في ذكرى ميلاده.. “أبو عمار” صفحة خالدة في تاريخ النضال الفلسطيني

حسام السبكي

حسام السبكي

تحل، اليوم الثلاثاء، الموافق للرابع من أغسطس، الذكرى الـ91 لميلاد واحد من أبرز رموز النضال العربي والفلسطيني، في الصراع الذي يمثل بؤرة التوتر التاريخي في منطقة الشرق الأوسط، ولُب الأزمات فيها، خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا مع انتفاضتي 1987 ثم 2000، واللتين مثلتا نقطة تحول في مسار الصراع العربي الفلسطيني، من داخل الأراضي المحتلة، كان الشهيد “أبو عمار”، أحد اللاعبين الرئيسيين والمشاركين الأساسيين فيها.

الشهيد ياسر عرفات

هو “محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني”، عرفه الناس مبكرا باسم “محمد القدوة”، واسمه الحركي “أبو عمار” ويُكنّى به أيضًا.



ولد عرفات، في الرابع من أغسطس، من العام 1929، واختلفت المصادر في محل ميلاده، حيث تراوحت ما بين العاصمة المصرية القاهرة، أو مدينة القدس المحتلة، إلا أن أغلبها تتحدث عن ميلاده لأسرة لأسرة فلسطينية في القاهرة.

أبوه عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني من غزة، وجدته مصرية، وكان أبوه يعمل في تجارة الأقمشة في حي السكاكيني، وكان عرفات هو الولد السادس للأسرة الفلسطينية المكونة من سبعة أفراد، ونسبه من جهة أمه يتفرع من عائلة الحسيني، التي تعتبر من الأسر المقدسية المعروفة والتي برز بعض أفرادها في التاريخ الوطني الفلسطيني، قضى عرفات مراحل طفولته ومرحلة شبابه الأولى في القاهرة.

يُحكى عنه، أنه لم يعش، طفولته وشبابه كسائر أقرانه وزملائه؛ فقد كانت اهتماماته تختلف عنهم، وكان مولعاً بالسياسة، والشؤون العسكرية.

تاريخ نضالي

وعن النضال العسكري، فحدث ولا حرج، إلا أنه قبل ذلك، ينبغي الإشارة إلى تاريخه التعليمي، ففي سن السابعة عشرة من عمره، قرر الدراسة في جامعة الملك فؤاد (جامعة القاهرة حاليًا)، فدرس الهندسة المدنية، وتخرج في عام 1950.

تعرض الشهيد ياسر عرفات لمحاولات اغتيال عدة، أبرزها عام 1981عندما أقدمت القوات الإسرائيلية على قصف مبنى مقر قيادته في “الفاكهاني” ببيروت، والتي نتج عنها تدمير المبنى بالكامل، ويدفن تحت أنقاضه أكثر من مئة شهيد.

وفي بيروت أيضا، حاصر جيش الاحتلال الإسرائيلي مكاتب منظمة التحرير والعديد من كوادر المقاومة على رأسهم الشهيد ياسر عرفات، طيلة 80 يوماً، أبدى خلالها صمودا ومقاومة وتصديا لم يسبق له مثيل، وبعد وساطات عربية ودولية خرج أبو عمار ورفاقه إلى تونس المقر الجديد لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في المنفى.

وهناك لاحقته إسرائيل قاصدة اغتياله، حيث قصفت 8 طائرات إسرائيلية مقر قيادته في حمام الشط بتونس في الأول من أكتوبر 1985، ودمرته بالكامل.

أعلن ياسر عرفات من الجزائر في 15 نوفمبر 1988، استقلال “دولة فلسطين” وعاصمتها القدس الشريف في خطابة الشهير خلال الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني.

بعد27 عاما عاد ياسر عرفات من المنفى لتحتضنه أرض الوطن، استهلها بزيارة إلى قطاع غزة، ومدينة أريحا وكان ذلك عام 1994 قبل عودته النهائية للاستقرار في الوطن ليبدأ بعدها معركة بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية.

انتُخب عام 1996 رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية بحصوله على نحو 88% من أصوات الناخبين التي جرت للمرة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس الشرقية.

بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 تعرض لحملة ممنهجة قادها ضده أرئيل شارون ووصمه بالإرهاب، وفي عام 2001 منعته “إسرائيل” من مغادرة رام الله وبدأت فعلياً فرض حصار عليه فيها.

حاصرته قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء اجتياح مدن الضفة عام 2002، ومن كانوا برفقته داخل مقره بالمقاطعة في مدينة رام الله، وأطلق الجنود القذائف والرصاص التي طالت جميع أركان المبنى حتى وصل الرصاص إلى غرفته شخصيا، واستشهد أحد حراسه وأصيب آخرون بجروح، ولم ينسحبوا إلا بعد تفجير آخر مبنى فيها.

عاد الاحتلال لمهاجمة مقر الشهيد ياسر عرفات من جديد وقاموا باحتلال مبنى المقاطعة طيلة ستة أيام وشنوا عليه عمليات قصف بالمدفعية الثقيلة، ودعت حكومة الاحتلال إلى التخلص من عرفات، بقتله أو إبعاده أو سجنه وعزله.

نهاية مريبة

أما عن النهاية، فكانت مثيرة، وتحمل في طياتها خيوطًا لمؤامرة إسرائيلية، حيث تدهورت صحة الشهيد عرفات، في عام 2004، وقرر الأطباء نقله إلى فرنسا للعلاج، وأدخل إلى مستشفى بيرسي العسكري، مع تزايد الحديث عن احتمال تعرضه للتسمم، وبقى فيه إلى أن استشهد فجر الخميس الحادي عشر من نوفمبر 2004.

وفي تلك الفترة دخل في نقاشات مع يهود وصهاينة، وأصبح أكثر معرفة باليهودية والصهيونية بعد قراءته لأعمال كُتاب يهود منهم تيودور هرتزل.

في أثناء حرب 1948 ترك عرفات الجامعة، وذهب إلى فلسطين مع غيره من العرب وسعى للانضمام إلى الجيوش العربية المحاربة لإسرائيل، وبعد ذلك حارب مع الفدائيين الفلسطينيين، حيث شارك في تهريب الأسلحة والذخيرة من مصر إلى الثوار في فلسطين، ولكنه لم ينضم رسميا لأي منظمة. كما قاتل إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين.

ومع كفاءته العسكرية، عُين ضابط استخبارات في “جيش الجهاد المقدس” الذي أسّسه عبد القادر الحسيني، ثم انضم إلى الجيش المصري في حربه الرئيسية التي كانت في غزة.

وفي بداية عام 1949 كانت الحرب تتقدم في الحسم لصالح إسرائيل، وفي تلك الأثناء عاد عرفات إلى القاهرة بسبب نقص الدعم اللوجستي.

بعد عودة عرفات إلى الجامعة، واصل نشاطه السياسي، فتم انتخابه رئيسًا لاتحاد الطلاب الفلسطينيين أو “رابطة الطلاب الفلسطينيين” في القاهرة من عام 1950 وحتى عام 1952، قبل أن يتخرج عام 1955، ليؤسس بعدها رابطة الخريجين الفلسطينيين، والتي كانت محط اهتمام كبير من الإعلام المصري.

عن نضال أبو عمار أيضًا، نجد أنه شارك إلى جانب الجيش المصري في صد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وعمل ضابطا احتياطيا في وحدة الهندسة في بور سعيد.

وفي أواخر عام 1957، سافر الشهيد ياسر عرفات مع عدد من رفاق دربه ومنهم الشهيد خليل الوزير “أبو جهاد” إلى الكويت للعمل مهندساً، لكنه أولى معظم وقته وجهده للأنشطة السياسية، وحمل هم القضية الفلسطينية، وشهدت تلك المرحلة تأسيس خلية ثورية أطلق عليها اسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”.

كما عمل في تلك الفترة على إصدار مجلة “فلسطيننا- نداء الحياة” والتي تحمل الهم الفلسطيني، وبقي على اتصال دائم بالقيادات العربية للاعتراف بالحركة ودعمها وإكسابها الصفة الشرعية إلى أن تكللت محاولاته بالنجاح، مع افتتاح أول مكتب للحركة عام 1963، وبعدها بعام أسس المكتب الثاني في دمشق، وشارك في المؤتمر التأسيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس عام 1964 كممثل عن الفلسطينيين في الكويت.

أطلق الشهيد عرفات مع رفاق دربه في “فتح” الكفاح المسلح بتاريخ 31 يناير من العام 1964، من خلال تنفيذ أولى العمليات العسكرية وعرفت بـ “عملية نفق عيلبون”، حيث تمكن من دخول الأرض المحتلة يوليو 1967، بعد شهر على سقوطها بيد الاحتلال عبر نهر الأردن، ليشرف بنفسه على عمليات الكفاح المسلح ضد الاحتلال.

قاد عرفات الثورة الفلسطينية التي تصدت لقوات الاحتلال في معركة الكرامة التي دارت رحاها في بلدة الكرامة الأردنية عام 1968 ونجا خلالها من محاولة إسرائيلية لاغتياله، وقال عنها إنها “شكلت نقطة انقلاب بين اليأس والأمل، ونقطة تحول في التاريخ النضالي العربي، وتأشيرة عبور القضية الفلسطينية لعمقيها العربي والدولي”.

حياة سياسية مشرفة

من الكفاح العسكري، إلى النضال السياسي، انتقل الشهيد ياسر عرفات، حيث عينت حركة “فتح” الشهيد متحدثا رسميا باسمها في 14 أبريل 1968، وفي بداية شهر أغسطس من العام ذاته عينته القائد العام للقوات المسلحة لحركة فتح  “قوات العاصفة”.

في عام 1969 انتخب أبو عمار رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وشارك في القمة العربية الخامسة في العاصمة المغربية الرباط، وشهدت القمة للمرة الأولى وضع مقعد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الصف الأول أسوة برؤساء وقادة وملوك الدول العربية الأخرى، ومنحت المنظمة حق التصويت في القمة.

بعد انتهاء الوجود الفلسطيني المسلح في الأردن، انتقل عرفات إلى لبنان، وشارك بصفته رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة في مؤتمر القمة الرابع لحركة عدم الانحياز الذي عقد في الجزائر عام 1973، حينها قرر المؤتمر الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني، وانتخب عرفات نائباً دائماً للرئيس في حركة عدم الانحياز.

وبعد أن كرس مكانة المنظمة ونالت الاعتراف من معظم الدول، ألقى خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 نوفمبر من عام 1974، حينما قال عبارته التاريخية في ختام الخطاب: “جئت حاملاً غصن الزيتون في يد، وفي الأخرى بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي”.

ربما يعجبك أيضا