في جلسة استثنائية.. نجوم “وادي السيليكون” يواجهون الكونجرس

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان
يشهد الكونجرس الأمريكي، اليوم الأربعاء، جلسة استجواب استثنائية سترفع حرارة الدوائر السياسية والاقتصادية معا، إذ سيمثل أمام اللجنة القضائية بمجلس النواب بعضا من أغنى رجال العالم في التاريخ، للدفاع عن هيمنة شركاتهم على الأسواق دون منازع.

الأمر يتعلق بعمالقة التكنولوجيا الأربعة جيف بيزوس مؤسس أمازون ، وتيم كوك الرئيس التنفيذي لـ”أبل”، ومارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك، وساندر بيتشاي المدير التنفيذي لـ”ألفابيت” الشركة الأم لـ”جوجل”، المفترض أن يواجهوا الكونجرس اليوم عند الساعة 16:00 بتوقيت جرينتش، وذلك بعد أن تم تأجيل الجلسة الإثنين الماضي، نظرا لتزامنها مع جنازة جون لويس أيقونة الدفاع عن الحقوق المدنية ورفيق درب مارتن لوثر كينج.

هيمنة بلا منازع
جلسة اليوم تأتي بعد أكثر من عام من تحقيق قادته اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار التابعة لمجلس النواب، لتقييم القوة السوقية لعمالقة التكنولوجيا والوقوف على حقيقة إساءة هذه الشركات لاستخدام موقعها المهيمن في السوق ومدى احترامها لقوانين مكافحة الاحتكار، وفي حال لم يقتنع أعضاء اللجنة بإجابات النجوم الأربعة ستكون النتيجة قوانين أكثر صرامة لتنظيم عمل هذه الشركات ومنصاتها الاجتماعية والتجارية.

هذا التحقيق يمثل -بحسب وصف “الجارديان”- المرة الأولى التي يلقي فيها المشرعون الأمريكيون نظرة فاحصة على صناعة التكنولوجيا منذ التسعينيات، حيث سيطر خلال العقد الأخير جيل جديد من عمالقة التكنولوجيا على المزيد من جوانب الاقتصاد مع القليل من الرقابة والتدقيق من المشرعين، وجدير بالذكر أن هذا التحرك يرافقه تحركات خارج الكونجرس من قبل لجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل.

الجميع لديه قلق حيال القوة المطلقة التي باتت تتمتع بها شركات وادي السيليكون، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، فهذه الشركات تسيطر بلا منازع على كم هائل من المعلومات والبيانات وعلى سوق الدعاية والإعلان، وتتمتع بقيمة سوقية ضخمة،  فعلى سبيل المثال تبلغ القيمة السوقية لـ”أبل” 1.47 تريليون دولار، تليها “أمازون” بـ1.27 تريليون.

وفي حين يرى الكثيرون أن عمالقة التكنولوجيا يمارسون سياسات الاحتكار، يرى فريق الدفاع عن هذه الشركات أنها تدفع المليارات من أجل الاستمرار والحفاظ على وجودها في عصر سريع التحول، وتوجه هذه المليارات للأبحاث ولتطوير منتجات جديدة وخدمة أفضل للمستهلك أي أنها محفز للابتكار والإبداع.

بالنسبة للاقتصاد الأمريكي شركات وادي السيليكون هي نجمته المميزة بلا منازع، وواحدة من أهم انجازاته على مدى عقود، لذا كانت بعيدة إلى حد كبير عن سيف التشريعات والقوانين، أما في أوروبا على سبيل المثال واجهت هذه الشركات بعض المشاكل القانونية المتعلقة بمكافحة الاحتكار ففرض على بعضها عقوبات وعلى البعض الأخر ضرائب مشددة، ففي يوليو الماضي أٌقر البرلمان الفرنسي ضريبة على نحو 30 شركة من شركات التكنولوجيا بما فيها الأربعة الكبار، وذلك في قرار أثار حفيظة الولايات المتحدة.

أسئلة معقدة حول حماية البيانات
اليوم سيتعين على أقطاب السوق الأمريكية، الإجابة على أسئلة معقدة وهامة من نوعية هل تستغل شركاتهم بيانات العملاء لتسبق منافسيها بخطوات أو لتحقيق أغراض سياسية أو التأثير بأي حال من الأحوال في مجرى الحياة السياسية والاقتصادية.
 
مارك زوكربيرج يهيمن وحده على منصات يستخدمها عدد مهول من الأشخاص حول العالم نحو 3 مليارات شخص وهي “فيسبوك”، و”انستجرام”، و”تويتر”  و”واتس أب”، ويسعى على الدوام أما للاستحواذ على أي منصة منافسة تحقق شعبية تضاهي فيسبوك “أيقونته الأساسية” أو استنساخها، الأمر الذي يجعله ملك “التواصل الاجتماعي” بلا منازع، والذي يجعله في مرمى المشرعين فيما يتعلق بقوانين الاحتكار.

لدى شركة “فيسبوك” نحو 80 مليون معلن، خلال الشهر الماضي عندما أعلنت شركات كبرى مقاطعتها للشركة ووقف حملاتها الإعلانية لديها احتجاجا على سياساتها في التعاطي مع قضايا العنصرية وخطاب الكراهية والتحريض، طمأن زوكربيرج الموظفين بأن “جميع هؤلاء المعلنين سيعودون قريبًا”، ما الذي جعله واثقًا جدًا من أنه لن يكون أمام المعلنين خيار سوى العودة إلى شركته، سواء أصلح مشكلة خطاب الكراهية أم لا؟.

تقول “الجادريان” الأمر المدهش أن الشركة أعلنت أنها ستكون قادرة على حذف نحو 90% من أي مادة يمكن تصنيفها تحت مسمى “خطاب كراهية” أو تحريض على العنف قبل أن يتم التفاعل معها، في إشارة إلى قدارات الشركة الفعالة وغير المحدودة سواء على مستوى المستخدمين أو التأثير.

الأدوات التي تمتلكها فيسبوك بمنصاتها التابعة تجعلها قادرة على جمع بيانات تتعلق بطبيعة المستخدمين واحتياجاتهم وتفضيلاتهم الشخصية وبالتالي تصبح قادرة على صنع مادة إعلانية موجة بدقة فائقة للشرائح المستهدفة بصورة لا تتوفر لغيرها من المنافسين.

هذه الميزة تتوفر أيضا لدى جوجل وإن كانت على نطاق أقل تأثيرا عن “فيسبوك”، لكن الميزة التي تنفرد بها هي محرك البحث الشهير والمجاني “Google”،  لذا سيكون السؤال الأهم الذي يتوجب على ساندر بيتشاي الإجابة عليه اليوم، هو كيف تحترم شركتكم قوانين الاحتكار وهي تهيمن على أكثر من 90٪ من جميع عمليات البحث حول العالم؟ وهل يجب أن تمتلك شركة واحدة هذه القوة النافذة والقدرة على تحديد ما يقرأه ويبحث عنه غالبية سكان العالم بدقة فائقة؟

أمر أخر سيكون على بيتشاي الرد عليه، يتعلق بقدرة الشركة على النفاذ إلى بيانات المستهلكين لخدماتها وتفضيلاتهم بل ومعرفة تحركاتهم من خلال خدمات مثل خرائط جوجل والبريد الإلكتروني ويوتيوب، فكيف تضمن حماية هذه المعلومات وجودتها؟

قوة التجارة الإلكترونية
لجنة مكافحة الاحتكار في حالة أمازون وأبل ستكون مهتمة أكثر بمنصات المبيعات التابعة لهما، باعتبارها تقوم بوظيفة المضيف والبائع وكأنها تنافس نفسها.

أمازون وهي أكبر بائع تجزئة في العالم وأكبر شركة لخدمات الحوسبة السحابية، تهيمن بشكل واسع على جزء لا يستهان به من حركة التجارة الإلكترونية وتسمع عبر منصتها لشركات من جميع أنحاء العالم لعرض وبيع خدماتها ومنتجاتها مقابل الحصول على رسوم،  هنا يطرح سؤال حول كيف يسمح لشركة بمفردها بإدارة سوق هي جزء منه أي أنها تلعب دور الحكم واللاعب ضمن الفريق؟

لسنوات طويلة اشتكت الشركات التي تستخدم أمازون لبيع منتجاتها من احتمالات أن تستغل الشركة بيانات المستهلكين والمبيعات لإطلاق منتاجات منافسة، وفيما يتعلق بخدمات الحوسبة السحابية فلدى أمازون عملاء هم يندرجون تحت قائمة منافسيها!، وهذا أيضا يتعارض مع قوانين السوق والمنافسة العادلة، وسيتعين على جيف بيزوس اليوم، تقديم تفسير مقنع للأمر.

تيم كوك أيضا سيكون عليه تفسير عدة أمور للجنة البرلمانية، فعلى سبيل المثال وبحسب “الجارديان” هناك 900 مليون مستخدم لـ iPhone في العالم، والطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها تنزيل التطبيقات على هواتفهم هي من خلال متجر التطبيقات “أبل ستور”، الذي تتحكم فيه الشركة وتحدد نوعية التطبيقات المتاحة عليه وتحتكر بعضها بحيث لا يعمل إلا على نظام التشغيل الخاص بها، كما تقوم أيضا بإغلاق بعض التطبيقات في حال رفض المطورين دفع رسوم مبالغ فيها نظير توفيرها على “أبل ستور”، وهنا يطرح سؤال حول مقدار الحرية المتوفرة لمستهلكي أبل في الحصول على الخدمات والتطبيقات المختلفة.

الشهر الماضي، اعتبر مطورو تطبيق Hey من أن سياسة أبل المتمثلة في الحصول على عمولة بنسبة 30% على التطبيقات المدفوعة وعمليات الشراء داخل التطبيق “سرقة واضحة”، وأوضحوا أنهم عندما رفضوا استخدام أدوات الدفع المتاحة داخل التطبيق تم حظره من قبل أبل، وعاد بعض مفاوضات وجدل واسع، هذا الأمر يكشف على مدى سيطرة الشركة على السوق وتمتعها بميزات تنافسية واسعة.

كوك أيضا من المتوقع أن يطلب منه تفسير لماذا لم تتوقع أبل عن التعاون مع طلبات الحصول على بيانات المستخدمين من قبل سلطات إنفاذ القانون في هونج كونج بعد تمرير الصين لقانون الأمن القومي المثير للجدل، على غرار غيرها من شركات التكنولوجيا، فهل اعتماد أبل على الصين كسوق كبير يعرض التزامها بحقوق الإنسان للخطر؟ وهل تقوم أبل بمد بكين ببيانات المعارضين؟

ربما يعجبك أيضا