فورين بوليسي | لماذا لن يحدث نزاع بين الصين وروسيا؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

شهد يوم 2 مارس مرور نصف قرن على إطلاق القوات الصينية النار على حرس الحدود السوفيتي على جزيرة تشينباو, وهي قطعة أرض متنازع عليها في نهر أسوري, الذي يقسم البلدين على طول حدودهما الشرقية. خلّف الاعتداء الصيني عدة عشرات من الجنود القتلى وبدأ شهورًا من حالات الاستنفار القصوى والصدامات العنيفة على طول الحدود السوفيتية – الصينية.

وكما تسير الحروب, جرى احتواء الصدام الصيني – السوفيتي في عام 1969, بعدد قتلى لم يتجاوز بضع مئات من الجنود؛ بيد أن هذا الصراع الصغير حوّل مسار الحرب الباردة، ونتيجة لذلك قررت القوتان الشيوعيتان حاجنهما لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة لكي تواجه إحداهما الأخرى. وفي مأدبة غداء بواشنطن, سأل دبلوماسي روسي مسئولًا أمريكيًا كيف سيرد البيت الأبيض إذا هاجمت موسكو الترسانة النووية الصغيرة للصين ودمرتها. وبدأت الصين, التي كانت ما زالت تترنح بفعل الثورة الثقافية, في استكشاف طرق تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة كوقاية في مواجهة القوة السوفيتية.

بعدها بخمسين عامًا, انعكس الموقف؛ فحلّت الصين وروسيا خلافاتهما الحدودية وأصبحتا أصدقاء بسرعة. كان المجال الرئيسي لاتفاقهما هو: معارضة الولايات المتحدة, التي يراها كلاهما تهديدًا جيوسياسيًا وأيديولوجيًا.

وتقدّم الذكرى السنوية هذا العام تحذيرًا: العصر الأخير للشراكة بين الصين والاتحاد السوفيتي استمر بالكاد لعقد قبل أن يتجها للحرب في 1969، لكن لعدة أسباب, ربما يثبت الانسجام بين روسيا والصين اليوم أنه أكثر استدامة.

ومنذ أن أجرت روسيا والصين أول مفاوضات دبلوماسية رئيسية في 1689, كانت الدولتان على خلاف في كثير من الأحيان. استولت روسيا على جزء كبير من شمال الصين في أواخر العقد الخامس من القرن التاسع عشر، وغزت أراضي سنجان الحدودية في الصين عام 1871، كما استولت على منشوريا الصينية عام 1900. فيما لم يكن القرن العشرين أكثر سلامًا, حيث موّل الاتحاد السوفيتي الثوريين في الصين وسلّحهم، وغزا منشوريا وسنجان مرة أخرى في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. وبعبارة أخرى, كان اعتداء الصين على حرس الحدود السوفيتي في 1969 واحدًا من سلسلة طويلة جدًا من الحروب الروسية – الصينية.

مع هذا, تعمل روسيا والصين اليوم سويًّا عن كثب أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الكورية. إنهما تتعاونان في الأمم المتحدة, سعيًا لإحباط الأولويات الغربية. وتبيع روسيا للصين معدات عسكرية متطورة, من ضمنها صواريخ أرض – جو إس-400. إنهما تدعمان الاستبدادية في آسيا الوسطى ومناطق أبعد من ذلك، وتجري الدولتان مناورات عسكرية مشتركة من البلطيق إلى بحر الصين الجنوبي، فيما شمل تدريب فوستوك العسكري الروسي في 2018 على حدودها الشرقية 3200 جندي من الصين، وهي إشارة واضحة على أن جيش روسيا لا يَعتبر الصين تهديدًا في المدى القريب، وحوّلت روسيا مؤخرًا جزءًا كبيرًا من احتياطي العملة الأجنبية الخاص بها إلى العملة الصينية، كإجراء وقائي ضد العقوبات الأمريكية.

لكن هل من المرجح أن تستمر هذه الصداقة؟ الكثيرون في واشنطن يشككون في هذا. فمن السهل تحديد مجالات الخلاف المحتملة بين موسكو وبكين، وقد اعتبرت روسيا آسيا الوسطى ضمن دائرة سيطرتها, لكن الصين تدخلت بمشروعات الاستثمار المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق التي تظهر في أنحاء المنطقة، وباتت الأمور المتعلقة بالمكانة مهمة أيضًا.

في الماضي, كانت موسكو الطرف الأكبر في العلاقة، أما اليوم فالصين أكثر قوة على الرغم من أن الروس لا يحبون الاعتراف بذلك، والآن لا عجب في قول وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس العام الماضي إن هناك "القليل على المدى الطويل الذي يوفّق بين روسيا والصين."  

لكن ما طول هذا المدى الطويل؟ ربما قصير جدًا. على مدار عقد واحد بعد منتصف الخمسينيات, تحول الاتحاد السوفيتي والصين من حلفاء مقربين إلى أعداء ألداء, بعد أن اتهمت بكين موسكو بالإمبريالية وبخيانة المبادئ الاشتراكية.

وبالتأكيد كان التغير العكسي صدمة: ساعد الاتحاد السوفيتي في إقامة حكومة الحزب الشيوعي بقيادة ماو تسي تونج في 1949، ودعم السوفيت اقتصاد الصين وسط جهود التصنيع الحثيثة في الخمسينيات، لقد ساعدوا بكين في المرحلة المبكرة من جهود التطوير النووي قبل 15 عامًا فقط من جس نبض الولايات المتحدة حول ضربة مشتركة ضد المنشآت الذرية الصينية. وفي 1960, كان الاتحاد السوفيتي يدرب الجيش الصيني، بعدها بتسع سنوات, كان الاتحاد السوفيتي يحاربه.

ورغم أن كل المفاجآت تتجه إلى الصراع, توجد أمثلة كثيرة على التقارب السريع والنجاح في إرساء الاستقرار. لقد خاضت الصين وروسيا حروبًا, لكنهما كانا في سلام في أكثر الأحيان. إن أي شخص يتوقع قطع كامل في العلاقات بين بكين وموسكو يحتاج لشرح ما سيقلب هذه الحركية، فالكثير من المخاوف التي يُستشهد بها كثيرًا ليس لديها الكثير من الأساس في الواقع.

يقول البعض إن ملايين الصينيين من شمال البلاد سيبدأون في التدفق إلى سيبريا، ومع خروج الروس من سيبريا, ووجود مئات الملايين من الصينيين جنوبًا, هل يهدد هذا سيطرة موسكو على الأراضي؟ لكن لا يوجد دليل على تدفق المهاجرين الصينيين إلى روسيا, كما أنه ليس من الواضح لماذا قد يفعل المواطنون الصينيون هذا, نظرًا لأن الأجور تكون أعلى في وطنهم في أكثر الأحيان.  

نفس الشيء صحيح عن التلميحات بأن الطلب الصيني الجشع للموارد ربما يُعّقد العلاقات مع روسيا الغنية بالموارد, وربما حتى يلهم الصين بالاستيلاء على أراضي لضمان إمكانية الوصول إلى الموارد، لكن الصين يمكنها بالفعل شراء الثروات المعدنية الروسية بأسعار مناسبة. في المقابل, تحظى روسيا بإمكانية دخول واحدة من أكبر الأسواق وأسرعها نموًا في العالم، فما هو الحافز الذي قد يدفع أي من الطرفين لتغيير هذا الترتيب؟

وكذلك لن يتحول التعاون الروسي – الصيني في آسيا الوسطى نحو الصراع. صحيح أن الدولتين لديهما مصالح قديمة في المنطقة, والكثير منها متعارض، لكن بكين وموسكو وجدتا طرقًا لإدارة المصالح المتباعدة, جزئيًّا لأن الدولتين اتفقتا على أن هدفهما الرئيسي هو الحفاظ على الاستقرار السياسي وإبقاء النخب القائمة في السلطة، لكن حدوث صدمة غير متوقعة, مثل تداول السلطة المتنازع عليه في كازاخستان بعد رحيل الرئيس المسن, قد تشعل خلافًا بين روسيا والصين، لكن لا يرغب أي من الطرفين في تغيير كبير, لذلك فإن لديهما قدرًا كبيرًا من الحافز للتعاون.

لقد كانت الكثير من التحولات غير المتوقعة في العلاقات الروسية – الصينية مدفوعة بالسياسة الداخلية أكثر من السياسة الخارجية. كانت التغيرات الأيديولوجية في الداخل دافعًا رئيسيًا للصراع الصيني -السوفيتي في الستينيات, حيث بحث "ماو" عن عدو خارجي بينما كان يحشد الثورة الثقافية، فيما بدأت التوغلات العدائية الروسية في الأراضي الصينية في القرن التاسع عشر وتوقفت في أكثر الأحيان بناءً على طرد رئيس وزراء أو موت القيصر.

اليوم أيضًا, باتت السياسة الداخلية مهمة في الصداقة بين الصين وروسيا، لقد ضاعف الحكام الحاليون في موسكو وبكين التزامهم بالاستقرار الاستبدادي في الداخل بينما وضعوا بلدانهم على مسار تصادمي مع واشنطن في الخارج. إن التشابه المتزايد بين الأنظمة السياسية للصين وروسيا يجعل الصداقة سهلة، كما أن منافستهما مع القوى العظمى العالمية تجعلها ضرورة.

والسؤال الآن: هل ينبغي أن يُقلق هذا الولايات المتحدة؟ إنه بالتأكيد لا يجعل السياسة الخارجية أسهل؛ فالصين وروسيا ثنائي مهيب عندما يريدان مواجهة الولايات المتحدة في المنظمات الدولية أو خلال الأزمات، وتعد أزمة فنزويلا خير دليل على ذلك، ومع هذا لن تكون عرقلة صداقة بكين وموسكو بالأمر الهين, على الرغم من أن مواجهة أمريكا مع الطرفين ستحد من حافزهما على الوفاق. ومن المرجح أن تختار واشنطن الانتظار على أمل أن تُغير بكين أو موسكو المسار أولًا.

وربما ننتظر لفترة لنرى، لقد استثمر الرئيسان شي جين بينج وفلاديمير بوتين بشدة في علاقتهما، ومن الممكن تخيل تحول سياسي داخلي بحجم تلك التحولات التي فرضت تغييرات في العلاقة الروسية-الصينية تاريخيًا. ومع هذا، بينما تتقدم الدولتان تدريجيًا نحو امتلاك رؤساء مدى الحياة, بات الوقت ليس مناسبًا للمراهنة على تحولات حادة. "شي" و"بوتين" ضامنان لصداقة بلادهما، ولا يبدو أن أيًّا منهما ميالٌ لتغيير رأيه، أو حتى لترك منصبه.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا