كاب إكس| من الروهينجا إلى الأويغور.. لا يمكن للعالم أن يتغاضى عن مآسي الإبادة الجماعية

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

"لن تتكرر أبدًا".. تلك الكلمات المصيرية قالها زعماء العالم بعد الإبادة الجماعية في رواندا وسريبرينيتشا قبل ربع قرن. ولكن بعد أقل من ثلاثة عقود، عادت جملة "لن تتكرر أبدًا" مرة أخرى في ميانمار والصين. لقد تحدث الخبراء، إلا أن العالم فشل في فعل أي شيء آخر غير نفض يديه.

فقبل ثلاث سنوات، شن جيش ميانمار حملة عسكرية أجبرت أكثر من 700 ألف من الروهينجا على الفرار عبر الحدود إلى بنجلاديش. وبينما قُتل الآلاف، تعرضت أعداد غير معروفة من النساء والفتيات للاغتصاب، فيما أبلغ الناجون عن حرق رضع وأطفال، واصطف القرويون ليُقتلوا رميًا بالرصاص.

عندما زرت مخيمات اللاجئين في بنجلاديش بعد ستة أشهر بقليل، كانت القصص التي سمعتها مروعة. التقيت بأشخاص مثل "خالدة" البالغة من العمر 16 عامًا، التي، عندما دخلت كوخها المصنوع من الخيزران، كانت ملقاة على الأرض مشلولة، وغير قادرة على الجلوس. أخبرتني أنه عندما هاجم جيش بورما قريتها في أغسطس 2017، قتلوا 300 قروي، بينهم والدها وشقيقها وشقيقتاها.

أطلق الجنود النار على "خالدة" عدة مرات واختفت بين الجثث، فيما تمكن شقيقها "محمد" البالغ من العمر 18 عامًا من الفرار قبل أن يأتي الجيش، وعندما عاد، وجد مشهدًا لمذبحة كاملة. وبين الجثث وجد شقيقته، وبمساعدة القرويين، نقل "خالدة" إلى بنجلاديش، حيث تمكنت من تلقي بعض العلاج الطبي والمأوى.

قابلتُ إمامًا وأنا أسير في المخيم، وسألته عما إذا كان قد تعرض لاضطهاد ديني. اغرورقت عيناه بالدموع. وقال إنه قبل إحراق المسجد، أخذ جنود جيش ميانمار مصحفًا و"لعبوا به كرة القدم" ثم مزقوه إربًا.

جلستُ في كوخ آخر من الخيزران مع شاب يدعى "نورول". وذكرني: "لم يبدأ العنف في 25 أغسطس 2017. لقد تعرض الروهينجا للتمييز في ميانمار منذ الانقلاب العسكري في عام 1962. ومنذ ذلك الحين كانوا ينفذون خططًا لطردنا واحدًا تلو الآخر. لقد بدأ ذلك قبل ولادتي. لكن العنف أصبح لا يطاق. الناس يموتون والمقابر ممتلئة. ماذا عسانا نفعل؟!".

إشارات تحذير

ظهرت بذور الإبادة الجماعية للروهينجا منذ سنوات، لكن لم يهتم إلا القليل. ففي عام 2008، زرت مخيمات اللاجئين في بنجلاديش وسمعت الناس يقولون: "البورميون يقولون لنا: أنتم بنغاليون، عودوا إلى بنجلاديش"؛ فيما يقول لنا البنغاليون: أنتم من ميانمار، عُودوا إلى ميانمار.. إننا محاصرون بين التمساح والثعبان".

منذ أن جرد قانون الجنسية في ميانمار، الصادر في عام 1982، الروهينجا من حقوقهم في البلد الذي كان موطنهم، وجعلهم عديمي الجنسية، جرى تمهيد الطريق إلى الإبادة الجماعية. وتحولت القيود المفروضة على الحركة والزواج والحصول على التعليم والرعاية الصحية إلى تهميش وتمييز وتجريد من الإنسانية وتطهير عرقي ثم إبادة جماعية في النهاية.

ومر الأمر كما لو أن العالم لم يكن على علم بذلك. كان ينبغي للعنف الذي تصاعد ضد الروهينجا في عام 2012 أن يوقظ الضمائر؛ كان من المفترض أن تكون المذابح التي أعقبت ذلك قد دقت ناقوس الخطر، إذ كان الهجوم العسكري الذي شنّه الجيش عام 2016، مجرد مقدمة لمذبحة عام 2017.

قبل الإبادة الجماعية عام 2017، وصف "زيد رعد الحسين"، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان المنتهية ولايته، ما حدث في عام 2016 بأنه "مثالٌ صارخٌ على التطهير العِرقي"، فيما قالت المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، "يانجي لي" إنها رأت في تلك الأحداث "السمات المميزة للإبادة الجماعية".

وفي عام 2018، اتهمت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة جنرالات ميانمار بارتكاب إبادة جماعية ضد الروهينجا، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد الأقليات العرقية في ولايتي كاشين وشان، ودعت إلى ملاحقتهم قضائيًّا على الأعمال التي "ترقى بلا شك إلى أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي".

والآن هناك قضية مرفوعة في محكمة العدل الدولية؛ فيما فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا، كما يتم متابعة العديد من السبل القضائية الأخرى. ومع ذلك، فإن عجلات العدالة تتحرك ببطء، وذلك إن وُجدت أصلًا.

بعد ثلاث سنوات من الفظائع التي ارتكبت ضد الروهينجا، والتي تحل ذكراها اليوم– وخمس سنوات بعد العراق، وأكثر من عقدين من مذابح رواندا والبوسنة – يبدو أن العالم لم يحرز أي تقدم في مكافحة ما يُعرف بجرائم الفظائع الجماعية. لا أحد يقول بأن هذا سهل. لكن يمكن أن يشمل مزيجًا من العقوبات المستهدفة، والمشاركة الدبلوماسية، والمقاضاة، إذا أمكن تفعيل أدوات العدالة العالمية، ولو كان ذلك بصعوبة. ذلك أن وضع حد للإفلات من العقاب أمر حيوي.

جرائم الصين

وننتقل إلى الاضطهاد المعاصر للأويغور في الصين، والذي ربما ثبت أنه إبادة جماعية، وقد كتبت عنه سابقًا في CapX.

وتتضمن اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 أمثلة على الأساليب التي يمكن أن تؤدي إلى الإبادة الجماعية، بما في ذلك "فرض تدابير تهدف إلى منع المواليد" داخل مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، و"النقل القسري لأطفال المجموعة إلى مجموعة أخرى"، أو "الأذى العقلي لأعضاء المجموعة"، و"تعمد إلحاق ظروف معيشية يُقصد بها إحداث تدمير مادي كليًّا أو جزئيًّا"، وبالطبع قتل أعضاء المجموعة. إذا تم ارتكابها ضد مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، فيجب تصنيف ذلك على أنه إبادة جماعية.

ومن الأدلة التي جمعها العديد من الخبراء في السنوات الأخيرة – لا سيما الباحث "أدريان زينز"، والمعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية، ومشروع الأويغور لحقوق الإنسان، وهيومان رايتس ووتش وغيرها – فقد ارتُكِبَت جميع هذه الأساليب الخمس ضد الأويغور. يوجد ما لا يقل عن مليون من الإيغور في معسكرات الاعتقال، وهناك تقارير منتشرة حول السخرة، كما تم الكشف عن حملة تعقيم قسري لنساء الإيغور. كما أن الأويغور، كمسلمين، يُجبرون على تناول الطعام أثناء الصيام، وشرب الكحول، بالإضافة إلى تدمير مساجدهم ومقابرهم ومواقعهم الدينية بالجرافات.

هناك حاجة إلى تحقيق دولي طالب به حوالي 76 من القادة الدينيين، بقيادة رئيس أساقفة كانتربري السابق "روان ويليامز". و"الإبادة الجماعية" ليس مصطلحًا يجب استخدامه باستخفاف؛ لذا فنحن بحاجة إلى إثبات بما لا يدع مجالًا للشك من الناحية القانونية مستوى الجريمة الفظيعة التي يواجهها الأويغور.

ينبغي بعد ذلك تطبيق عقوبات مستهدفة على غرار "قانون ماغنيتسكي" ضد مسئولي النظام الصيني القائمين على هذه الجرائم، كما دعا إلى ذلك مؤخرًا تقرير جديد صادر عن لجنة نقابة المحامين لحقوق الإنسان في إنجلترا وويلز. لقد فعلت الولايات المتحدة ذلك بالفعل من خلال قانون الأويغور، وبريطانيا ودول أخرى لديها الآن تشريعات على غرار ماغنيتسكي.

ينبغي مساءلة الصين بموجب التزاماتها بالمعاهدات الدولية، بما في ذلك كونها دولة موقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حقوق الطفل، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

يجب على الأمم المتحدة أن تتصرف بناءً على دعوة صدرت مؤخرًا من قبل أكثر من 50 من المقررين الخاصين العاملين في الأمم المتحدة لإنشاء آلية لحقوق الإنسان خاصة بالصين، ويجب ممارسة ضغط المستهلك على الشركات التي تمارس نشاطًا تجاريًّا في الصين لضمان عدم مشاركة اسم علامة تجارية دولية في سلاسل التوريد القائمة على عمل الأويغور بالسخرة، كما يجب الضغط على اللجنة الأولمبية الدولية لسحب حق بكين في استضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022.

استجابة متعددة الأطراف

وبالنسبة إلى الروهينجا أيضًا، ينبغي أن تكون توصيات تحقيقات الأمم المتحدة بمثابة نقطة انطلاق للعمل المنسق. إن العقوبات المستهدفة ضد الشركات المملوكة للجيش في ميانمار– بدلًا من حظر السفر الرمزي ضد الجنرالات – ستكون الخطوة التالية الأكثر فاعلية.

إن الفشل في التصرف بسرعة وقوة ردًّا على الإبادة الجماعية للروهينجا أعطى الصين الضوء الأخضر لتصعيد حملتها ضد الأويغور، كما أن الفشل في الوقوف في وجه الصين سيشجع دكتاتوريات الإبادة الجماعية الأخرى على ارتكاب المزيد من الفظائع في المستقبل.

ونهايةً فإن كل هذه المآسي تتطلب استجابة منسقة متعددة الأطراف. إنها تتطلب من الإنسانية أن ترتفع فوق السياسات الحزبية، وأن تمارس الإرادة للدفاع عن سيادة القانون ضد حكم الطاغية.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا