فورين بوليسي| مدينة تمول السياسة.. ما هو تقييم ناخبو اسطنبول لانتخابات رئاسة البلدية؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

يتوجه نحو 10 ملايين ناخب في مدينة إسطنبول، الأحد، مرة أخرى إلى مراكز الاقتراع، وذلك بعد إلغاء نتائج انتخابات مارس البلدية في الشهر الماضي. في تلك الانتخابات، فوجئ حزب العدالة والتنمية الحاكم عندما خسر مرشحه لمنصب العمدة "بن علي يلدرم" في مواجهة مرشح المعارضة "أكرم إمام أوغلو" بفارق 13 ألف صوت فقط.

إن وظيفة إدارة أغنى وأكبر مدينة في تركيا هي نقطة انطلاق مهمة للدخول في السياسة الوطنية، كما هو الحال مع عمدة مدينة نيويورك. بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان مسيرته السياسية بعد توليه منصب عمدة إسطنبول عام 1994. تقول "أصلي آيدين تاشباش"، صحفية تركية وزميلة سياسات أقدم في المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية: "في ذلك الوقت، بنى أردوغان ماكينة سياسية ضخمة… واستخدمها كأداة مالية ومنظمة شعبية" وأضافت: "المدينة تموّل السياسة".

لهذا كانت خسارة الانتخابات في ذلك الربيع ضربة كبيرة. رفض حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم المدينة منذ 25 عامًا، القبول بهذا الأمر بسهولة. وطلب الحزب أن تأمر لجنة الانتخابات بإجراء تحقيق، وقد خلصت اللجنة أن هناك مخالفات ودعت لإعادة الانتخابات.
عارض غالبية سكان إسطنبول ذلك القرار، لكن "سينا أونور سانفير"، 18 عامًا، تشعر بالحماسة لأنها ستصوّت مجددًا في الانتخابات. وتقول إنها ستختار يلدريم لأنها تثق بالمرشح مثلما يثق به والداها. وتقول: "هو يقدّم مساهمة للمجتمع". لكن "سانفير" تقول إنها لم تبحث كثيرًا عن التفاصيل.

بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري المعارض، فإن إعادة الانتخابات تُعد سرقة. لكن بدلاً من الاعتراض بصورة غاضبة أو الاستسلام، يقود مؤيدو المعارضة حملة انتخابية بصورة جديّة.  وبحسب كلام العمدة السابق لحي "بيليك دوزو"، وهو حي أصغر يقع بالقرب من إسطنبول، فإن إمام أوغلو قدّم نفسه بوصفه مرشحًا مستضعفًا يمكنه التواصل مع الناخبين الشباب والكبار والعلمانيين والمتدينين والأكراد أيضا.

يدعم حزب "الشعوب الديمقراطية" الكُردي المرشح إمام أوغلو. (ربما ساهم دعم هذا الحزب لإمام أوغلو في انتخابات مارس في إعطائه أفضلية). تقول "نيلغون هاني علي أوغلو"، وهي خبيرة اقتصاد ومصممة أزياء عمرها 54 عامًا وتنوي التصويت لإمام أوغلو: "هو لا يميّز بين الناس. ولديه رؤية جديدة. على الأقل، هو يُظهر نفسه بهذه الطريقة".

يقول "مراد ديلي"، 30 عامًا، إنه سيصوّت لمرشح المعارضة. خسر "مراد" الذي يعمل مدربًا للياقة البدنية وظيفته لأن شركته لم تعد قادرة على دفع المرتبات. وقف مراد مع صديقه خارج مقهى بالقرب من مركز تسوّق فاخر افتُتح مؤخرًا، وهو علامة على التطور من وجهة نظر الحكومة الحالية، التي شيّدت عشرات المراكز التجارية وناطحات السحاب والجسور، بالإضافة إلى خطوط القطارات والحافلات الجديدة.

لا شك أن حزب العدالة والتنمية حسّن من حياة سكان إسطنبول أثناء حكمه. فالمياه نظيفة، وهناك إمكانية للحصول على رعاية صحية مجانية، كما حصلت المجموعات المهمّشة والنساء في البداية على المزيد من الحقوق. لقد جعلت هذه المكاسب أردوغان يحظى بشعبية هائلة.
لكن مؤخرًا، حسبما يقول ديلي، انقلب الحزب الحاكم على العديد من هذه المكاسب. ففي الثامن من مارس، على سبيل المثال، أطلقت الشرطة الغاز المسيّل للدموع على آلاف النساء المشاركات في مسيرة "يوم المرأة العالمي" التي تُنظم منذ 17 عامًا. ويتواصل اعتقال الصحفيين والمنتقدين، كما تستمر محاكمة الأشخاص المتهمين بإهانة الرئيس. يأمل "ديلي" في أن يتمكّن مرشح المعارضة من نيل ثقة الشعب للفوز مجددًا والانتقال في نهاية المطاف للمشاركة في السياسة على الصعيد الوطني.

يحافظ ناخبو إسطنبول على بقاء الديمقراطية التركية حيّة. بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، فإنهم ما يزالون يؤمنون أن لديهم القوة في مراكز التصويت. يقول "أتيلا يسيلادا"، الخبير الاقتصادي التركي: بحلول عام 2010، كان لدينا ديمقراطية جيدة للغاية. والآن كلنا أمل، إذ أن الصندوق الانتخابي هو وسيلتنا الوحيدة التي يمكننا عبرها التعبير عن آرائنا ضد الحكومة".

حتى الآن، لا تزال الانتخابات التركية نظيفة لحد كبير. يجري عدّ أوراق الاقتراع يدويًا، وتراقب أحزاب المعارضة العملية. المشكلة هي فيما يحدث لاحقًا. لقد شهدت تركيا العديد من الانتخابات في السنوات الخمسة الماضية (برلمانية ورئاسية واستفتاء على تغيير نظام الحكم وانتخابات محلية). في كل تلك الاستحقاقات، أجرى الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة حملات انتخابية قوية، وكانت نسبة إقبال الناخبين مرتفعة.

لكن عندما يخسر حزب العدالة والتنمية، كما خسر أغلبيته البرلمانية عام 2015 وانتخابات إسطنبول هذا العام، فإنه يطالب بإعادة الانتخابات ثم يفوز بها، ونظرًا لسيطرة الحزب على الإعلام والقضاء، فإنه قادر على ترجيح الكفّة لصالحه.

لكن في هذه المرة، يمكن أن يفوز إمام أوغلو، وربما يتراجع حزب العدالة والتنمية عن موقفه هذا. وتُظهر شركات استطلاع الرأي الموالية للمعارضة بطبيعة الحال تقدّم إمام أوغلو، لكن حتى شركة "ماك"، التي عادة ما تدعم حزب العدالة والتنمية، تتوقع فوز أوغلو بهامش بسيط.

ووفقًا لـ "يسيلادا"، فإن اعتراف حزب العدالة وأردوغان بالهزيمة يمكن أن يكون طريقة لحفظ ماء الوجه. فالرئيس برغماتي بما يكفي ليعرف أن حرمان المعارضة من انتصارها في حال فوز إمام أوغلو، يمكن أن يقوّض شعبيته وشرعية حكمه. كما أن هذا الأمر أيضًا قد يُحدث شروخًا في تحالفه: ينأى بعض مسؤولي حزب العدالة والتنمية السابقين مثل عبد الله غل، الذي شغل منصب الرئيس في الفترة بين 2007 و 2014، بأنفسهم عن أردوغان، وربما يكسبون بعض الزخم لتشكيل حزب منشق، في حال واصل حزب العدالة سلوكه الاستبدادي إزاء هذه الانتخابات.

إن انتخابات إسطنبول سيكون لها تداعيات سياسية وطنية، لكنها ما تزال مسألة محلية؛ حيث ذكر السكان الذين تحدثت إليهم والمنتمين لكلا الطرفين، أنهم يرغبون في التغييرات ذاتها: تخفيف الاختناقات المرورية، وتقليل عدد الناس، وتقليل عمليات البناء، والإكثار من المساحات الخضراء. كما أجمع هؤلاء الأشخاص أيضًا على رغبتهم في عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

وبالرغم من المصالح المتشابكة، إلا أنه ما تزال هناك حالة استقطاب وسط الناس. فمؤيدو حزب العدالة من المتدينين وأصحاب الدخل المنخفض الذين انضموا للطبقة المتوسطة في العقدين الماضيين، يشعرون أنهم مدينون لحزبهم ورئيسهم، وأن أصواتهم الانتخابية هي وسيلتهم لردّ هذا الدَين. أصبح بعض هؤلاء أكثر انتقادًا بمرور الوقت، لكن الأغلبية ما تزال موالية. مع تزايد الفقر في المناطق الحضرية، وتضاؤل المساحات الخضراء، ودخول الاقتصاد أكثر في حالة كساد، ربما هذا يعني أن هؤلاء قد يصوّتون ضد مصالحهم. وفي غضون هذا، تعاني المعارضة من انقسامات وتفتقر إلى قائد قوي حتى الآن.

لكن حتى في حال فوزه، سيتعيّن على إمام أوغلو توحيد هذا المجتمع المنقسم، عبر تبنّي سياسات تخدم هذه المدينة الكبيرة، وليس مسيرته المهنية وحزبه السياسي. وبالنسبة إلى "سليم"، الذي لم يرغب في إعطاء اسمه الأخير، فإن الحزب المرشح ليس مهمًا، وينتمي سليم لحزب ثالث أصغر حجمًا، وهو أب لولد صغير، ويعمل في وظيفتين لتلبية أبسط احتياجاته. يعتقد سليم أن الحكومة الحالية أصبحت فاسدة وتسرق الأموال العامة، لكنه ليس متأكدًا بشأن إمام أوغلو أيضًا. ويضيف: "أنا أفكر بشأن الانتخابات بأكملها. عندما أذهب إلى صندوق الاقتراع سأصوّت وفقًا لما يُمليه علي ضميري".  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا