قراءة في قمتي «الناتو» و«الـ7» وأزمة المناخ بأوروبا.. جولة بمراكز بحثية

رنا أسامة

قمتا الناتو والسبع تكشفان عن أن الإرادة السياسية لدعم أوكرانيا لا تزال عالية لكنها لم توقف الحرب


قبيل انعقاد قمتي مجموعة السبع (جي 7) وحلف شمال الأطلسي (ناتو) الأسبوع الماضي، توقعت روسيا ومُراقبون خفض الدعم الغربي لأوكرانيا، مع استمرار التضخم وارتفاع أسعار الطاقة عالميًّا.

روسيا توقعت أيضًا تصاعد العراقيل السياسية المحلية في أمريكا ودول أوروبية، لكن تلك التوقعات خابت خلال القمتين، وبدلًا من ذلك، حشدت الديمقراطيات الكبرى قوتها الاقتصادية والعسكرية ردًّا على ما عدته “عدوانًا روسيًّا واسع النطاق” ضد أوكرانيا وأوروبا، بقرارات بعضها جاهز للتنفيذ.

ضغط اقتصادي على روسيا.. وتعزيز لقوة الناتو

قررت مجموعة الـ7 زيادة الضغط الاقتصادي على موسكو بإجراءات شملت حظر شراء الذهب الروسي، وقمع أي محاولة للتهرب من العقوبات، بجانب فرض قيود تصدير جديدة على منتجات تكنولوجية فائقة لروسيا، ووضع تعريفات جديدة على واردات المنتجات الروسية، فضلًا عن النظر في وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي، واستخدام الاحتياطيات الروسية المجمدة لأوكرانيا.

وفي خِتام قمة الناتو بمدريد يوم 30 يونيو 2022، وصفت روسيا بأنها “التهديد المباشر الأكثر أهمية لأمن الحلفاء”، مُعلنة قرارات من شأنها أن تُعزز القوة العسكرية للحلف الدفاعي، بما في ذلك تكثيف الانتشار الأمريكي في الجناح الشرقي للحلف، مع استعداد كندا وبريطانيا وألمانيا لزيادة انتشارها في دول البلطيق، إلى جانب دعوة فنلندا والسويد للانضمام رسميًّا للحلف.

لا تقدّم كبير.. والحرب مُعلقة

قال دانيال فريد، مُنسق سياسية العقوبات خلال إدارة باراك أوباما، إن القمتين تكشفان أن الإرادة السياسية لدعم أوكرانيا ما تزال عالية، حتى مع الأخذ في الاعتبار الشكوك حول ارتفاع الأسعار، واستخدام الاحتياطيات المجمدة لأوكرانيا، وانتشار الناتو في البلطيق، لكنها لم توقف الحرب، مع تقدّم القوات الروسية شرقي أوكرانيا.

ورأى في تحليل كتبه بتاريخ 1 يوليو 2022 بالمجلس الأطلسي، أن قمتيّ الناتو والسبع لم يُحرزا تقدمًا كبيرًا في وتيرة أو مدى الأسلحة والذخائر الأمريكية والغربية الأخرى لأوكرانيا. أضاف فريد: “من المؤكد أن المؤسسات الرائدة في العالم الحر قدّمت كثيرًا هذا الأسبوع لكن الحرب لا تزال معلقة”.

الحرب الروسية الأوكرانية.. القشة التي قصمت ظهر البعير

فيما الحرب الروسية لأوكرانية مستمرة منذ أكثر من 120 يومًا، نجت مناطق قليلة من تداعياتها الاقتصادية، لكن أمريكا اللاتينية ليست استثناءً. وقال أستاذ العلاقات الدولية بمؤسسة جيتوليو فارجاس في ساو باولو، أوليفر ستينكل، إن الحرب قد يكون لها تأثير عميق في حياة سكان تلك المنطقة التي عانت خلال جائحة فيروس كورونا، وزادت مستويات الفقر بها، مع تعطل سلاسل التوريد العالمية وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية.

وأضاف ستينكل في تقرير بمركز كارنيجي للشرق الأوسط، بتاريخ 23 يونيو 2022: “الحرب في أوكرانيا تخاطر بأن تكون، بالنسبة إلى عديد من بلدان المنطقة، القشّة التي قصمت ظهر البعير، فيما يُفرز عدم الاستقرار السياسي بجميع أنحاء تلك المنطقة 3 قضايا مُقلقة”.

قضايا مُقلقة

أولى القضايا المُقلقة، بحسب التقرير، ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة الذي له باع طويل في تأجيج السخط العام والاحتجاج السياسي بأمريكا اللاتينية، وسط ترجيحات بأن تُسهم الحرب بأوكرانيا في انخفاض معدلات التأييد لحكومات تلك المنطقة، التي سجّل اقتصادها لسنوات أسوأ أداء مقارنة بأي بُقعة أخرى بالعالم تقريبًا.

أما القضية الثانية فتتمثل في إضعاف الحرب للنمو الاقتصادي بأمريكا اللاتينية، بما يمكن أن يُفاقم الاستياء الشعبي. وتوقّع صندوق النقد الدولي معدل نمو 2.5%، مقارنة بـ4 إلى 5% أو أعلى لمناطق أخرى، بحسب التقرير.

تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أمريكا اللاتينية scaled

مُعضلة أمام حكومات أمريكا اللاتينية

القضية الثالثة المُقلقة، وفق التقرير، تتمثل في تدهور العلاقات بين الغرب وروسيا الذي يخلق معضلة أمام حكومات أمريكا اللاتينية، في وقت سعت فيه معظمها لتجنب الانحياز إلى طرف بعينه، حرصًا منها على حماية علاقاتها التجارية مع الغرب والصين وروسيا، وهو ما يفسر سبب انتقاد حكومات عديدة بأمريكا اللاتينية للعقوبات الغربية ضد موسكو.

في هذا السياق، رجّح التقرير أن تُعقّد تداعيات الحرب في أوكرانيا جهود أمريكا اللاتينية للتغلب على فصل مليء بالتحديات الاستثنائية في تاريخها الحديث، التي شكّلتها جائحة كورونا المُدمرة، ومستويات الفقر الآخذة في الارتفاع، إلى جانب صعود الشعبوية، واستمرار تآكل الديمقراطية بجميع أنحاء المنطقة.

الحرب أفسدت سياسة المناخ الأوروبية

في حين غيّرت الحرب الروسية الأوكرانية كل شيء تقريبًا بالنسبة لأوروبا والعالم كله، قالت سوزي دينيسون من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنها أفسدت سياسة المناخ الأوروبية بإضعاف التزام حكومات القارة العجوز بأهداف الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمناخ.

وأشارت في تقريرها المنشور بتاريخ 27 يونيو 2022، إلى أن قادة الاتحاد الأوروبي يواجهون تحديات رئيسة، بما في ذلك خفض الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية سريعًا، بما قد يسمح لدوله الأعضاء بحظر واردات النفط، رُبما الغاز الروسي، إلى جانب بناء شراكات جديدة مع دول ثالثة لحماية أمن الطاقة الأوروبي على المدى الطويل، والعمل على إحياء الصفقة الأوروبية الخضراء.

أجندة الاتحاد الأوروبي للمناخ

افتقار أوروبي إلى الشجاعة السياسية

في حين يملك الأوروبيون أفكارًا جيدة عديدة حول إزالة الكربون، نوّهت دينيسون بافتقارهم للشجاعة السياسية للوفاء بالتزاماتهم المتعلقة بالمناخ، التي أضحت ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى”. لمعالجة هذا القصور، أوضحت أنه يجب عليهم تبنّي تعريف مُحدد لأمن الطاقة يشمل الطاقة النظيفة، وعقد شراكات مُستدامة مع دول الجوار الأوروبي وخارجه لتوريد المواد الخام اللازمة للتقنيات الخضراء.

وتوقّعت أن ينحصر اعتماد الأوروبيين على الكربون على المدى الطويل، داعية القادة الأوروبيين لتكثيف جهودهم لبناء أمن طاقة نظيف ومستدام عمليًّا، ليس نظريًا فقط، فضلًا عن معالجة التحدي المناخي باعتباره مسألة تتعلق بسيادة الاتحاد الأوروبي للطاقة، مع الحاجة لقيادة فكرية قوية لإحداث هذا التغيير.

الصادرات الدفاعية الفرنسية لأوروبا.. انخفاض ملحوظ

عرجت محللة أبحاث الدفاع والتحليل العسكري بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، شارلوت لو بريتون، على نمو الصادرات الدفاعية الفرنسية لجميع مناطق العالم تقريبًا خلال الفترة من عاميّ 2000 إلى 2001، باستثناء أوروبا التي شهدت انخفاضًا في المبيعات الفرنسية.

وقالت لو بريتون في تقريرها المنشور بتاريخ 1 يوليو 2022، إن فرنسا حققت مبيعات كُبرى عالميًّا في قطاعات عالية القيمة، منها طائرات مُقاتلة وسفن بحرية، لكنها لم تحظَ بالنجاح نفسه بأوروبا، لأن طلبات الدول الأوروبية لشراء مروحيات عسكرية فرنسية الصنع محدودة. وتوقفت صادرت الطائرات الهليكوبتر من طراز “إن إتش 90” بعد عام 2007، وأيضًا لم تتحقق الطموحات المعقودة على المروحية الهجومية “تايجر”.

الصادرات الدفاعية الفرنسية لأوروبا

3 عوامل

ذكر التقرير 3 عوامل تفسر انخفاض الصادرات الدفاعية الفرنسية إلى أوروبا، أولها التنافسية العالية بالسوق الأوروبية، خصوصًا في القطاعات عالية القيمة كالطائرات المقاتلة وطائرات القوات البحرية، وثانيها نهج فرنسا تجاه التعاون الدفاعي الأوروبي والصادرات الأوروبية، المدفوع غالبًا باعتبارات تجارية، في وقت بدأت فيه استراتيجية العروض الفرنسية ذات الشراكة طويلة الأمد تدفع العملاء باتجاه المنتجات الأمريكية.

ويتمثل العامل الثالث في انخفاض الإنفاق الدفاعي الأوروبي بعد عام 2008، الذي يرجع جزئيًّا إلى نتائج تقييم أجرته دول أوروبية عديدة خلص إلى أن بيئتها الأمنية كانت آمنة نسبيًّا، ما تسبب في انخفاض الفرص أمام الشركات الدفاعية بالمنطقة خلال 8 أعوام، حتى بدأ الإنفاق الدفاعي الإقليمي في النمو مجددًا من عام 2016.

نمو محتمل

توقع التقرير أن تنمو الصادرات الفرنسية لأوروبا مع استمرار أو بدء عمليات تسليم صفقات عالية القيمة جرى توقيعها مؤخرًا، مُشيرًا في هذا الصدد إلى تأمين إنتاج طائرات رافال حتى نهاية العقد بموجب عقود أبرمتها فرنسا منذ عام 2015، مع دول من بينها كرواتيا واليونان.

ويمكن لصفقات بيع مركبات مُدرعة فرنسية إلى بلجيكا، أن توفر نموذجًا لصفقات أخرى مع عملاء أوروبيين مُحتملين، في وقت أحدثت فيه الحرب الروسية الأوكرانية تغييرات جذرية في خطط الإنفاق الدفاعي الأوروبية.

وتوجد توقعات بخلق مزيد من الفرص لشركات فرنسية، على أن تعتمد قوة الصادرات الفرنسية للمنطقة في المستقبل على نجاح عدد من المبادرات الأوروبية، لعل أبرزها نظام القتال الأرضي الرئيس بالشراكة مع ألمانيا، ونظام القتال الجوي المستقبلي بالشراكة مع ألمانيا وإسبانيا، وفق التقرير.

ربما يعجبك أيضا