«فورين بوليسي»: الحرب الروسية الأوكرانية لن تنتهي في 2023

رنا أسامة

استعرض باحث سياسي، في تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، توقعاته للحرب الروسية الأوكرانية في 2023، فكيف جاءت؟


خلفت الحرب الروسية الأوكرانية، المستمرة منذ نحو عام، دمارًا هائلًا، مع سقوط مئات الآلاف من الضحايا، فضلًا عن تشريد الملايين.

وتأثر العالم كله بتداعيات الحرب، التي طالت القطاعات كافة، من الطاقة إلى الإمدادات الغذائية، حسب ما قال كبير محللي معهد “نيولاينز” للاستراتيجيات والسياسات، يوجين تشوسوفسكي.

لا نهاية وشيكة محتملة

في تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، استبعد تشوسوفسكي انتهاء الحرب قريبًا، في حين لم يبد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، استعدادًا للتراجع عن أهدافه الحربية، ملوحًا في ديسمبر 2022، باحتمالية تحول الصراع إلى “حرب طويلة أمد”.

وتعزز وجهة نظر تشوسوفسكي مخاوف من هجوم روسي جديد، بمشاركة بيلاروسية محتملة، في عام 2023، ربما في يناير الحالي.

3 عوامل حاسمة

من ناحية أخرى، أشار التحليل إلى أن التطورات الأخيرة، بما في ذلك صفقة تبادل سجينين أمريكي وروسي، ومبادرة الحبوب الأوكرانية، تعكس قدرة النهج الدبلوماسي على تحقيق نتائج ملموسة، في حين تكثف أوكرانيا ارتباطاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا، بمكالمات هاتفية وزيارات رفيعة المستوى.

في حين أنه قد يصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الحرب في 2023، لفت التحليل إلى 3 عوامل أساسية، من المرجح أن تحسم مصيرها، أولها نجاح أوكرانيا “المذهل” في ساحة المعركة، وتحديها توقعات كثيرة بسقوط كييف سريعًا في قبضة الروس أو الإطاحة بالرئيس فلاديمير زيلنسكي.

مقاومة أوكرانية شرسة

على النقيض من تلك التوقعات، شنت القوات الأوكرانية هجمات مضادة واسعة النطاق، واستعادت خلالها أراضي كبيرة في مناطق رئيسة مثل خاركيف وخيرسون. وعزا التحليل النجاح الأوكراني إلى جملة أسباب، من استمرار الدعم الغربي إلى الثغرات العملياتية الروسية وتفاني أوكرانيا، حكومة وجيشًا وشعبًا.

ووفق التحليل، أجبرت المقاومة الأوكرانية “الشرسة” موسكو على تغيير استراتيجيتها الأولية بطرائق مختلفة، من بينها إعلان تعبئة عسكرية جزئية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، والانسحاب من الجبهة الشمالية للصراع، مع التركيز بدلًا من ذلك على جنوب وشرق أوكرانيا.

وضع عسكري جيد

الانتكاسات الروسية دفعت موسكو إلى التركيز أكثر على مراكز الطاقة والبنى التحتية المدنية الأوكرانية، باستهدافها بصواريخ وطائرات مسيّرة، في محاولة للإلحاق بأوكرانيا أقصى قدر من الخسائر الاقتصادية في الشتاء، ما ترك ملايين المنازل الأوكرانية في ظلام.

وقال التحليل إن أوكرانيا وضعها جيد عسكريًّا، متوقعًا استعادتها مزيدًا من الأراضي، جنوبًا وشرقًا، في خلال هذا العام، في وقت أثبتت فيه قدرتها على استخدام طائراتها المسيّرة لضرب خطوط إمداد عسكرية روسية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو في 2014.

زيادة متوقعة في الدعم

أشار التحليل إلى أن حجم الأراضي التي ستتمكن أوكرانيا من استعادتها في هذا العام، يعتمد على مدى دعم الغرب لها عسكريًّا وماليًّا، لمساعدتها على حماية بنيتها التحتية الحيوية وإعادة بنائها.

ومع تعهد داعمي أوكرانيا الدوليين بأكثر من مليار دولار كمساعدات طارئة للشتاء، وموافقة الولايات المتحدة الأمريكية على تزويدها بصواريخ “باتريوت”، إلى جانب حزمة مساعدات أمريكية بـ45 مليار دولار، رجح التحليل أن يشهد 2023 زيادة في الدعم.

عامل حاسم

العامل الثاني الحاسم في 2023، حسب التحليل، يتمثل في مستوى الدعم الدولي لروسيا أو على الأقل إشراكها على الساحة الدولية، في حين أظهرت الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو) استعدادها مرارًا لدعم كييف وعزل موسكو، غردت دول أخرى خارج هذا السرب.

ووفق التحليل، رفضت دول مثل الصين والهند وتركيا معاقبة روسيا، وسارعت لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع موسكو منذ بدء الحرب في 24 فبراير 2022، الأمر الذي مكن روسيا من تجاوز ضغط العقوبات الغربية وتجنب الانهيار الاقتصادي، وكذلك تركيز تمويلها على المجهود الحربي.

إعادة نظر محتملة

لا يمكن لموسكو التعويل على هذه الدول، لا سيما أن علاقاتها الاقتصادية والسياسية المستمرة مع الصين والهند، على سبيل المثال، لا تعني دعمهما كاملًا للحرب، التي يسميها بوتين عملية عسكرية خاصة بأوكرانيا، في حين لا يزال هذان البلدان محايدين على نحو مدروس.

وإذا صعدت موسكو النزاع بجدية في العام الحالي، سواء بمواصلة التلويح والتهديد باستخدام أسلحة كيماوية أو نووية، توقع التحليل أن تعيد هذه الدول النظر في مستوى تعاونها الاقتصادي والسياسي مع روسيا.

زيادة الخسائر

مصير الحرب مرهون بالوضع السياسي الداخلي بكلا البلدين، ففي روسيا، أثبت بوتين قدرته على الصمود في وجه معارضيه، بحملات قمع وتشريعات تقييدية. وعلى المنوال ذاته، أظهر زيلينسكي قدرته، ليس فقط على البقاء في السلطة، ولكن أيضًا في الحصول على تفويض قوي.

ولكن إذا لم يتمكن أي من الطرفين من تحقيق نصر عسكري كامل، وهو احتمال استبعده التحليل في هذه المرحلة، فمن المرجح أن تتزايد الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحرب بمرور الوقت، وقد يصبح المسار الدبلوماسي أكثر جاذبية.

لا تسوية ولا نصر

يواصل الكرملين بذل جهوده، على نحو غير لائق، لإطالة أمد الحرب، وهو خط يؤيده أوكرانيون لحين استعادة الأراضي الأوكرانية كاملة من قبضة الروس، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، وأجزاء دونباس التي فقدوها مجددًا في عام 2014، في حين تدخل الحرب عامًا جديدًا بتقلبات وانعطافات مفاجئة محتملة.

وفي نهاية المطاف، دعا التحليل إلى ضرورة إنهاء الحروب كافة، إما بنصر عسكري حاسم وإما بحل دبلوماسي. ولكن استمرار نهج بوتين، ومواصلة المقاومة الشعبية والحكومية الأوكرانية، يعني أن 2023 قد لا يشهد تسوية دبلوماسية ولا نصرًا في الحرب.

ربما يعجبك أيضا