فورين بوليسي| بعد مناوشات الهند والصين.. هل تكون الحدود مع باكستان مسرحًا للمواجهة المقبلة؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

تراجعت حدّة المناوشات الحدودية الأسوأ من نوعها منذ عقود بين الهند والصين في جبال الهيمالايا في الوقت الراهن، لكن احتمال اندلاع أزمة ما يزال يخيّم على منطقة جنوب آسيا المسلحة نوويًّا. ففي الأسبوع الماضي، أعلنت الهند أنها ستخفّض مستوى علاقاتها رسميًّا مع خصمتها وجارتها الأخرى "باكستان"، عبر تقليل عدد موظفيها في مفوضيتها العليا هناك بنسبة 50 بالمائة. يذكر أن آخر مرة طلبت فيها الهند إجراء تخفيض مماثل لعدد موظفي سفارتها كان في 2001، عقب هجوم على البرلمان الهندي. تضررت العلاقات الثنائية بين البلدين منذ إلغاء نيودلهي بصورة أحادية الوضع المميز لإقليم جامو وكشمير المتنازع عليه في الخامس من أغسطس 2019، وتكثيفها لقمعها الشديد في الإقليم.

إذًا ما علاقة الخلاف الهندي مع الصين بعلاقة باكستان مع الهند؟ باختصار، هناك خمسة أسباب تجعل النزاع الذي حدث هذا الشهر في الهيملايا يزيد من إمكانية اندلاع أزمة جديدة بين الهند وباكستان.

أولًا: ردّ الهند الضعيف على الصين في أعقاب مناوشات وادي "غالوان" أثار تساؤلات لوجستية مهمة وأضر بسمعة نيودلهي التي جرى الترويج كثيرًا لدورها باعتبارها ثقلًا موازنًا للصين في منطقة المحيط الهندي – الهادئ. وبالرغم من أن الهند تبنّت سياسة عدم الانحياز في جزء كبيرة من فترة الحرب الباردة، غير أن احتمالية قيامها بدور القوة الإقليمية الدبلوماسية والعسكرية ضد الصين الصاعدة اكتسب أهمية جديدة عقب سعي الرئيس جورج بوش الابن لإدراجها كشريك استراتيجي، وموافقته على بيع التقنية النووية الأمريكية لها. مؤخرًا، أعلنت نيودلهي وواشنطن توسيع شراكتهما الدفاعية، وشمل هذا صفقة سلاح قيمتها 3 مليارات دولار.

غير أن المواجهات العدائية مع الصين في عام 2017 وفي الوقت الحالي، أكّدت لصنّاع السياسات الهنود الحاجة للانسجام مع بكين على الأقل من أجل الحفاظ على التعايش المشترك بين البلدين. لقد كانت القمم غير الرسمية بين هذين البلدين، مثل قمتي 2018 و2019، مدفوعة بهذه الضرورة الاستراتيجية. في أعقاب هذه الأزمة الأخيرة، أوضحت المحادثات التي جرت على مستوى قادة الفرق والمفاوضات الدبلوماسية بين بكين ونيودلهي، أن الهند ربما تفضل الانخراط المحدود مع الصين على الدخول في منافسة جيوسياسية غامضة ترافقها شراكة كاملة مع الولايات المتحدة. في غضون هذا، فإن شعور الهند بضغط سياسي لإظهار قدراتها العسكرية – لا سيما في ظل تحوّل موازين القوى التقليدية لصالح الصين – ربما يجبر الهند للبحث عن مكان آخر لدحض الآراء التي تشير لعجزها الاستراتيجي. لو كانت القدرات العسكرية هي التي تقود الخيارات السياسية، فإن المسرح مع باكستان سيكون فرصة مناسبة للهند لإثبات أنها ليست أضعف عسكريًّا من الصين.

ثانيًا: منذ وصوله للسلطة عام 2014، أظهر رئيس الوزراء الهندي "نيرندرا مودي" استعداده وقدرته على تحقيق وعوده القومية في الداخل، لا سيما بعد أن اصطدمت وعود حكومته الاقتصادية بعوائق. بالرغم من هبوط نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند لأدنى مستوياته في السنوات الـ11 الماضية، إلا أن حزب "بهاراتيا جاناتا" التابع لـ "نيراندرا مودي" سعى لتعزيز قاعدته السياسية عبر مضاعفة تعهّداته القومية، بداية من إلغاء الوضع المميز لإقليم جامو وكشمير (المتنازع عليه بين الهند وباكستان منذ عام 1947) وصولًا لبناء معبد هندي للإله "رام" على موقع مقدس متنازع عليه حيث كان مسجد "بابري" قائمًا يومًا ما.

وتشير أبحاث إلى أن القادة الذين يسعون لصرف الأنظار عادة ما يستهدفون أعداءً تقليديين ومنافسين دائمين (لأن الصراع مع هؤلاء الخصوم الدائمين من المرجح أن يعزز التضامن داخل الجماعة الواحدة)، كما أن الصراعات الهادفة لصرف الأنظار من المرجح بصفة خاصة أن تتخذ شكل نزاعات على الأرض. منذ اتخاذهم الإجراءات المثيرة للجدل في كشمير العام الماضي، صعّد السياسيون في الهند من التوتر مع باكستان عبر إعلانهم نيتهم "تأمين" المناطق الخاضعة لإدارة باكستان في "آزاد كشمير" و"جيلجيت بالتيستان". وفي مطلع هذا العام، قال رئيس الأركان الهندي الجديد إن الجيش الهندي "جاهز لفرض السيطرة" على الجزء الخاضع لباكستان في كشمير، في حال أمرته الحكومة الهندية للقيام بهذا. وفي الشهر ذاته، صرّح رئيس الوزراء الهندي "مودي" بأن الهند بحاجة لما بين سبعة وعشرة أيام لهزيمة باكستان في حرب. ومنذ أسبوعين، شدّد وزير دفاع الهند على أن الاستيلاء على كشمير الباكستانية أصبح الآن "هدفًا مُعلنًا للبرلمان الهندي".

في الأحوال العادية، قد تُعدّ هذه التصريحات مجرد كلام رخيص، لكن، في هذه الحالة، فإن سجل حزب "باهراتيا جاناتا" في تنفيذ وعوده، يدفعنا لأن نأخذ هذه التهديدات بجديّة. من الناحية العملياتية، بدأ الجيش الهندي إنشاء مرابض لسلاح المدفعية داخل قرى كشميرية من أجل توجيه ضربات مدفعية طويلة المدى داخل الجزء الخاضع لباكستان في كشمير. وفي شهر مايو الماضي، بعد أشهر من المداولات، بدأت هيئة الأرصاد الجوية الهندية في نشر تقارير أحوال الطقس في المناطق الخاضعة لباكستان في كشمير ضمن نشرات أخبار الطقس الخاصة بالهند، ما يُعدّ تطورًا غير مسبوق.

ثالثًا، بينما يظل الوضع هادئًا على جبهة الحدود الهندية – الصينية، إلا أن ذكريات المعركة الجوية القصيرة والعنيفة بين الهند وباكستان في شهر فبراير الماضي لا تزال ماثلة في إسلام آباد ونيودلهي. وبينما تمكنت باكستان من إسقاط طائرة "ميغ-21" هندية قديمة من العهد السوفيتي، وأسر طيّار هندي وإرجاعه لبلاده بعد معركة جوية، زعمت الهند أنها أسقطت طائرة باكستانية من طراز "إف16". وتصاعدت المعركة الجوية فوق كشمير بسرعة وتحوّلت إلى معركة روايات: رفضت باكستان مزاعم الهند وأكّدت أنها لم تخسر أي طائرات مقاتلة.

في الأيام التي أعقبت المعركة الجوية، نشرت صحيفة نيويورك تايمز قصة بشأن تداعيات خسارة الهند لطائرة بنيران دولة باكستان التي يبلغ حجم جيشها نصف حجم الجيش الهندي، والتي يتلقى جيشها ربع التمويل الذي يتلقاه الجيش الهندي. دعا حزب "شيف سينا" اليميني منذ ذلك الوقت لتوجيه ما سماه "ضربات دقيقة" ضد باكستان لتعزيز قبضة حزب "بهاراتيا جاناتا" على كشمير. علاوة على هذا، عندما نشرت صحيفة هندية خبرًا مفاده أن الهند قتلت "ما بين300 إلى 400 إرهابي" في ضربات جوية على منطقة "بالاكوت" في فبراير الماضي، ردّت باكستان بأن الأهداف لم تكن سوى "أشجار وحجارة". منذ العام الماضي، وجّهت المعارضة الهندية في مناسبات عديدة انتقادات لـ "مودي" بسبب ما حدث في "بالاكوت". وفي غضون هذا، شككت شركات استطلاع رأي في الروايات التي تقول إن الضربات الجوية الهندية في "بالاكوت" ساعدت حزب "باهارتيا جاناتا" في تحقيق نصر انتخابي عام 2019. إن معضلة "مودي" تكمن في أن المهمة غير المُكتملة في نزاع "بالاكوت" يجب أن تكون نهايتها حاسمة وأقل غموضًا، وفي حال لم يحدث هذا، فسيخاطر حزب "باهراتيا جناتا" بأن يُنظر إليه محليًّا بأنه تراجع بشكل مبكّر أمام عدو أضعف من الهند.

هذا يقودنا للنقطة الرابعة والحاسمة: الأزمات الإقليمية المتتالية في عهد حكومة "بهاراتيا جاناتا" زادت من الجهود المحلية التي يبذلها قادة الهند من أجل ألا يُنظر إليهم على أنهم يتراجعون أمام خصوم خارجيين. في النزاع الحدودي مع الصين، حفّزت الخسائر التي تكبّدها الجيش الهندي السياسيين الهنود المعارضين، الذين سارعوا لإدانة نقص جهوزية حزب باهارتيا جاناتا وفي بعض الحالات استسلامه الكامل أمام الصين. إن الصراع مع باكستان ربما يكون علاجًا مُهدئًا ضروريًّا لوسائل الإعلام الهندية المُحبطة والخاضعة بشكل كبير لهيمنة الحزب الحاكم: وفقًا لتحليل جرى عقب هجوم على قافلة عسكرية في كشمير في فبراير الماضي، حظي "مودي" بتغطية إعلامية شبه تامة بالرغم من الحملات الإعلامية الحماسية للمعارضة الهندية في الوقت ذاته. إن إبراز التهديد الذي تمثله جماعة خارجية يمكن أن يساعد حزب "باهراتيا جاناتا" لإعادة تنشيط قاعدته الوطنية والمؤيدة والتغطية على الانقسامات داخل تحالفه.

هناك عامل أخير يشرح لماذا قد ينتقل النزاع بين الهند والصين إلى الحدود مع باكستان، وهذا العامل هو الرئيس الحالي في البيت الأبيض "دونالد ترامب". لقد ضغط مؤيدو إقامة علاقات هندية – أمريكية قوية لرسم صورة إيجابية للعلاقات الثنائية بين البلدين، مدعومة إلى حد كبير بمشاهد رمزية. مع هذا، وفيما يخص الجبهة الاقتصادية قبل اندلاع أزمة فيروس كوفيد19، كان الاقتصاد الهندي والعلاقات الاقتصادية الهندية – الأمريكية تسير في اتجاه نزولي. عرض ترامب في ثلاث مرات على الأقل التوسّط في الصراع الهندي – الباكستاني على كشمير، وهو أهم مسئول أمريكي يفعل هذا منذ عهد الرئيس بيل كلينتون عقب خوض الطرفين حينئذ لحرب قصيرة على جبال "كارغيل". تشعر نيودلهي تاريخيًّا بحساسية تجاه وساطة طرف ثالث، مُشيرة إلى "اتفاق سيملا" لعام 1972 والذي ينص على أن يحل الطرفان ثنائيًّا النزاعات الكبيرة فيما بينهما. والمفارقة أن "اتفاق سيملا" ذاته نصّ أيضًا على أنه من غير المسموح أن يغيّر أحد الطرفين بصورة منفردة الوضع في جامو وكشمير، وهو الموقف الذي خالفته الهند نفسها عبر إلغائها وضع كشمير الخاص في أغسطس الماضي. في غضون هذا، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان في السنوات الأخيرة حالة استقرار، ويُعزى هذا جزئيًّا إلى مساعدة باكستان للولايات المتحدة في التوصل لهدنة مع حركة طالبان في أفغانستان. بالتالي فإن غياب الدعم الأمريكي لموقف الهند تجاه باكستان، يجعل الهند أقل وليس أكثر أمنًا، وربما هذا يُقنع الهند بأن تعتمد على قوتها الذاتية لكي تحدد بوضوح مصالحها السياسية والإقليمية في المستقبل المنظور.

وبالرغم من أن اندلاع أزمة بين الهند وباكستان في وقت قريب عقب مواجهة الهند مع الصين، ليست بأي حال من الأحوال أمرًا محسومًا، بيد أن الاتجاهات الراهنة تشير إلى أن هذا قد يحدث. في الماضي، اتبع القادة المأزومون استراتيجيات خطيرة متمثلة في إطلاق صراع آخر بهدف التغطية على إخفاقاتهم في مغامرات سابقة. ونظرًا لأن البيئة المحلية والإقليمية باتت ناضجة وملائمة، ربما تقع أزمة جنوب آسيا المقبلة في وقت أقرب مما نظن.        

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا