فاينانشيال تايمز| الوحدة 8200.. تعرّف على ذراع إسرائيل في إدارة عمليات الأمن السيبراني

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

في ظهيرة يوم شديد الحرارة بمنتزه علمي يشبه الحرم الجامعي بمدينة بئر سبع في جنوب إسرائيل، راقبتُ مجموعة من المراهقين الأذكياء المهووسين بالتكنولوجيا، وهم يعرضون مشاريع تخرجهم. كان هناك آباء وأفراد جيش بزيّهم الرسمي يتنقلون في أرجاء غرفة من دون نوافذ مليئة بطاولات عليها حواسيب محمولة وهواتف نقالة وأجهزة إلكترونية أخرى. كانت هناك أحاديث مثيرة، كما كان الجو عابقًا برائحة حادة ناتجة عن تعرق هؤلاء المراهقين.

كان هذا حفل تخرج جرى مؤخرًا لخريجي برنامج “ماغشميم” (والذي يمكن ترجمته تقريبا إلى “الإنجاز”). وهو برنامج ما بعد الدوام الدراسي مدته ثلاث سنوات للطلاب في المرحلة العمرية بين 16 و18 عامًا الذين يتمتعون بمهارات استثنائية في الترميز والقرصنة الحاسوبية. يعمل برنامج “ماغشميم” كنظام تغذية لإرسال مُجنّدين محتملين للوحدة رقم 8200، وهي جهاز تجسس إلكتروني عالي التقنية تابع للجيش الإسرائيلي، ويعتبره محللون استخباراتيون أحد أقوى أجهزة التجسس الإليكتروني في العالم.

 إن الوحدة 8200 (أو شمون ماتييم بالعبرية) توازي وكالة الأمن الوطني الأمريكية، وهي أكبر وحدة عسكرية في الجيش الإسرائيلي، وهي أيضًا مؤسسة نخبوية يستطيع خريجوها، بعد استكمالهم للخدمة العسكرية، استثمار مهاراتهم المتطورة للغاية في التجسس والقرصنة في وظائف في إسرائيل ووداي السليكون وممر التقنية في بوسطن.

وصف مؤلفو كتاب “أمّة الشركات الصاعدة” (start-up nation) الصادر عام 2009 والذي يحكي عن ثقافة الشركات الصاعدة في إسرائيل، الوحدة 8200 ووحدات نخبوية أخرى في الجيش الإسرائيلي، بأنها توازي “جامعات هارفارد وبرينستون وييل). جلست إلى جواري مُرافِقة من الجيش الإسرائيلي، وذلك عندما كنت أستمع إلى المراهقين وهم يشرحون مشاريعهم. كان أكثر من نصف هؤلاء المراهقين من الذكور، كما كان هناك فتيات أيضًا، والوحدة 8200 تفتح أبوابها للجنسين. صمّم “عمير”، 19 عامًا، مفتاح “يو إس بي” بإمكانه سحب معلومات من حاسوب وتنظيمها على حاسوب آخر: هذه عمليًّا أداة قرصنة. أخبرني “عمير”: “جعلنا هذه الأداة تبدو مثل لوحة مفاتيح حتى يمكننا اختراق أي شركة في العالم”. نجح فتيان اثنان يبلغان 17 عامًا، كلاهما يحمل اسم “ليور” (طلب مني الجيش الإسرائيلي عدم ذكر الاسمين الأخيرين للطالبين) في بناء هاتف خليوي من الصفر وقاما ببرمجته لجعله يجري مكالمات ويستقبلها، قبل أن ينفجر بسبب تدفق هائل في الطاقة الكهربائية. شرح لي أحد الطالبين أن “المشروع لم يعمل كما هو مخطط له”. ليس من السهل الدخول في برنامج “ماغشميم”.

ويأتي تمويل هذا البرنامج من قِبل إسرائيل ومؤسسة “راشي”، وهي مؤسسة خاصة مكرّسة لمساعدة الشباب المحرومين، وهي تستهدف الأطفال الموهوبين في المناطق الشمالية والجنوبية الأكثر فقرًا في إسرائيل. يدخل المتقدمون الوحدة فقط بعد تجاوز استبيان على الإنترنت، يعقبه مجموعة من الاختبارات الأكثر صعوبة لقياس قدراتهم على البرمجة واللغات والتفكير خارج الصندوق.

إن برنامج “ماغشميم” لا يعدّ تذكرة دخول تلقائية للوحدة 8200، لكن العديد من طلابه يؤدون خدمتهم العسكرية الإلزامية هناك: ثلاث سنوات للذكور الإسرائيليين، وسنتان للإناث. يدرك معظم هؤلاء الشباب أن الدخول لهذا البرنامج معناه أن سيضعون أقدامهم على الطريق السريع. أخبرني “تال”، وهو فتى طويل يبلغ 19 عامًا ينحدر من مدينة “ميتار” الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 10 آلاف نسمة: “كانت هناك شائعات، لكنهم لم يخبرونا مطلقًا أن هذا البرنامج له علاقة بالوحدة 8200”. وتابع بالقول: “أخبرونا أنه في نهاية الصف الحادي عشر، سنتلقى دعوات لإجراء مقابلات في أماكن معينة في الجيش الإسرائيلي”.

وبالتأكيد لو كان هناك قلب نابض للدولة الأمنية عالية التقنية في إسرائيل، فسيكون الوحدة 8200. إن إسرائيل من الدول القليلة التي تمتزج فيها المؤسسة العسكرية مع الدراسة الأكاديمية والعمل التجاري، حيث تحقق هذه القطاعات الثلاثة أرباحًا من هذا الوضع. في العام الماضي، بلغت قيمة صادرات إسرائيل من المنتجات الأمنية – المصممة لحماية الشركات والبنوك والحكومات من خطر المقرصنين والمحتالين والمتجسسين – نحو 6 مليارات دولار، متجاوزة صادرات السلاح الإسرائيلية للمرة الأولى. اليوم، تسيطر إسرائيل، التي يبلغ تعدادها 8 ملايين نسمة، على نحو 10 بالمائة من سوق الأمن السيبراني العالمي الذي يشهد نموًا سريعًا، بعد أن أدّت عمليات قرصنة شهيرة – مثلما حدث مع شركتي تارغيت وسوني العام الماضي – لخسارة مدراء تنفيذيين لوظائفهم. إن إسرائيل، التي تسودها ثقافة نابضة بالحياة للشركات الصاعدة، هي بالفعل واحدة من أكثر الأماكن جذبًا لرأس المال الاستثماري في العالم.

يقول ضباط سابقون إن ثقافة الوحدة 8200 تشبه شركة صاعدة. يعمل الجنود في مجموعات صغيرة، بموارد محدودة، لمواجهة تحديات تكون حرفيًّا في بعض الحالات مسألة حياة أو موت، ويتم تشجيع السلوك الهدّام غير التقليدي وتحدّي السلطة، حتى لو كان هذا يعني تحدّي ضباط كبار. يقول “رامي إفراتي”، وهو ضابط كبير سابق في الوحدة 8200 ورائد أعمال متسلسل أنشأ شركة صاعدة ثالثة اسمها Firmitas Cyber Solutions: “في عالم الاستخبارات، لا يمكنك العمل فقط وفقًا للقواعد، يتعين عليك أن تكون منفتح العقل”. وتابع قائلًا: “نحن نعلّمهم طريقة العمل خارج الصندوق”.

ومن ضمن الاستثمارات الأولى التي أجرتها شركة رأس المالي الاستثماري المعروفة باسمJVP Cyber” Lab ” كانت شركة CyActive)) والتي تحدث أحد مدرائها في حفل تخرج برنامج “ماغشميم” الذي حضرته. إن هذه الشركة متطورة للغاية في مجال الدفاع السيبراني، وهي مزوّدة بـ “برنامج تنبؤي” مصمم للتنبؤ بتهديدات القرصنة التي ليست موجودة بعد. وقد أخبرني “ليران تانسمان”، المؤسس المشترك لشركة CyActie، من داخل مكتب جديد للغاية غير مجهّز بالكامل بالأثاث: “بنفس الطريقة التي يحاول بها علماء الأحياء التنبؤ بالشكل الذي ستكون عليه الأنفلونزا في العام المقبل، نحن نتملك برامج يمكنها التنبؤ بالطريقة التي ستتطور بها التهديدات والبرامج الخبيثة في يومنا الحالي”.

(ردًا على التقرير، قالت شركة Verint إنها تمارس أعمالا تجارية فقط مع دول تمتلك معها إسرائيل علاقات تجارية، وفقًا للقوانين الحكومية، فيما لم تعلّق شركة Nice على الأمر). مرّ التقرير دون ضجة تقريبًا في إسرائيل، التي تتغلب فيها الشواغل الأمنية على المطالبات بحماية الخصوصية.

ووفقا لاستطلاع رأي أجرته جامعة حيفا مؤخرًا، قال أكثر من نصف الأشخاص المستطلعين إنهم لا يمانعون في أن تراقب الدولة نشاطهم على الإنترنت لو كان ذلك يساعد في دعم الأمن القومي، وبحلول عام 2020، عندما تنتقل الوحدة 8200 والوحدات الاستخباراتية والتكنولوجية الأخرى التابعة للجيش الإسرائيلي إلى مدينة بئر السبع، ستكون الروابط الموجودة بالفعل بين الجيش والعالم الأكاديمي والأعمال التجارية، واضحة في تلك المدينة، التي يرغب المسئولون الإسرائيليون في تطويرها كبديل عن “تل أبيب” التي تتميز بأسعارها العقارية المرتفعة للغاية. وقد قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخرًا: إن الأمن السيبراني أصبح “يغيّر وجه صحراء النقب”.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا