فورين بوليسي | حيل حزب الله القديمة لن تنجح في لبنان

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد
كانت التوقعات مرتفعة بالنسبة لخطاب زعيم حزب الله حسن نصر الله يوم 1 نوفمبر والذي جاء بعد أسبوع عاصف في لبنان، شمل عنفًا منتشرًا في شوارع بيروت واستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري بعد أسبوعين من الاحتجاجات التي عمّت البلاد، غير أن زعيم الجماعة المسلحة لم يكن لديه ما يقوله. ومثلما فعل في خطابه السابق يوم 25 أكتوبر؛ شدد نصر الله على البراجماتية ووجه انتقادات عقيمة لرجال السياسة في لبنان في الوقت الذي كرروا دعواتهم لتسريع عملية تشكيل الحكومة عقب رحيل الحريري .

وقال نصر الله "نحن ندعو لحوار بين الأحزاب السياسية وأعضاء البرلمان وقادة الاحتجاجات الشرفاء. يجب علينا جميعًا أن نتجاوز الجروح التي سبّبتها الأيام الماضية".

وبالنسبة إلى زعيم حزب صنّف نفسه بأنه قائد المقاومة الشعبية اللبنانية لعقود، ربما يبدو دعم نصر الله للمؤسسة الفاسدة غريبًا، بيد أنه حتى الآن لم تترك الجماعة لنفسها بدائل بخلاف دعم النظام الحالي والمراهنة على قوة شعارها، وقدرتها على نبذ العنف والتهديدات للحفاظ على مؤيديها، في صراع للتكيف مع التغييرات المفاجئة في النظام السياسي من حولها وعلى أرض الواقع.

ومن شبه المؤكد أن حزب الله سيستطيع تجاوز العاصفة المتزايدة وسيحتفظ بموقفه القوي في السياسة اللبنانية، لكن استقالة الحريري، إلى جانب الغموض الاجتماعي والسياسي الناتج عن الاحتجاجات، ترك الجماعة تبدو غير ثابتة.

ومن خلال عقد الصفقات والنجاح في صناديق الاقتراع، والاستخدام المحسوب للقوة على مدار العقد ونصف الماضين؛ لعب حزب الله دورًا رئيسيًّا في تشكيل واقع سياسي في لبنان، والذي سمح للجماعة بحفظ الاستقرار وتوسيع ترسانة صواريخها، واستخدام الدولة كقاعدة مضمونة تشن من خلالها حملة في سوريا باسم الرئيس بشار الأسد وإيران. وعلى الرغم من أن حزب الله لم يهيمن أبدًا على الدولة بصورة كلية، غير أنه اندمج معها وأصبح يرى الخصوم السابقين، مثل الحريري، ضامنين أساسيين للنظام الذي ساعدت الجماعة في تأسيسه.

لكن الآن بما أن الحريري قفز من المركب وحليف حزب الله الرئيس ميشيل عون يدعو إلى حكومة تكنوقراط؛ يبدو حزب الله مدركًا تمامًا للمخاطر المحتملة لإطار عمله التشغيلي؛ قبيل إعلان الحريري في 29 أكتوبر، ورد أن مستشارًا من حزب الله ضغط على رئيس الوزراء ليعيد التفكير في خياره، مخبرًا إياه أن الاحتجاجات اقتربت من نهايتها.

وقال عضو البرلمان السابق مصطفى علوش عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل: "ما يريده [حزب الله] هو وضع مشابه لما كان من قبل؛ نفس الائتلاف، ربما بأسماء مختلفة. يعلم الجميع أن إعادة التفاوض على نفس الشروط التي كانت موجودة في السنوات الثلاث الماضية لن تنجح مع الناس المتواجدين في الشارع".

وقد ذكر أعضاء تيار المستقبل أنه ينبغي إعادة ترشيح الحريري ليشكّل حكومة جديدة، لكن مها يحيى مديرة مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت قالت إن هذه النتيجة مستبعدة. في حالة حكومة التكنوقراط المهم لحزب الله هو إيجاد طرق للحفاظ على نفوذه في الحكومة، حتى لو لعب بقواعد ما قبل الثورة للنظام اللبناني.

وأضافت مها: "سوف يتكيفون لدرجة معينة. سوف يستخدمون خطة اللعب القديمة، لكن ما سيهتمون به هو ما إذا كانت مصالحهم محمية، أيًّا كان من يتولى الحكومة. هنا يقع خطهم الأحمر". ورفض المكتب الإعلامي لحزب الله وأعضاؤه التعقيب على ذلك. لكن إذا كان الماضي يعطي أية إشارة سوف يفعل الحزب أي شيء في وسعه بصفته أقوى آلة سياسية في لبنان لكي يضغط على من يتولى مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، حتى لو كانت تكنوقراط، لكي يسمي مرشحين ممن سيحافظون على وضع الحزب.

في الوقت نفسه للتعامل مع المحتجين في الشارع، أعرب نصر الله ومسئولون آخرون من الحزب وحلفاؤهم من حركة أمل ذات الأغلبية الشيعية عن دعم محدود وحذر لجهودهم.

في الواقع لقد حاولوا تصوير الاحتجاجات كهدية لحزب الله وحلفائه. وقال مسئول كبير في حركة أمل والذي تحدث بشرط إخفاء هويته: "هذه المطالب فرصة ذهبية للشيعة". وفي رد على الهتافات ضد الحزب في الشوارع، أضاف المسئول: "عندما تمارس لعبة السياسة تتوقع أن يكون لك في بعض الأحيان معارضة. أحيانًا تتخذ قرارًا غير شعبي، لكن يدرك الناس فيما بعد أنه قرار صائب".

مع هذا يبقى أن نرى ما إذا كان الناس سيقدرّون في النهاية العنف الذي وزعه متشددو الحزب على بعض المحتجين. وقد تحدث الكثير من شيعة لبنان، الذين حركهم الوعي الوطني غير الطائفي الجديد الذي اجتاح البلاد ضد حزب الله وحركة أمل بعدة طرق غير مسبوقة، وردًا على ذلك، اعتدى مؤيدو أمل على المحتجين في مدينة صور الجنوبية في 19 أكتوبر، ووقعت حوادث مشابهة في النبطية، معقل حزب الله في الأسبوع التالي. وقال محمد، أحد سكان صور والذي شارك في الاحتجاجات وأعطى اسمه الأول فقط لأسباب أمنية: إن الموالين للحزب كانوا يهددون المحتجين بالعقاب أو السجن بسبب التخلي عنهم.

وبعد أيام من هدوء الاحتجاجات في صور، بدا أن تلك التهديدات لم تكن فارغة؛ حيث اتُهمت السلطات في جنوب لبنان، التي يهيمن عليها حزب الله وحركة أمل، بالانحياز عندما اتهمت 12 شخصًا من صور بجرائم متعلقة بالمظاهرات – وصلت أحكامها إلى السجن سبع سنوات – لكنها لم تلقِ القبض على أي من مؤيدي الحزبين ممن ارتكبوا أعمال عنف ضد المحتجين. وظهرت حوادث إكراه أخرى، من ضمنها عدد من الفيديوهات لأشخاص يقدّمون اعتذارات بالإجبار عن سب نصر الله والمتحدث باسم البرلمان نبيه بري، رئيس حركة أمل، أثناء الاحتجاجات.

وقال الصحفي علي الأمين "تبدأ حركة أمل ونصر الله في الشعور بالخطر، ولا يمكنهم مواجهة الخطر إلا من خلال العنف". وتعرّض الأمين لهجوم من مؤيدين لحزب الله بعد أن ترشح لمقعد برلماني ضد الجماعة في جنوب لبنان العام الماضي، "هذا سيهز الثقة فيه؛ ما يؤدي إلى مزيد من الخصوم".

وفي الأيام القليلة الماضية، حاول حزب الله تصحيح المسار وكان من ضمن محاولاته تذكير الشعب اللبناني بأن الجماعة قوة مقاومة أولًا وحزب سياسي ثانيًا، فيما أعلن الحزب أنه أطلق النار على طائرة مسيرة إسرائيلية عبرت المجال الجوي اللبناني يوم 31 أكتوبر، واختتم نصر الله خطابه بعدها بيوم بالتفاخر بتلك الواقعة. ووفقًا لنيكولاس بلانفورد، من المجلس الأطلسي، مر حزب الله بوقت عصيب في الحفاظ على رواية المقاومة وسط صراع مستمر في سوريا وتورطه في نزاعات سياسية لبنانية.

غير أن فكرة المقاومة ما زالت تسيطر على قطاعات كبيرة من المجتمع الشيعي.

وقال المتظاهر عباس حيدر في بيروت يوم 19 أكتوبر، خلال الأيام الأولى للاحتجاجات: "حزب الله كحكومة يجب أن يرحل. لكن كحركة مقاومة ضد إسرائيل، يجب ألا يفعل ذلك".

واعترف الأمين بأن الاحتجاجات في لبنان التي حفّزت المجتمع الشيعي على التحرك كانت مجرد البداية، لكن في رأيه هذه التحولات الاجتماعية التي حدثت حتى الآن هي بمثابة مؤشرات قوية على أن التغييرات السياسية قادمة لا محالة.

وبينما يحارب من أجل الحفاظ على ما كسبه في الساحة السياسية في السنوات الماضية، من المرجح أن يتلقى حزب الله المزيد من الضربات لسُمعته، لا سيما في الوقت الذي يستمر في عدم توظيف أي شيء سوى خطة لعبه القديمة المتهالكة. وعلى الرغم من ذلك، سيجد حزب الله طريقه مثلما فعل دائمًا، سواء عن طريق التكيف مع محيطه الجديد أو إجبار محيطه على التكيف معه.

لقد انخرطت الجماعة في موازنة حذرة حتى الآن، وسوف تستمر في فعل هذا ما دامت تعلم أن قوتها لن تهتز على المدى الطويل. لكن الواقع السياسي اللبناني يتغير بوتيرة هائلة، وإذا ظهرت تهديدات ذات مصداقية لوضعه السياسي في لبنان، سواء من الطبقة السياسية أو من الشوارع، فلن يتردد حزب الله في إطلاق العنان لقوته العسكرية مرة أخرى.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا