فورين بوليسي: الملاريا ربما تكون أكبر قاتل لعام 2020

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

بعد ستة أشهر من تفشي فيروس كورونا، نجا الأطفال إلى حد كبير من أسوأ آثاره. لكن هناك وباء آخر قد يتسبب في موت مئات الآلاف من الأطفال هذا العام.. إنه ليس فيروس كورونا، إنه الملاريا.

فمن جانبها، حذرت منظمة الصحة العالمية في أبريل الماضي من أن إيقاف أعمال الوقاية من الملاريا وعلاجها بسبب فيروس كورونا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوفيات بسبب الملاريا إلى ضعفين هذا العام. والزيادة وحدها– والتي تقدر في أسوأ الحالات بـ 369 ألف– ستعادل تقريبًا العدد الحالي للوفيات المؤكدة بسبب كورونا. مع اقتراب موسم ذروة الملاريا سريعًا في الدول الرئيسية الموبوءة بالملاريا، تنغلق نافذة الوقت التي يمكن بها تفادي الكوارث بسرعة.

إن تفشي الإيبولا يوفر سابقة مثيرة للقلق. فقد تسبب تفشي الوباء في غرب أفريقيا عام 2014 في تدمير النظم الصحية، مما لم يؤثر فقط على من يعانون من الإيبولا، ولكنه أثّر أيضًا على أولئك الذين يعانون من أمراض مثل الملاريا والإيدز والسل. كانت حصيلة الوفيات من أمراض أخرى أكبر من حصيلة الإيبولا نفسها. ولكن في أحدث تفشي لفيروس إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2018، شهدت المقاطعة الأكثر تضررًا زيادة في الإصابة بالملاريا بنسبة ثمانية أضعاف.

ستؤدي استراتيجية التصدي لفيروس كورونا والتي تتجاهل التصدي للملاريا في الدول الموبوءة إلى الإضرار بحالة التصدي لكلا الوباءين. إذ يمكن أن تؤدي الزيادة في الوفيات الناجمة عن الملاريا إلى أحد أكثر العواقب المميتة لهذا الوباء، بين الأطفال الصغار، الذين يمثلون الجزء الأكبر من ضحايا الملاريا، وخاصة المصابين بشدة. كما أن زيادة الملاريا ستضر بالجهود المبذولة للتصدي لفيروس كورونا، مما يضع ضغطًا هائلاً على الأنظمة الصحية خاصة عندما تكون أقل قدرة على تحملها. ولأن الحمى من ضمن أعراض كل من فيروس كورونا والملاريا، فإن دمج استجابة الملاريا مهم لتحديد حالات فيروس كورونا بشكل صحيح.

حققت الجهود العالمية للقضاء على الملاريا تقدمًا هائلاً في العِقدين الماضيين. على الرغم من أن المرض لا يزال يتسبب في وفاة 400 ألف شخص سنويًّا، فإن أكثر من ضعف عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب الملاريا في عام 2000 قد ماتوا في عام 2018. وقبل ظهور جائحة كورونا، رأى الخبراء أن عام 2020 هو عام حاسم في الحفاظ على التقدم ضد الملاريا، خاصة وأن تباطؤ انخفاض الإصابة والوفاة به في السنوات الأخيرة، بيد أن جائحة كورونا أثارت الآن مخاوف من عودة ارتفاع أعداد الوفيات بسببه بشكل غير مسبوق.

وستضرب عاصفة الملاريا أفريقيا بشدة؛ إذ دمرت الملاريا ذات واحدة الجنوب الأمريكي إلى حد أن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها كان مقرها الرئيسي في أتلانتا للتركيز على القضاء على المرض، الذي يقتصر الآن إلى حد كبير على المناطق الاستوائية. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 90% من حالات الإصابة بالملاريا والوفيات به تحدث في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويمثل الأطفال دون سن الخامسة ثلثي حالات الوفاة بسبب الملاريا، وتشكل النساء الحوامل فئة ديموغرافية أخرى معرضة للخطر بشكل خاص.
ولأن المياه الراكدة تتيح تكاثر البعوض، فإن معظم حالات انتقال الملاريا يحدث خلال موسم الأمطار. وتقع العديد من الدول الأكثر تضررًا من الملاريا في غرب أفريقيا، حيث تستمر الأمطار من شهر مايو إلى شهر سبتمبر.

وتمثل الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية الشكل الأكثر انتشارًا للوقاية من الملاريا. ففي كل ثلاث سنوات، تقوم الدول الموبوءة بالملاريا بحملات جماهيرية واسعة النطاق لتوزيع الناموسيات على السكان، وكانت الحملات مستحقة في عام 2020 في العديد من الدول. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 27 دولة أفريقية جنوب الصحراء الكبرى تمثل 85% من حالات الملاريا والوفيات في المنطقة لديها حملات توزيع ناموسيات مخطط لها لعام 2020.

وبسبب عمليات الإغلاق والموارد الحكومية المنهكة، أصبح توزيع الناموسيات مهمة شديدة الصعوبة. وفي حين تمكنت دول مثل بنين وسيراليون من المضي قدمًا في حملات توزيع الناموسيات، إلا أن دولًا أخرى مثل نيجيريا وغانا لم تفعل ذلك بعد. ومع ذلك لا يزال الخبراء متفائلين بحذر من أن جميع حملات توزيع الناموسيات ستستمر تقريبًا، ولكن النافذة الزمنية قبل بدء موسم ذروة الملاريا تغلق بسرعة، كما تم إيقاف التدابير الوقائية الإضافية، بما في ذلك حملات الوقاية الكيميائية الموسمية ورش الأماكن المغلقة.

ويطرح الوباء عددًا من التحديات الأخرى، إذ سيعاني العاملون في مجال الصحة والمرضى على حد سواء في البداية لمعرفة ما إذا كانت الحمى بسبب كورونا أم الملاريا. وعندما ظهر فيروس كورونا في شمال دارفور، كان العديد ممن يعانون من المرض يرفضون التهديد، معتقدين أنهم مصابون بالملاريا. كما يمكن أن يُعتقد خطأً أن المريض مصاب بفيروس كورونا ولكنه يكون مصابًا بالملاريا. ففي أي وقت يصل فيه شخص مصاب بالملاريا إلى مركز صحي مصاب بالحمى، قد يخشى العاملون في مجال الصحة أن يكون المريض مصابًا بالكورونا.

‏ويجد العاملون في مجال الصحة أيضًا صعوبة في تمييز فيروس كورونا والملاريا من دون إمدادات كافية من معدات الحماية الشخصية ومعدات التشخيص. وفي حين أن الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية حدَّت في البداية من الوصول إلى هذه السلع والأدوية المضادة للملاريا، فإن منبع الملاريا الرئيسي– المتمثل في الهند والصين– خففا عمليات الإغلاق، وعاد الوضع في الغالب إلى طبيعته. ويقوم الشركاء الدوليون بتنسيق الشحنات بعناية لضمان احتفاظ الدول الأفريقية بمخزون السلع الرئيسية. لكن الموجات الثانية من تفشي فيروس كورونا يمكن أن تعرقل سلاسل التوريد مرة أخرى.

ومن جهته، أثنى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على فاعلية دواء "هيدروكسي كلوروكوين" ضد فيروس كورونا، وأخذ الدواء بنفسه على الرغم من الأدلة المحدودة على فوائده وآثاره الجانبية الضارة المحتملة – والتي أدت بدورها إلى ارتفاع كبير في الوصفات الطبية ومبيعات الدواء الخطير. وهكذا تتعرض سلاسل التوريد لخطر أكبر عندما يستكشف العلماء إمكانية استخدام أدوية الملاريا لعلاج فيروس كورونا. لم يتم تغطية أي أخبار عن الملاريا في الأشهر الأخيرة أكثر من أخبار الأدوية المضادة للملاريا كلوروكين وهيدروكسي كلوروكوين. ورغم أن الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكوين تم استخدامها سابقًا على نطاق واسع لعلاج الملاريا، إلا أن سلالة الملاريا الأكثر شيوعًا في أفريقيا أصبحت الآن مقاومة إلى حد كبير للأدوية. ومع ذلك، لا يزال الكلوروكين يستخدم في أمريكا اللاتينية، ويتم استخدام أحد المكونات الرئيسية في الدواء في بعض مضادات الملاريا المستخدمة على نطاق واسع في أفريقيا.

وبدوره صرح "جورج جاجوي"، رئيس قسم الوصول وإدارة المنتجات في شراكة أدوية مكافحة الملاريا، قائلاً: "تسمعون كثيرًا عن استخدام الكلوروكين لعلاج الكورونا، وقد أدى ذلك إلى انخفاض المواد الأولية التي يمكن استخدامها لمضادات الملاريا". وأدت نتائج التجارب غير المقنعة على فاعلية الكلوروكين وهيدروكسي كلوروكين ضد فيروس كورونا إلى انخفاض الطلب في النهاية على تلك الأدوية. ومع ذلك، يمكن أن تواجه أدوية الملاريا الأخرى منافسة مماثلة إذا ظهرت علاجات أو تشخيصات جديدة لفيروس كورونا حيث يرى المنتجون أنها أكثر ربحية.

وحتى إذا احتفظت الدول الأفريقية بإمدادات كافية من مضادات الملاريا واختبارات التشخيص، فقد ترتفع وفيات الملاريا بشكل كبير إذا لم يتمكن الأشخاص الذين يعانون من الملاريا من الحصول على تلك الأودية في المرافق الصحية. كذلك فقد تضر تطورات قليلة بالوصول إلى علاج الملاريا أكثر من تفشي فيروس كورونا الرئيسي؛ ما سيؤدي إلى استنفاد إمدادات العاملين الصحيين ويجعل السفر إلى المراكز الصحية صعبًا وخطيرًا.

وقد استجابت الحكومات الأفريقية سريعًا لوباء كورونا، وتجنبت حتى الآن – إلى حد كبير – تفشي المرض بتلك الصورة الموجودة في أوروبا والولايات المتحدة. ولكن تم الإبلاغ عن حالات تفشي كبيرة في تنزانيا وشمال نيجيريا، وتشير المؤشرات المبكرة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الملاريا يسكنون في أماكن بعيدة عن المرافق الصحية.

ففي غانا، انخفض الحضور في مراكز خدمات صحة الأم والطفل بنسبة 50% على الصعيد الوطني، وفقًا لـ "فريد بينكا"، أستاذ علم الأوبئة السريرية في جامعة الصحة والعلوم المرتبطة بها في غانا. كما أفاد العاملون في مجال الصحة في نيجيريا وبنين بانخفاض عدد الأشخاص المترددين على المرافق الصحية. ولا يشير تراجع نسبة الحضور هذه إلى انخفاض عدوى الملاريا، بل إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين يعالجون من المرض.

ولأن الأطفال والنساء الحوامل هم أكثر الفئات المعرضة للخطر، فقد يؤدي انخفاض حضورهم إلى زيادة الوفيات؛ لأن مَن يعانون من الملاريا لا يتلقون العلاج في الوقت المناسب. ونظرًا لصعوبة تتبع هذه الوفيات، فلن يُعرف التأثير الكامل لفيروس كورونا على مرضى الملاريا إلا بعد موسم الملاريا، إن كان ذلك ممكنًا. ومع ذلك، لا يزال هناك وقت كافٍ لمنع أسوأ السيناريوهات.

وقد اتخذت الحكومات والشركاء الدوليون بالفعل عددًا من الخطوات الإيجابية. حيث قدمت منظمة الصحة العالمية توجيهات حول كيفية ضبط برمجة الملاريا ليضع في الحسبان فيروس كورونا. كما قدم الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا تمويلاً إضافيًا وسمح بإعادة البرمجة. ما أدى إلى استقرار سلاسل التوريد تدريجيًّا. والأهم من ذلك، أن الدول الأفريقية منعت تفشي فيروس كورونا بنسبة كبيرة، وحافظت– إلى حد كبير– على أنظمة صحية عاملة.

وفي حين أن الحكومات الأفريقية تستحق الثناء على استجابتها السريعة للوباء، فمن الأهمية بمكان ضمان استمرار وضع الملاريا على رأس الأولويات. ونظرًا للطبيعة الموسمية للملاريا والتعقيدات التي تنتج عنها والتي تؤثر على التصدي لفيروس كورونا، فإنها تستحق اهتمامًا خاصًا من الدول التي يقترب موسم ذروة الملاريا فيها. ورغم أن الحكومات ستحتاج إلى تكييف بعض الممارسات القائمة، إلا أنها يمكن أن تتعلم من كيفية تصدي الحكومات الأخرى للتحديات التي أحدثها الوباء. إن استخدام بنين لأسلوب تسليم الناموسيات إلى المنازل بدلًا من نقاط التجمع المركزية مثالًا مهمًّا. ولكن إذا تأخر التسليم، فقد يكون الضرر أسوأ من الآثار المباشرة لفيروس كورونا نفسه.

وسيتعين على الحكومات أيضًا أن تضمن أن من يعانون من الملاريا يلتمسون العلاج ويسعون وراءه. من الواضح أن وحشية الشرطة التي استخدمتها بعض الدول الأفريقية في فرض عمليات الإغلاق والحجر الصحي تؤدي إلى نتائج عكسية، ما يمنع انتقال من ينبغي عليهم الذهاب إلى المراكز الصحية. وعلى نطاق أوسع، وبعد أشهر من تشجيع الناس على البقاء في منازلهم، يتعين على الحكومات الآن التأكد من أن يفهم السكان أنه يجب عليهم طلب العلاج بسرعة إذا أصيبوا بأعراض الملاريا. ويجب على الحكومات توصيل هذه الرسائل على نطاق واسع وتقديم نسخ باللغات المحلية. وأخيرًا، يجب أن تظل المراكز الصحية ومراكز مراقبة الملاريا فعالة على المستوى المحلي.

ويجب على الحكومات في الدول الموبوءة بالملاريا أن ترقى إلى مستوى التحدي، ولكن يتم التعامل مع الوباء بشكل سيئ للغاية؛ إذ يجب على النيجر السيطرة على الملاريا، ومكافحة الوباء، وتوفير جميع الخدمات الأخرى التي يحتاجها أي نظام صحي بمبلغ 29 دولارًا للفرد في السنة. فمن بين الدول العشرين التي تمثل 85% من وفيات الملاريا في العالم، تنفق 13 دولة أموالًا لخدمة الديون أكثر مما تنفقه على أنظمة الرعاية الصحية. وسيضمن تخفيف الديون أن الميزانيات الضئيلة يمكن أن تركز على توفير الرعاية الصحية المنقذة للحياة، لكن الدائنين من القطاع الخاص رفضوا التفكير في تعليق ديونهم. كذلك سيكون للسياسات التي تعرقل الوصول إلى الإمدادات الحيوية– مثل القيود المفروضة على أموال المساعدات الأمريكية المستخدمة لشراء معدات الحماية الشخصية– عواقب مميتة أيضًا.

على المدى الطويل، يجب على الدول المانحة التأكد من أن زيادة التمويل للتصدي لفيروس كورونا لا يقطع التمويل المستقبلي للملاريا. وحتى قبل حدوث الوباء، حذرت مجلة "لانسيت" من الحاجة إلى ملياري دولار إضافية سنويًّا للقضاء على الملاريا بحلول عام 2050.

وبينما يظل القضاء على الملاريا قابلًا للتحقيق في العقود القادمة، فإن الكثير من ذلك يعتمد على ما إذا كان هذا العام يمثل في النهاية نتوءًا في الطريق أم منعطفًا. وسيكون الشهر المقبل حاسمًا حيث تحاول الحكومات والمجتمع المدني والشركاء الدوليون تنفيذ عملية توازن دقيقة للسيطرة على كلٍّ من فيروس كورونا والملاريا. ولكن إذا فشلوا، فسيحزن مئات الآلاف من الآباء على فقدانهم لأحد أطفالهم هذا العام؛ إذ سيموت العديد من هؤلاء الأطفال في المنزل، ولن يتم تسجيل وفياتهم، غير أن الخسارة ستكون محسوسة بنفس القدر.

 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا