فورين بوليسي | هل سيعصف البريكست بحزب المحافظين البريطاني؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

في 23 يونيو 2016, قرر المصوّتون البريطانيون بنسبة 52% مقابل 48% أنه يجب على المملكة المتحدة أن تغادر الاتحاد الأوروبي، ومنذ ذلك الحين اضطربت السياسة البريطانية بتداعيات الاستفتاء، فيما لم يقبل بعض الموالين للبقاء قطعية التصويت؛ إنهم يجادلون بأن الهامش كان ضئيلًا للغاية لكي يفرض تغييرًا جوهريًا, في حين أن بعض الحُجج التي أقنعت المصوّتين بتأييد المغادرة كانت كاذبة.

إن الأمل بأن تستطيع بريطانيا الجمع بين مزايا الأمرين, حسب كلمات وزير الخارجية حينها بوريس جونسون, أثبت أنه في غير موضعه، فإذا غادر الشخص نادي التنس لأنه لا يرغب في دفع الاشتراك ولا تعجبه القواعد, فإنه لن يستطيع مواصلة استخدام ملاعب التنس مثله مثل الأعضاء. وبناءً عليه, يستنتج بعض الموالين للبقاء أنه ينبغي أن يكون هناك استفتاء ثان, لمعرفة ما إذا كان الشعب البريطاني لا يزال يرغب في مغادرة الاتحاد الأوروبي أم لا.

يصعب على البرلمان حل القضية الأوروبية لسببين: الأول هو أن حكومة ماي تمتلك أقلية من المقاعد (317 من أصل 650) في مجلس العموم, ما يعني أنها يجب أن تعتمد من أجل الفوز بأغلبية ضئيلة على أعضاء البرلمان العشر من الحزب الاتحادي الديمقراطي لشمال أيرلندا الموالي بشدة للبريكست، في حين ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن حزب المحافظين وحزب العمال المعارض منقسمان داخليًا بين موالين للبقاء وموالين للبريكست، ذلك الانقسام يعكس انقسامًا جغرافيًا وثقافيًا في البلاد.

ترحب المدن الكبيرة, إلى جانب اسكتلندا وأيرلندا الشمالية, بالعولمة وتشعر بالارتياح تجاه مبدأ حرية الحركة في الاتحاد الأوروبي، وقد صوّتت لصالح البقاء، لكن المدن الأصغر والمناطق الصناعية الأقدم, التي يشعر الكثيرون فيها بأنهم متخلفون عن الركب, تعادي العولمة وحرية الحركة, التي يجادلون بأنها أبقت الأجور منخفضة وفرضت ضغطًا غير مبرر على الخدمات العامة، دعمت هذه المناطق حملة المغادرة.

كان البرلمان قرر أن بريطانيا ستغادر الاتحاد الأوروبي يوم 29 مارس، وبعد مفاوضات طويلة وشاقة, توصلت رئيسة الوزراء تيريزا ماي في نوفمبر 2018 إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، يضم اتفاقية انسحاب مُلزمة قانونيًا والتي توفر فترة انتقالية حتى ديسمبر 2020, والتي خلالها ستظل بريطانيا ملزمة بقوانين الاتحاد الأوروبي أثناء التفاوض على العلاقة النهائية، بيد أن نمط تلك العلاقة موّضح في إعلان سياسي غير ملزم، والذي يلمح إلى نتيجة تستطيع بريطانيا بموجبها التفاوض على اتفاقيات تجارية مستقلة, مع السماح لها بدرجة من التجارة غير الاحتكاكية مع الاتحاد الأوروبي.  

وبرغم التوترات الداخلية بين الموالين للبقاء والموالين للبريكست؛ قبل مجلس وزراء ماي الاتفاق، لكن حلفاء المحافظين من الحزب الاتحادي الديمقراطي كانوا معارضين له بشراسة, حيث زعموا أنه ربما يفصل أيرلندا الشمالية عن باقي المملكة المتحدة عن طريق منع الحدود الصعبة مع الجمهورية الأيرلندية، وربما إقامة حدود جمركية بين أيرلندا الشمالية وباقي المملكة المتحدة. قوبل الاتفاق أيضًا بمعارضة الموالين للبريكست في حزب المحافظين, الذين زعموا أنه ربط بريطانيا بالاتحاد الأوروبي بصورة وثيقة, والموالين للبقاء – حزب العمال بشكل رئيسي, وأيضًا الديمقراطيين الأحرار والقوميين الاسكتلنديين – الذين جادلوا بأنه سمح بالكثير من الحواجز أمام تصدير البضائع والخدمات إلى الاتحاد الأوروبي.

فرض هذا الائتلاف من المتناقضات هزيمة ساحقة لاقتراح الحكومة بقبول الاتفاق يوم 15 يناير، ودعم 202 عضو برلماني فقط الاتفاق, بينما رفضه 432 عضوًا.

إن هزيمةً بهذا الحجم لا نظير لها في التاريخ البرلماني لبريطانيا، لقد صوّت ما لا يقل عن 118 عضوًا محافظًا, معظمهم موالون متشددون للبريكست, ضد الاتفاق, وأيده 196 عضوًا محافظًا فقط. والكثير ممن صوّتوا لم يكن لديهم خيار؛ (لأن 100 عضو برلماني محافظ تقريبًا وزراء أو على كشف رواتب الحكومة, لذلك كانوا مُلزمين بدعم ماي أو الاستقالة. هذا يعني أن أغلبية من نواب حزب المحافظين كانوا معارضين للاتفاق). إن هزيمة ماي, فيما يُعد أهم تصويت برلماني في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية, تخلق لحظة خطر حاد على رئيسة الوزراء والحكومة وحزب المحافظين والبلاد.

كان الأمل هو أن يوحد الاتفاق الموالين للبريكست والموالين للبقاء؛ لكنه زاد من فرقتهم. إن البريكست الصعب لاسترضاء المتمردين المحافظين سيُبعد المحافظين الموالين للبقاء، والعكس, البريكست الأكثر سلاسة لكسب دعم أحزاب المعارضة سيزيد من أعداد المتمردين المحافظين، وفي الواقع ربما لا يوجد اتفاق يستطيع إبقاء حزب المحافظين متماسكًا؛ البديل قد ينهي هدنة مجلس الوزراء وربما يؤدي إلى حل حكومة الأقلية, مع إجراء انتخابات عامة بعدها.

لقد حدث هذا من قبل، ففي 1979 جرى حل حكومة الأقلية بقيادة جيمس كالاهان من حزب العمال بهذه الطريقة؛ لأن حزب العمال كان منقسمًا داخليًا حول قضية نقل السلطة إلى اسكتلندا. ثم, في 1951, جرى حل حكومة كليمنت أتلي من حزب العمال, التي تمتعت بأغلبية من خمسة فقط, لأن الحزب كان منقسمًا داخليًا بين اليسار واليمين. وفي كلتا الحالتين, أعقب ذلك فترات طويلة من المعارضة.  

يخلق التصويت أيضًا لحظة من الخطر على البلاد؛ حيث إن البرلمان وافق بالفعل على مشروع قانون ينص على أن يحدث البريكست يوم 29 مارس, هذا هو الموقف الافتراضي، يمكن تمديد هذا التاريخ بموافقة الـ27 عضوًا الآخرين في الاتحاد الأوروبي. لكن تلك الدول ربما ليست مستعدة للموافقة إذا كان السبب الوحيد للتمديد هو أن أعضاء البرلمان, بعد 30 شهرًا من الاستفتاء, لا يستطيعون تحديد موقفهم، وعلى أية حال, التمديد سيؤجل الورطة فقط ولن يحلها.

إذا لم يمرر البرلمان تشريعًا جديدًا, ستغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، ومعظم المعلقين يعتبرون هذا كارثيًا, حيث إنه يعني أن الرسوم الجمركية للاتحاد الأوروبي ومجموعة مرعبة من لوائح الاتحاد ستُفرض على الصادرات البريطانية؛ في حين لن يصبح إرسال بضائع من لندن إلى باريس أو فرانكفورت بنفس سهولة إرسال بضائع من لندن إلى إدنبرة.

أظهر تصويت 15 يناير ما يعارضه أعضاء البرلمان، لكن يبدو أن هناك قدرًا ضئيلاً من الاتفاق حول ما يؤيدونه. تسعى تيريزا ماي الآن للحصول على الإجماع عبر محادثات تشمل كل الأحزاب, على الرغم من أنها لم تغير موقفها بشأن خطوطها الحمراء, تحديدًا أن بريطانيا يجب أن تغادر الاتحاد الجمركي الأوروبي (لكي تتبع سياسة تجارة مستقلة) والسوق الموحدة (لتجنب السماح بحرية الحركة للأشخاص والسلطة القضائية لمحاكم الاتحاد الأوروبي)، فيما لا ترى أحزاب المعارضة سببًا لمساعدتها.

إن حزب العمال غير مستعد للسماح لانقساماته الداخلية العميقة بالظهور علنًا عن طريق الإفصاح عن سياسة بديلة واضحة. إنه لا يسعى للإجماع بل لانتخابات عامة لعزل المحافظين عن السلطة. يسعى الديمقراطيون الأحرار لاستفتاء ثان, بينما يسعى القوميون الاسكتلنديون لاستغلال المصاعب التي تواجهها الحكومة لتعزيز قضية الاستقلال.

لا يوجد حل واضح للمشكلة والذي يمكنه تأمين دعم الأغلبية، إذا بقت بريطانيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي, ستصبح عاجزة عن توقيع اتفاقيات تجارية مستقلة، وإذا بقيت في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي, سيكون عليها قبول حرية الحركة. مع هذا, كانت السيطرة على الهجرة من الاتحاد الأوروبي أحد الدوافع الرئيسية وراء تصويت البريكست.

في هذه المرحلة, يبدو أن هناك ثلاثة بدائل فقط: الأول هو اتفاق ماي, ربما بصورة معدلة قليلًا. البديل الثاني هو أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق؛ على الرغم من أن معظم أعضاء البرلمان معارضون للبريكست بدون اتفاق, يجدون أنفسهم عاجزين عن الاتفاق على بديل. البديل الثالث هو أن يعيد البرلمان المسألة إلى الشعب في استفتاء ثان, على الرغم من أن رئيسة الوزراء عارضت حتى الآن هذه الخطوة, ومناصرو هذا الاقتراح لا يستطيعون الاتفاق على السؤال الذي ينبغي طرحه. وأخيرًا, نظرًا لأن الدولة تظل شبه منقسمة بالتساوي, فإن الاستفتاء الثاني لن يحل الصراع بالضرورة.

إن قضية مكان بريطانيا داخل (أو خارج) الاتحاد الأوروبي قضت على خمسة من آخر ستة رؤساء وزراء محافظين – هارولد ماكميلان, وإدوارد هيث, ومارجريت تاتشر, وجون ماجور, وديفيد كاميرون. وربما تكون على وشك إسقاط واحد آخر.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا