في انتظار كارثة بيئية.. ترامب يهدد “العالم” بالانسحاب من اتفاقية المناخ

كتبت – علياء عصام الدين

“من أجل أداء واجبي في حماية أمريكا وشعبها، فإننا سنخرج من اتفاقية باريس ولكن سنبدأ مفاوضات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد يكون أكثر عدلا فالاتفاقية ظالمة لأقصى حد بالنسبة لوشنطن” هكذا أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكل سهولة انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ.

لم يكن الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ أمرًا “مفاجئًا” على شخص يعتبر الاحتباس الحراري مجرد “خدعة” في دولة تعتبر أكبر الدول الملوثة في العالم.

فأمريكا المسؤولة عن أكثر من 15% من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري حول العالم تتركه في مواجهة مصيره وحيدًا.

وها هي نبوءة العلماء تتحقق على أرض الواقع بانسحاب واشنطن من اتفاقية المناخ، ويضع ترامب بهذا القرار العالم وجها لوجه في مواجهة خطر الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية ما دام الأمر لم يكن يومًا أولوية أمريكية.

يضرب ترامب بعُرض الحائط التزامات وارتباطات واشنطن في مقابل تعزيز “مصالحها”، فترامب يرى أن الاتفاقية تعيق قدرات بلاده الاقتصادية وتكلفها مليارات الدولارات وتزيد التكلفة على الشعب الأمريكي وهو الذي تعهد الخروج من أي اتفاقية لا تضع “أمريكا أولا”.

هكذا عزز رجل الأعمال ثقافته الرأسمالية في الحكم على قضية لا تقاس إلا بمعيار الأخلاق والضمير.

كثيرًا ما حذر العلماء من خطورة عقلية الرئيس الأمريكي على المناخ العالمي فدرجة حرارة الأرض من المرجح أن تصل إلى مستويات خطيرة في ارتفاعها بسبب رؤية وسياسات ترامب حول المناخ والتي أعلنها في حملته الانتخابية.

لقد أشار ترامب منذ البداية إلى أنه سيقوم بإلغاء اتفاقية باريس لمكافحة التغير المناخي التي وقعت عليها 193 دولة، في حال انتخابه رئيسا مبررًا ذلك بأن الاتفاق يضر بالشركات الأمريكية ويسمح للبيروقراطيين الأجانب بالتحكم في كمية الطاقة التي يستخدمها الأمريكيون.

يقول “كشخص يهتم بالبيئة لا أوافق على اتفاقية تعاقب أمريكا، قادة العالم في مجال حماية البيئة أوجدوا اتفاقية لا تملي أي التزامات على من ينتهكون قوانين البيئة ولسنوات طويلة تمكن البعض من فعل كل ما يريدونه، الهند تربط المشاركة بتلقي مساعدات أجنبية من الدول المتطورة وكثير من الأمثلة. الفكرة الأساسية هي أن الاتفاقية غير منصفة لأمريكا، والاتفاقية الحالية تعرقل تطوير أمريكا أو الطاقة النظيفة في البلاد، وهذا سيكون له تأثير”.

فما الاتفاق الذي نقضه ترامب “المهتم بالبيئة” على حد تعبيره!

توصيات باريس

أقرت اتفاقية المناخ في مؤتمر باريس نهاية عام 2015 من قبل ممثلي 195 دولة وهم الأعضاء في مجموعة الأمم المتحدة للتغير المناخي، بغياب سوريا ونيكاراجو.

ويشير التغير المناخي إلى تلك المخاطر الضارة للغازات أو الانبعاثات الناجمة عن الصناعات على الهواء والبيئة ككل والتي من شأنها أن تؤثر على الغلاف الجوي للأرض، وتُعنى الاتفاقية بتقليل ارتفاع درجة حرارة الأرض الناجم عن هذه الانبعاثات.

كانت الاتفاقية بمثابة نقطة تحول هامة في الحفاظ على البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري التي تهدد العالم بكوارث مناخية وكان الأول من نوعه حيث شمل دولًا نامية وهدف لوضع حدود بيئية لعمليات التنمية التي تشكل التهديد الأكبر لكوكب الأرض والاتفاق غير ملزم قانونيًا ولا يشمل فرض عقوبة على البلدان التي لا تلتزم بحدود انبعاثاتها.

وقد اتفقت الدول الموقعة عليها على الاحتفاظ بدرجات حرارة الأرض بمستوى “أقل بكثير” من مستوى 2 سي (3.6 فهرنهايت) وتقليل كمية الغازات الدفيئة المنبعثة من نشاطات الإنسان إلى المستويات ومراجعة مساهمة الدول في تقليل انبعاث الغازات كل 5 سنوات بغية قياس حجم مواجهة تحدي التغير المناخي فضلا عن تمكين الدول الغنية من مساعدة الدول الفقيرة بتمويلها لمساعدتها في التأقلم مع التغير المناخي والانتقال إلى مصادر طاقة متجددة.

أثار قرار واشنطن بالانسحاب حفيظة وخوف كثير من الدول حيث توالت ردود الأفعال الغاضبة والمترقبة للموقف الأمريكي فها هو ترامب يجعل أمريكا أولًا على حساب الكوكب بأكمله.

رفض المستقبل

أكدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أن اتفاق باريس الهادف إلى التصدى للتبدل المناخي “أساسي” مؤكدة أن بلادها ستواصل “بطبيعة الحال” تنفيذ بنوده.

وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إعلان ترامب للانسحاب بأنه “خيبة أمل كبيرة”.

ورأى زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، أن القرار هو اسوأ خطوات رسم السياسة التي اتخذت في القرن الواحد والعشرين.

وجاء رد فعل الأوربيين سريعا، فأصدر قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا بيانا مشتركًا أبدوا فيه ” أسفهم” ورفضوا فيه التفاوض على الاتفاقية من جديد والتراجع عنه كونها أداة حيوية للمجتمع والكوكب بأسره.

وعبرت كندا عن “خيبتها الشديدة” للقرار في حين أبلغت تيريزا ماي ترامب في اتصال هاتفي أنها مستاءه فالاتفاقية الاتفاقية تحمي رخاء وأمن الاجيال المستقبلية.

انتكاسة عالمية

رأت الصين أن انسحاب ترامب من الاتفاق يشكل نكسة عالمية، مؤكدة أن قرار ترامب أحادي ولن يؤثر على الدول المحيطة التي التزمت بالاتفاق ورأت فيه أولوية قصوى.

وأضافت أن تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها يدفع الدول الكبرة إلى بذل المزيد من الجهود والتشبث أكثر في مواجهة انقلاب الموقف الأمريكي على الاتفاق التاريخي.

وصفت اليابان قرار الانسحاب بـ”المؤسف” مشيرة أن ظاهرة تغير المناخ تتطلب جهداً منسقاً من المجتمع الدولي بأكمله”.

وأعرب العديد من الاقتصاديون عن خيبة أملهم من القرار مشددين على الضرورة الملحة للتحرك حيال الاحتباس الحراري ووصف داعمون للاتفاقية خطوة ترامب بأنها ضربة للجهود الدولية في إنقاذ كوكب الأرض.

وتجمع مئات الأشخاص أمام البيت الأبيض للإعراب عن غضبهم.

كان هدف واشنطن وفق ما حددته إدارة اوباما يقضي بخفض انبعاثات غاز الدفيئة بنسبة 26 الى 28% بحلول عام 2025 مقارنة وبعيدًا عن الصدمة من الانسحاب تظل مخاوف التمويل حاضرة بقوة لاسيما أن أمريكا تؤمن 23 % من ميزانية اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ أو المساعدات للدول الفقيرة.

بيد أن انسحاب أمريكا من الاتفاق لن يتم بهذه السهولة وهذه السرعة فقواعد الأمم المتحدة للاتفاقية المبرمة عام 2015، تنص على ضرورة انتظار واشنطن رسميًا حتى نوفمبر 2020 قبل الانسحاب من الاتفاقية.

ويمكن لترامب أن يضغط فترة الإجراءات الشكلية إلى عام إذا انسحب من المعاهدة الأم المبرمة عام 1992 والتي أسست لاتفاقية باريس.

وبقرار ترامب “الأرعن” تخرج واشنطن من اتفاقية عالمية تتصدى لواحدة من أهم قضايا القرن.

   

يرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قرار ترامب بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ يعد خطأ لكل من أمريكا والكوكب بأسره.

ووجه ماكرون كلمته إلى واشنطن ” لا ترتكبوا أخطاء بشأن المناخ، لا توجد خطة بديلة، لأننا لا نملك كوكباً بديلاً”.

ودعا الباحثين والعلماء الأمريكيين الذين شعروا بالإحباط لقرار “ترامب” إلى المجيء لفرنسا لمكافحة تغير المناخ.

خيبة أمل

ندد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بقرار ترامب مؤكدًا أن القرار لن يحول دون التقدم في هذا الشأن في بقية أنحاء العالم.

فالاتفاق وفق أوباما لم يكن ليبصر النور لولا أمريكا التي أختارت سابقًا مستقبل أكثر نظافة في حين فضلت القيادة الحالية أن ترفض المستقبل وتعرض كوكبنا إلى الخطر.

من جانبها وصفت مرشحة الرئاسة الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون قرار الانسحاب بـ”الخطأ التاريخي” الذي من شأنه أن يترك عمال وأسر أمريكا في الخلف بينما يسير الجميع إلى الأمام.

لا كواكب بديلة.


https://www.youtube.com/watch?v=7yxC6gBdTYk

ربما يعجبك أيضا