فورين بوليسي | عن مستقبل الاقتصاد والعنف والسكان والأيديولوجيا.. كيف سيبدو العالم عام 2050 ؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

 حذر لاعب البيسبول السابق (والمفكر البارز) يوجي بيرا قائلًا, "من الصعب التنبؤ, لا سيما بالمستقبل." مع هذا, تُعد محاولة التنبؤ بالمستقبل جزءًا كبيرًا من صناعة السياسة الخارجية: يجب أن يحاول القادة (والنقاد) تفسير الإتجاهات وتوقع الأحداث, بحيث يتمكنوا من صياغة سياسات تتجنب الكوارث وربما تُحسِّن الأمور.

لكن بيرا لا يزال مُحقًا: التنبؤ بالمستقبل ليس سهلًا. في صف في مدرسة كينيدي منذ وقت قريب,  ذكّرت طلاب السنة الأولى ببعض الملامح الرئيسية للعالم عام 1978, الذي كان أول عام لي في مدرسة الدراسات العليا. في 1978, كان الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو سليمين وجبارين. حكمت حكومة التمييز العنصري جنوب أفريقيا وكان شاه إيران ما زال جالسًا على عرش الطاووس. كان بإمكان الناس أن يدخنوا على متن الطائرات, وفي المطاعم, وفي معظم الأماكن العامة. لم يكن هناك يورو, ولا شبكة إنترنت, ولا بريد إلكتروني, ولا هواتف خلوية, ولا خدمات رقمية, وحتى القرص المضغوط لم يكن معروفًا. كان اقتصاد اليابان يزدهر بقوة, وكان دخل الفرد في الصين 165 دولار فقط في العام. كم منا استطاع التنبؤ بأن كل واحدة من هذه الحالات – والكثير غيرها – ستتحول تحولًا دراميًا على مدار العقود القليلة التالية؟

لكن القول بأن التنبؤ بالمستقبل صعب لا يعني أنه مستحيل. في الواقع, يمكننا التنبؤ ببعض ملامح المستقبل بدرجة كبيرة من الثقة.

إذا طُلب مني وصف العالم في العام 2050, على سبيل المثال, سأجادل بإنه توجد بعض العناصر المهمة التي يسهل التنبؤ بها – مع هامش خطأ مناسب – ومناطق أخرى من شبه المستحيل التنبؤ بها.

السكان عام 2050
في الطرف "المؤكد" من السلسلة يقع السكان. على الرغم من أن الخصوبة ومعدلات الوفاة تتقلب مع مرور الوقت (ولا يمكن التنبؤ بها دائمًا), يمكن للنماذج الديموغرافية أن تأخذ هذه التحولات في الحسبان ويمكننا أن نكون متأكدين تمامًا من حجم سكان العالم في 2050 وسكان الدول الفردية. باستثناء الأحداث النادرة المستبعدة (الوباء الضخم, أو الحرب النووية واسعة النطاق, إلخ), نعلم أن الصين والهند سيمتلكان مليار شخص على الأقل لكل منهما, ونعلم أن عدد سكان الولايات المتحدة سيبلغ نحو 400 مليون نسمة.

نحن نعلم أيضًا أن أعداد السكان في ألمانيا, وروسيا, واليابان ستصبح أقل, وأن متوسط أعمار هؤلاء السكان سيرتفع ارتفاعًا كبيرًا. قد تغير سياسات تشجيع الإنجاب هذه الأرقام قليلًا, لكن من الصعب أن يتغير نمو السكان سريعًا وهذه واحدة من المناطق التي من المرجح أن تكون معتقداتنا عن 2050 دقيقة جدًا.

انفصال واتحاد الدول عام 2050
ماذا أيضًا يمكننا أن نعرف بدرجة عالية من الثقة؟ حسنًا, في 2050 سيظل العالم مقسمًا إلى دول إقليمية وسيصبح عدد الدول أكبر مما هو عليه اليوم. لقد ارتفع العدد من 50 دولة تقريبًا في 1945 إلى حوالي 200 دولة اليوم, والضغوط من أجل تقرير المصير لا تُظهر أية علامة على الانخفاض. على النقيض, لا يبدو أن هناك الكثير من الضغط من أجل دمج الدول أو إنشاء إمبراطوريات جديدة متعددة الجنسيات, والخطوات المتفرقة في ذلك الإتجاه (مثل توحيد شمال وجنوب اليمن) لم تُبلي بلاءً حسنًا في السنوات الأخيرة. إن الاتحاد الأوروبي هو على الأرجح أهم مثال على الاتحاد السياسي الناشئ, لكنه لا يزال إلى حد كبير رابطة للدول القومية الفخورة ويشهد قوى طاردة خطيرة هذه الأيام.

إن القول بأن الدول ستظل مركزية وأن عددها مرجح للزيادة لا يعني أن كل واحدة من هذه الدول ستكون موجودة في 2050. من السهل تخيل ظهور مجموعة مختلفة من الدول من الاضطراب الحالي في الشرق الأوسط, على سبيل المثال, لكن ما أقصده هو إننا من المستبعد أن نرى انخفاضًا كبيرًا في العدد الكلي.

الاقتصاد عام 2050
يمكن أيضًا التنبؤ بالثِقل الاقتصادي للدول المختلفة, على الأقل على مدى بضعة عقود. يُعد الصعود الهائل للصين استثناءً جزئيًا لهذه القاعدة, لكن معظم القوى الاقتصادية الكبرى في عالم اليوم هي نفس الدول التي كانت لاعبًا اقتصاديًا رئيسيًا لفترة طويلة. إن التنبؤ بالدخل القومي الإجمالي ليس بنفس سهولة التنبؤ بالديموغرافيا, لأن بعض الدول ترتفع وبعضها الآخر يقع في مشاكل, لكننا ما زلنا نعرف الكثير عن المشهد الاقتصادي الدولي لعام 2050.

لكي نكون محددين, من المرجح بشدة (إن لم يكن مؤكدًا) أن الولايات المتحدة, والصين, واليابان, والهند, والبرازيل, وروسيا, والاتحاد الأوروبي سيصبحون لاعبين اقتصاديين رئيسيين في 2050, ومن شبه المؤكد أن الدول التي تمتلك دخول مرتفعة للفرد في الوقت الحاضر ستمتلك دخول مرتفعة للفرد بعد 35 عامًا من الآن. وبصورة مماثلة, على الرغم من أن القليل من الاقتصادات الناشئة سيؤدي بطريقة جيدة.

في العقود المقبلة, ستظل معظم الدول الأكثر فقرًا اليوم فقيرة نسبيًا في 2050 (حتى لو أصبحت أفضل بكثير مما هي عليه اليوم). نحن نعلم أن منغوليا الخارجية أو بوروندي لن تصبحا سنغافورة بحلول 2050, وسنغافورة لن تتحول إلى الصومال. تُعتبر الدول التي تعتمد ثروتها بالكامل على موارد طبيعية مثل النفط والغاز بمثابة حالة خاصة (أي, قد تنخفض ثرواتها بسرعة إذا انخفض سعر سلعتها), لكننا لا نزال نعلم الكثير عن اللاعبين الاقتصاديين الرئيسيين المرجحين في منتصف هذا القرن. الإجابة المختصرة هي: نفس الدول التي تُعد لاعبًا رئيسيًا اليوم.

تحالفات القوى عام 2050
مع هذا, هناك ملامح أخرى للعام 2050 يُعد التنبؤ بها أكثر صعوبة لإنها تعكس قرارات سياسية صريحة وقد تتغير سريعًا ردًا على الأحداث. على سبيل المثال, التحالفات التي شُكلّت أثناء الحرب الباردة الطويلة ظلت قائمة لفترة طويلة وأثبتت قوتها بشكل ملحوظ, لكن هل يمكن أن نكون متأكدين فعلًا من أن الناتو أو التحالفات الآسيوية لأمريكا ستظل قائمة وذات مغزى بعد خمسة وثلاثين عامًا؟ إذا استمرت القوة الروسية في التراجع وركزت الولايات المتحدة انتباهها أكثر وأكثر على آسيا, سيصبح الناتو غير مؤثر على نحو متزايد. ولقد أشرت من قبل إلى إنه من الصعب تخيل أن يلعب الناتو دورًا نشطًا في أي جهد أمريكي مستقبلي لموازنة الصين.

سوف تزداد ديناميكيات التحالف في آسيا تعقيدًا وسيصبح من الصعب التنبؤ بها, لذلك يستطيع المرء بالكاد أن يستبعد بعض التغيرات الهائلة هناك أيضًا. أنا أراهن على ائتلاف موازن لمخاطبة القوة الصاعدة للصين, لكن ظهوره وتماسكه ليس مؤكدًا. وإذا استمرت القوة الصينية في الصعود, هل يمكن أن يستبعد المرء كليًا تشكيل علاقات أمنية وثيقة أكثر بين بكين وبعض الدول في نصف الكرة الغربي؟ أنا لا أظن هذا.

وليس من الصعب تخيل إعادة مواءمات كبيرة في الشرق الأوسط, خاصة إذا خرجت إيران أخيرًا من منطقة الجزاء وأصبحت لاعبًا أكثر نشاطًا وقبولًا. أنا لا أقول أن أي من هذه الأمور أو كلها ستحدث, بالطبع؛ ما أقصده هو أن المواءمات الدولية مُعرضة للتغيير ومعرفة التشكيلات الدبلوماسية التي ستتواجد في 2050 أصعب من التنبؤ بالسكان أو النفوذ الاقتصادي.

العنف
ماذا عن مستوى العنف؟ كان العنف العالمي يتراجع منذ الحرب العالمية الثانية, ما دفع باحثون بارزون مثل ستيفن بينكر, وجون مولر, وجوشوا جولدشتين إلى وصف الحرب بإنها أصبحت نادرة وحتى "في طريقها للزوال." سيكون من الجيد إذا استمر هذا الإتجاه حتى 2050, لكن السنوات القليلة الماضية شهدت ارتفاعًا حادًا في عدد الصراعات العالمية وحدتها والمنافسة الأمنية الصينية-الأمريكية المستقبلية ربما تشعل أي عدد من التوترات الأخرى. سأظل محافظًا على الأمل في أن يكون بينكر ورفاقه محقين, لكنني سأكون مستعدًا أيضًا.

الأيديولوجيا
واحدة من المناطق الأخرى التي لا يمكننا التنبؤ بها بسهولة هي البيئة المعيارية والأيديولوجية التي ستتواجد بعد 35 عامًا من الآن. منذ 35 عامًا, كانت الماركسية-اللينينية لا تزال تحظى بالولاء والاحترام لدى ملايين الأشخاص. منذ أكثر من عشرين عامًا, كان من المفترض أن "إجماع واشنطن" يكتسح العالم. منذ ذلك الحين, أصبحت أشكال متعددة من التطرف الإسلامي تيارات قوية داخل عدد من المجتمعات.

المعايير العالمية للخصوصية, وحقوق الإنسان, والمسئولية الاجتماعية للشركات, ودور المرأة, والاغتيال, وعقوبة الإعدام, وعدد من الموضوعات الأخرى جميعها في حالة تغير مستمر أيضًا, ومن الصعب التنبؤ أي جانب سيربح هذه المناقشات أو توقع ما الحركات الجديدة التي قد تظهر على نحو غير متوقع. أنا أعني: من كان سيتوقع حركة زواج المثليين قبل 30 عامًا؟

التكنولوجيا
ما الأمور الأقل تأكيدًا عن عالم 2050؟ بينما نُلقي بنظرنا إلى الأمام, تكمن حالات عدم اليقين الأكبر في عالم العلوم والتكنولوجيا. لقد تسارع تقدم المعرفة العلمية والتكنولوجية بثبات على مدار القرون الماضية, ونحن ببساطة لا نملك أدنى فكرة عن نوع الأشياء التي سنستطيع فعلها بعد بضعة عقود من الآن. سيارات بدون سائق؟ حمض نووي للجنين بمواصفات معينة؟ علاج جيني للقضاء على الأمراض؟ أجهزة رقمية تعمل بالتفكير؟ زراعة أعضاء جديدة في معمل ثم زراعتها في الجسم؟ يمكننا التنبؤ ببعض التطورات التكنولوجية بدرجة من الثقة (أجهزة الكمبيوتر ستصبح أسرع وأرخص, استخدام الطاقة سيصبح أكثر كفاءة, بعض الأمراض ستُعالج, إلخ) لكن الاكتشافات المستقبلية ستخلق احتمالات لا يتخيلها أحد اليوم. في الوقت نفسه, بعض التطورات التي تم التنبؤ بها منذ عقود لم تتحقق . إذا كان الشخص يحاول تصور عالم 2050, فإن المجال التكنولوجي هو الأكثر غموضًا بالنسبة إلينا.

ودعونا لا ننسى الأحداث النادرة: تلك الأحداث العشوائية الطبيعية أو من صنع الإنسان التي قد تغير مسار السياسة العالمية لإتجاهات غير متوقعة. وباء ضخم, أو حادثة إرهابية نووية, أو حتى ذعر مالي أكبر, أو جفاف كارثي ربما يكون لها آثار عميقة في عدة أماكن, وتغير الحوار العالمي بطرق رئيسية, وتجعل الكثير من تنبؤاتنا الأخرى تبدو سخيفة. وبطبيعتها, هذه الأحداث يصعب التنبؤ بها حتى لو كنا نعرف ما هي احتمالاتها الأساسية.

الخلاصة هي أن هناك الكثير من الأمور التي نعرفها عن عالم 2050, والكثير من الأمور التي لا نعرفها. ومع الأسف, أحد الأمور التي نعرفها هي أن البشر الذين سيكون عليهم الصراع مع ذلك العالم سيكونوا معيوبين بشدة والمؤسسات السياسية والاجتماعية التي ستصارع مع هذه التغييرات سينقصها الكمال. سيكون لدى أحفادنا الكثير من الأشياء ليفعلوها, وربما حتى ينظرون للوراء على الوضع المضطرب الحالي للشئون العالمية بدرجة معينة من الحنين, معتقدين أن أسلافهم عاشوا حياة جيدة, حتى لو لم نمتلك سيارات طائرة.

 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا