فورين بوليسي | كيف يمكن لصناع القرار مواجهة الأزمة المالية القادمة؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

لا يزال العالم في سنة 2019 يعاني من إرث الأزمة المالية العالمية، وهو أمر غير مفاجئ بالنظر إلى حجمها وتأثيرها الدائم، فبعد مرور عشرة أعوام على انهيار بنك "ليمان براذرز"، لا يزال هناك سؤال يُطرح بشأن النظام المالي مفاده: هل نحن أكثر أمنًا عما كنا عليه في عام 2008؟ والإجابة المختصرة هي نعم، لكننا لسنا آمنين بما يكفي، وبالرغم من حدوث تقدم واضح، غير أن هناك الكثيرالذي يجب عمله، بما في ذلك مواكبة المخاطر الجديدة المحتملة الناتجة عن المشهد المالي الذي يتطور بشكل سريع.

أولاً التقدم: بات لدى المصارف احتياطيات رأس مال إضافية أكبر وأفضل وسيولة أكبر، وقد اتخذت البلدان خطوات لمعالجة المخاطر المنهجية التي تشكّلها مؤسسات يُنظر إليها على أنها أكبر من أن تفشل. لقد جرى تعزيز اللوائح التنظيمية والإشرافية، وزادت العديد من الدول من تركيزها على مراقبة الاستقرار المالي، كما باتت العديد من هذه الدول أيضا تجري اختبارات إجهاد منتظمة لفحص صحة مصارفها، كما أن جزءًا كبيرًا من المشتقات المالية التي يتم تداولها خارج البورصة، تحوّلت إلى أنظمة مقاصّة مركزية أكثر أمنًا.

من جانبه، حسّن صندوق النقد الدولي من قدرته على تحليل ومراقبة مصادر المخاطر المنهجية، وعقد شراكة مع سلطات وطنية لمساعدتها في تحديد بؤر الاضطراب المحتملة، مثل ديون المستهلكين أو الشركات المفرطة، واستحداث أدوات للحدّ من المخاطر، وتعزيز عملية تحليل أنظمتها المالية.

لكن الآن ماذا عن المناطق التي لم تشهد تقدمًا مناسبًا أو التي ظهرت فيها مخاطر جديدة؟
لنبدأ مع الديون؛ على مستوى العالم، تضخّم الدين غير المالي ليصل لرقم قياسي قدره 182 تريليون دولار في عام 2017، ما يمثّل 224 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي العالمي، مسجلاً زيادة قدرها 60 بالمائة تقريبًا مقارنة مع 2007. وفي الولايات المتحدة أدّى طلب المستثمرين على الديون التي أصدرتها شركات عالية الاستدانة، إلى معايير اكتتاب فضفاضة، ما يزيد من مخاطر عجز المقترضين الأكثر ضعفًا عن تسديد الديون، وفي الأسواق الناشئة، بات الدين العام في مستويات لم تحدث إلا أثناء أزمة الديون في عقد الثمانينيات، ولو تواصلت الاتجاهات الأخيرة، فستواجه العديد من الدول منخفضة الدخل أعباء ديون لا يمكن تحملها.

أما التمويل غير المصرفي، المعروف أيضًا باسم "صيرفة الظل"، لأنه يحدث خارج حدود الضوابط المصرفية التقليدية، فيُعدّ هو الآخر مصدرًا للخطر، حيث يجب على الجهات التنظيمية أن تستحدث وتستخدم أدوات جديدة لمعالجة هذا الأمر، لا سيما في الأسواق الناشئة، حيث توسَّع هذا النوع من التمويل بسرعة كبيرة.

في الوقت ذاته، ظهرت تحديات جديدة، من بينها الهجمات السيبرانية على المصارف وأسواق الأوراق المالية، ولا شك أن الابتكار والتكنولوجيا المالية يُبشّران بخدمات أفضل وأرخص وأكثر يسرًا، لكنهما يمثلان خطرًا على المستهلكين والمستثمرين والاستقرار المالي العام للاقتصاد، وهي مخاطر ليس من السهل دومًا فهمها أو توقعها.

وبالرغم من كل التقدم الحادث في تعزيز القطاع المالي، فإن هذا الهيكل المنقّح لم يخضع بعد لاختبار، ولو ضاقت الأوضاع المالية بشدة – على سبيل المثال عبر معدلات فائدة أعلى من المتوقع أو انخفاض حاد في أسعار الأصول- فإن هذا قد يكشف عن نقاط ضعف تراكمت أثناء عقد من معدلات الفائدة المتدنية للغاية.

ففي العام الماضي رأينا بالفعل كيف سحب بعض المستثمرين أموالاً من أسواق ناشئة ردًا على ارتفاع قيمة الدولار، وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والتوترات التجارية، وقد أظهرت حسابات صندوق النقد الدولي أنه مع حدوث تشديد مفاجئ في الوضع المالي، فإن هناك فرصة – وإن كانت ضئيلة – بأن تبلغ تدفقات رأس المال الخارجة من هذه الاقتصاديات الناشئة (باستثناء الصين) نحو 100 مليار دولار؛ وهذا سيضاهي بشكل عام التدفقات الخارجة أثناء الأزمة المالية.  

وعند النظر إلى السياق الاقتصادي، فإن هناك العديد من مصادر الخطر التي يمكن أن تهزّ ثقة المستثمرين، وبالرغم من أن النمو العالمي لا يزال قويًا، بيد أنه بدأ ينحسر، لقد بدأ الدعم يتضاءل للنظام الدولي المنفتح والقائم على القواعد والذي حقق الرخاء العالمي، كما يمكن أن تتصاعد حدّة التوترات التجارية، كما بدأت حالة عدم اليقين بشأن السياسة المالية في أوربا تثير مخاوف بشأن العلاقة ذاتية التعزيز بين الحكومة والديون المصرفية، والتي هزّت منطقة اليورو في السنوات الأولى لهذا العقد، وأخيرًا، يجب على البنوك المركزية الإبحار عبر ظروف نقدية غير مسبوقة.

أما في الولايات المتحدة، فربما يحتاج الاحتياطي الفيدرالي لرفع معدلات الفائدة بنسبة أعلى مما هو متوقع الآن، وذلك في حال أدّت التخفيضات الضريبية مع الحوافز المالية لتسريع وتيرة التضخم بأكثر من المتوقع.

والآن: كيف يمكن لصنّاع القرار الردّ على هذا الوضع؟
أولاً، يجب عليهم إكمال الإصلاحات التنظيمية المالية، بالإضافة إلى مقاومة الضغوط الساعية للتراجع عن هذه الإصلاحات، وهو أمر لا يقل أهمية، كما ينبغي رفع رأسمال المصارف بقدر أكبر في أماكن لا تزال فيها الاحتياطات المالية منخفضة.

إن مسألة "أكبر من أن تفشل" ما تزال تمثل مشكلة، وذلك مع ازدياد المصارف حجمًا وتعقيدًا، في حين يجب تحقيق تقدم في الإجراءات الخاصة بحل أو تقليص مشاكل المصارف المتعثرة العاملة خارج الحدود. هذا فضلا عن أنه ينبغي على الجهات التنظيمية أن تشجع البنوك التي لديها نماذج أعمال ضعيفة، ومستويات مرتفعة من القروض المتعثرة على ضبط ميزانياتها العمومية.

ثانيًا: ينبغي على صنّاع القرار أن يعيدوا بناء ترساناتهم المالية والنقدية التي أصابها الضعف عند مواجهتهم لأزمة 2008 وتداعياتها، ولا شك أن فعل هذا سيتطلب تقليل عجز الموازنة، وإعادة معدلات الفائدة بالتدريج إلى مستويات عادية عندما تسمح الظروف الاقتصادية بذلك، كما ينبغي على الحكومات أيضًا أن تتعاون مع بعضها لتقليل الاختلالات العالمية المفرطة بطريقة تدعم النمو المستدام، ويمكن لأسعار الصرف المرنة أن تساعد في امتصاص الصدمات، وحينها سيتصدى اتخاذ خطوات دعم الإنتاج المتعثر للمثبطات الديمغرافية، ويرفع النمو؛ ما سيدعم بدوره جهود تعزيز قدرة المناورة المالية والنقدية.

أخيرًا، بينما ننظر في الدروس المستفادة من الأزمة ونحدد الطريق قدمًا، ينبغي علينا أيضًا التعرف على ومواجهة مخاطر أكثر عمقًا وأبعد مدى تهدّد الاستقرار المالي والاجتماعي.

إن التغيّر المناخي هو أحد تلك المخاطر التي تهددنا جميعًا، لا سيما الدول منخفضة الدخل، ويجب على الاقتصاديات المتقدمة أن تضمن توسيع نطاق الرخاء عبر معالجة مشكلة عدم المساواة المتصاعدة والركود في نمو الأجور، كما ينبغي على كل الدول أن تعلّم العمال وتدربهم على التعامل مع التشغيل الآلي والتغير السريع الحاصل في أماكن عمل المستقبل.

وفي النهاية فإن العديد من الإجراءات التي قد تجعل العالم أكثر أمنًا عما كان عليه قبل الأزمة الماضية، تعتمد على التعاون الدولي، لا سيما في مسائل التجارة والتمويل، وكذلك فيما يتعلق بمشاكل تخص المنفعة العامة العالمية مثل البيئة واللاجئين، ولا شك أن الرهانات الآن مرتفعة كما كانت عليه في عام 2008.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا