن يصبح منصة مستقبلية للتحول في مجال الطاقة ودعم التعاون  بشرق المتوسط  استناداً إلى مبادئ القانون الدولي التي تحظى باحترام كافة الدول المشاركة، مؤكدةً أن المجال مفتوح لانضمام دول أخرى للمنتدى تتشارك في نفس المبادئ والأهداف، وأكدت على دعم الاتحاد الأوروبي الكامل لهذه المنظمة وتشجيع  الحوار السياسي بين الدول المشاركة.

وصدر إعلان مشترك عن وزراء دول المنظمة جاء فيه “سيعمل منتدى غاز شرق المتوسط كمنصة تجمع منتجي الغاز والمستهلكين ودول المرور، لوضع رؤية مشتركة وإقامة حوار منهجي منظم حول سياسات الغاز الطبيعي”.

ويتوقع خبراء أن تنضم دول أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة لهذه المنظمة.

انعزال تركيا ودور أكبر في سوق الغاز.. أبرز المكاسب

بحسب الخبراء فإن منظمة غاز شرق المتوسط أصبحت تتخذ إطارا قانونيا قويا يُمكنها من خلاله لعب دور أوسع في إبرام تحالفات اقتصادية وسياسية للدفاع عن حقوق الدول الأعضاء.

كما أنها ستعيد تشكيل توازنات القوى في المنطقة، وتضع حدا لأعمال التنقيب غير الشرعية التي تقوم بها أنقرة.

ولفت الخبراء إلى أن دور المنظمة يتسع أيضًا في مناقشة قضايا الغاز الإقليمية والعالمية من حيث المشاركة في آليات العرض والطلب والتسعير والبنية التحتية وخطوط نقل الغاز.

من جانبه، يرى الدكتور محمد مجاهد الزيات، المستشار بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في تصريحات صحفية لموقع “العين”، إن أهمية هذه الخطوة الحيوية تكمن في وضع أساس قانوني قوي، يجمع مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية.

وأشار الزيات إلى أن توقيت توقيع الاتفاقية بالغ الأهمية، لكونها تأتي في وقت تشهد فيها منطقة شرق المتوسط تصعيدا بين تركيا والدول الأوروبية كنتاج للسياسات الاستفزازية لأردوغان تجاه اليونان وقبرص، والقيام بأعمال تنقيب غير مشروع في المنطقة يتحدى جميع القواعد القانونية والأعراف الدولية لاحترام سيادة وحقوق الدول.

دلالات أخرى طرحها الزيات بشأن أهمية تحول المنتدى إلى منطقة إقليمية، في مقدمتها تأسيس منظمة متخصصة في إدارة قضايا الغاز في شرق المتوسط، عبر آليه واضحة ترتكز على على مشاركة أعضائها في البحث عن مجالات التعاون المختلفة.

وتابع: “سيكون هناك مجال لتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء، والتعاون بين شركاتها في مجال التدريب، وإعداد وتأهيل الكوادر المتخصصة”.

وتفتح الصيغة القانونية للعلاقات بين دول المنطقة في إطار عمل المنظمة الباب لتوثيق ودعم التحالف بين الدول المشاركة، ما يطرح فرص صياغة تحالف إقليمي سياسي جديد، بإمكانه تغيير توازنات القوى السائدة في المنطقة.

وأضاف أن التعاون على هذا النحو يعني انعزال تركيا عن المشاركة حاليا، وربط أي دور لها في المنطقة بقبول الأطراف المشاركة لعضويتها.

من جهة أخرى، تسمح المنظمة بخلق تكتل إقليمي قوي من دول الشرق الأوسط والدول الأوروبية سيكون أمامه مجالات أكبر للعب دور فعال في سوق الغاز الطبيعي العالمي.

وهو ما أشار إليه الزيات حيث إن المنظمة سيكون لها دور في قضايا الغاز إقليميا ودوليا من حيث التسعير وشبكة البنية التحتية وأنابيب نقل الغاز، والعرض والطلب سواء فيما بينها أو عالميا.

من جهته، قال أسامة كمال، وزير البترول المصري الأسبق، إن الهدف الرئيسي من هذا التكتل الإقليمي الذي يحظى بدعم دولي هو تنسيق السياسات الخاصة باستغلال الغاز الطبيعي بما يحقق المصالح المشتركة لدول المنطقة.

وأكد أن اختيار القاهرة مقرا للمنظمة يأتي تقديرا للجهود التي بذلتها مصر لتأسيس كيان يدافع عن مصالح دول الأعضاء، يعزز توجه مصر نحو التحول لمركز إقليمي لتداول الطاقة، والاستفادة من بنيتها التحتية.

وتمتلك مصر مقومات هائلة للعب دور فعال في سوق الطاقة العالمي، إذ تمتلك مصانع لإسالة الغاز على شاطئ البحر المتوسط في إدكو ودمياط، وجارٍ الإعداد لتدشين خط أنابيب بحري مباشر بين مصر وقبرص لنقل الغاز من حقل أفروديت القبرصي، وإعادة تصديره عبر مصر.

هذا فضلا عن اكتشفات الحقول الضخمة في مصر وأبرزها حقل ظهر بشرق المتوسط الذي يضم احتياطيات تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعب غاز.

 

ربما يعجبك أيضا