في مطماطة التونسية.. باطن الأرض ليس حكرًا على الأموات

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

ليس كل غريب جميل، وليس كل جميل غريب.. لكن الجمال في منازل مدينة مطماطة التونسية أو ما يطلق عليها “منازل الكهوف”، والتي تعود إلى تراث المجتمعات الأمازيغية التي سكنت هناك، يكمن في الغرابة ذاتها، غرابة دحض فيها من سكن هذه الكهوف مقولة أن باطن الأرض للأموات فقط.

ولم يكون الجمال بالضرورة هاجسهم، لكنهم خلفوا مساكن أظهرت بعد مئات السنين عظم ما أقدموا عليه، فالصور تبلغ مشهد من قديم الزمان، حيث سكن الأمازيغ باطن الأرض للتخفي عن الغزاة ولمواجهة قسوة الطبيعة.

صاخبة الحياة في باطن الأرض.. حفر الأمازيغ الصخر ووشموا الأيدي وطبعوا في الذاكرة صور لا تنسى، وكلها في قالب وصفوه بحياة الحرية الثائرة التي عاشوها على مر الزمان، لكن قسوة الذاكرة كما قسوة الحياة تدفعهم للتندر على كل شيء، على الغزاة الذين ضللوهم في ممراتهم السرية تحت الأرض وحتى على أنفسهم.

أهل هذه البلاد على تواضع ما يملكون، مسكونون بالخوف من الحسد، فكل ما ارتبط بالطبيعة، يساعد في طرد النفس الشريرة كما يسمونها، لذا رموز الطبيعة توجد بوفرة في مطماطة، قد يكونون محقين فمن يأتي إليها سيغبطهم بلا شك على معيشة قل نظيرها، لكن العيش البسيط هذا غزته الحداثة في بعض جوانبه الشكلية، أما الثقافة فحية فيه.

تقع منطقة مطماطة ذات الأغلبية الأمازيغية بمحافظة قابس جنوب شرق تونس، وهي تقع في منطقة تنتشر فيها أشجار النخيل وبساتين الزيتون على مسافة 365 كم جنوب العاصمة.

“أَثْوَبْ”

أطلق الأزمازيغ على منظقة مطماطة اسم “أَثْوَبْ” وهي كلمة أمازيغيّة تعني أرض السعادة والهناء، وقيل إنّها سميت “مطماطة” على اسم قبيلة أمازيغية قديمة، لم تستطع أن تقاوم جحافل بني هلال، هاجر أهلها إلى هذه المنطقة الوعرة، وحفروا بيوتهم في باطنها حتى لا يراهم أحد، وكي يتأقلموا مع المناخ، فباطن هذه الحفر كان دوما رطبا في الصيف، ودافئا في الشتاء.

اكتسبت مطماطة شهرتها العالمية من خلال فيلم “حرب النجوم”، الذي صوّر في بيوتها الغريبة عام 1970, وبدت بيوتها على الشاشة مثل أصداء كوكب خيالي لم يوجد أبدا.

وفي السنوات الماضية، تسببت هجرة سكان الكهوف في تناقص أعداد من يعيشون فيها، وتقول الأسر القليلة الباقية إنها متعلقة ببيوتها وبالأرض، ولا مجال أمامها للانتقال من المنطقة.

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، رحلت أسر كثيرة عن “بيوت الكهوف”، عندما بنيت مدن وقرى جديدة في إطار حملة التحديث التي قادها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، فيما اعتقد البعض الآخر من السكان أن بورقيبة أراد خلخلة مجتمعاتهم الأمازيغية سعيا لدمجهم في الدولة بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1956.

ربما يعجبك أيضا