كيف استغلت روسيا إعلانات الإنترنت المدفوعة ضد الولايات المتحدة؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

لقد سهّل الإنترنت مهمة مشتري الإعلانات في إخفاء هوية مانحيهم ورؤسائهم، وبالرغم من التحديات، إلا أن هناك خطوات مهمة يمكن للكونغرس ومنصات التواصل الاجتماعي أن يتخذوها لتحسين مستوى الشفافية.  

منذ أن تم الكشف في شهر سبتمبر عن شراء حسابات مزوّرة مرتبطة بروسيا لإعلانات سياسية على موقع الفيسبوك قيمتها 150 ألف دولار، خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، ظهرت بشكل يومي تقريبًا اكتشافات جديدة بشأن وجود نشاط روسي على وسائل التواصل الاجتماعي.

لم يلحظ أحد عمليات الشراء الروسية، في خضم عمليات إنفاق بلغت أكثر من 1,4 مليار دولار على الإعلانات السياسية، التي ركّزت في معظمها على الترويج لحملات مناصرة مدفوعة تظهر وكأنها أخبار مستقلة أو مشاركات كتبها أفراد ناقمون. لقد كان التضليل الإعلامي سائدا خلال حملة الانتخابات الرئاسية لدرجة أن – كما أشار أليكسيس مادريجال في صحيفة ذا أتلانتيك – بابا الفاتيكان نفسه تحدث عن الأخبار المزيّفة.

كان من المفترض أن يجعل الإنترنت الإعلانات السياسية أكثر شفافية، وليس العكس. في الواقع، استشهدت الغالبية في المحكمة العليا بالإنترنت في قرارها المعروف بــ"مواطنون متحدون Citizens United", حيث ألغت المحكمة القيود على إنفاق الشركات والنقابات على الإعلانات السياسية، وذكر القرار:

مع ظهور الإنترنت، أصبح الكشف السريع عن حجم الإنفاق يوفّر المعلومات اللازمة لحملة الأسهم والمواطنين لمحاسبة الشركات والمسؤولين المنتخبين على مواقفهم وداعميهم… لقد بات بإمكان المواطنين معرفة ما إذا كان المسؤولون المنتخبون "في جيب" ما يسمى بالمصالح النقدية.

إن رؤية المحكمة العليا المتمثلة في أن الإنترنت بإمكانه تحصين النقاش الديمقراطي ضد تدفّق الأموال، كانت دوما غير واقعية. كما صارت هذه الرؤية مستحيلة حتى في نطاق التلفاز، بسبب سماح دائرة الإيرادات الداخلية ولجنة الانتخابات الفيدرالية، للمتبرعين بتأسيس "شركات وهمية"- وهي كيانات تستفيد من هيكل الشركة، ما يسمح للمتبرعين بالبقاء مجهولي الهوية.

لكن المفارقة القاسية هي أن الإنترنت ذاته أصبح وسيلة لتقويض القوانين الراهنة الخاصة بكشف المعلومات. تنصّ القواعد التي تم إرساؤها عبر العقود بأن تفصح كل الإعلانات السياسية عن مموليها، وبأن تتيح محطات التلفاز للجمهور المعلومات الخاصة بالرعاة. لكن لجنة الانتخابات الفيدرالية سمحت للمتبرعين الكبار بالتملّص من هذه القواعد، في حال كانت إعلاناتهم على شبكة الإنترنت. كما بدأ المرشحون والرعاة أيضا باستخدام "الإعلانات السوداء" التي تستهدف مجموعات فرعية من الناخبين، عبر نشر مزاعم مجهولة المصدر، وسلبية، ومزيّفة -بعضها يحمل رسائل متناقضة لناخبين مختلفين- لزيادة التهرّب من المحاسبة.

كما أن السمات الفريدة للإنترنت سمحت بأن يكون المحتوى السياسي متخفيًّا، وهو ما يحدّ في أغلب الأوقات من إمكانية التعرف عليه بوصفة حملة مناصرة مدفوعة الثمن. إن محطات التلفاز والراديو مطالبة بالكشف عن هوية ممولي المحتوى الإعلاني. ترجع هذه القواعد إلى زمن فضيحة "بايولا Payola" عندما دفع منتجو الموسيقى أموالا لمشغلي الأسطوانات الموسيقية مقابل تشغيل أغاني الفنانين التابعين لهم. لكن على شبكة الإنترنت، بإمكان الجماعات المُستخدَمة كواجهة أن تخلق شخصيات مزيّفة مثل (@TEN_GOP)، وهو حساب على تويتر يتظاهر بأنه يمثل الجمهوريين في ولاية تينيسي، لكنه مملوك في الحقيقة لعملاء روس. إن الذين يرغبون في التأثير على النقاشات السياسية يشترون حسابات آلية، أو بوتس Bots, والتي تنضم للإعلانات في الترويج لمحتوى ما، حتى يظهر هذا المحتوى وكأنه يحظى بدعم بشري. تنشر بعض المواقع التي تتظاهر بأنها مؤسسات إخبارية مستقلة- لكنها لا تتبع ممارسات وسائل الإعلام المستقلة التقليدية- قصص مؤججة للمشاعر داعمة لقضية ما، هدفها جمع نقرات الإعجاب والمشاركات، حتى تصعد على قائمة المواضيع الأكثر رواجًا. خلصت دراسة حديثة أعدّها معهد أوكسفورد للإنترنت، إلى أنه أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016, "تلقّى مستخدمو تويتر معلومات مضللة، ومحتوى مثيرا للاستقطاب ومبنيا على نظريات المؤامرة أكثر من تلقيهم لأخبار أُعدت بطريقة احترافية". لكن تويتر يعترض على نتائج تلك الدراسة. 

إن السهولة التي استغلت بها روسيا مواطن الضعف تلك، لا تترك مجالا للشك في أنه على أقل تقدير, هناك حاجة للمزيد من كشف المعلومات. قدّم أعضاء مجلس الشيوخ إيمي كلوبتشار، مارك ورنر، وجون ماكين مشروع قانون يشرح قواعد عمل الإعلانات السياسية على التلفاز لعالم التكنولوجيا الرقمية، حيث يُلزم القانون المنصات التكنولوجية بأن تدرج في الإعلانات التي تكشف عن أصحابها إعلانا بإخلاء المسؤولية، وبأن تمنع المواطنين الأجانب من شراء إعلانات سياسية. علاوة على ذلك، يُلزم مشروع القانون منصات الإنترنت بأن تصنع نسخًا من الإعلانات المتاحة للجمهور، وبأن تكشف عن أثمانها وجمهورها المستهدف. ردّ موقعا فيسبوك وتويتر على المشروع، بتقديم تعهّدات بعمل تغييرات في هذا الاتجاة طواعيةً. وبالرغم من أن هذه التعهدات يمكن نظريًّا تطبيقها من جانب لجنة التجارة الفيدرالية والمدعين العامين في الولايات، إلا أن عضو مجلس الشيوخ "ورنر" يجادل بان مشروع القانون ضروري لضمان أن تتبع شركات أخرى هذا النهج.

ولزيادة فعالية هذه الخطوات، ينبغي تحديث وتطبيق القانون الحالي الذي يُلزم أصحاب الإعلانات السياسية بالكشف عن اسماء متبرعيهم. ينبغي على منصات الإنترنت ولجنة الانتخابات الفيدرالية أن تطلب معلومات تعريفية موحّدة إضافية بشأن الإنفاق، وفقا لما اقترحته العالمتان القانونيتان جينفر هيرويج، وكاثرين شاو لتمكين الجهات التنظيمية والمؤسسات الرقابية من تجميع، وتصنيف، والبحث في بيانات الكشف. كما ينبغي على تدابير الشفافية المختلفة أن تعالج مسألة الإعلانات المناصرة للقضايا (أو issue ads)- وليس فقط الإعلانات بشأن المرشحين- كما اقترحت شركة تويتر.

إن الكشف عن وجود محاولات روسية لزرع الانقسام، حتى بعد الانتخابات، يبرز مدى قدرة الحسابات، والصفحات، والأخبار المزيّفة على توجيه النقاشات الطبيعية بطرق يمكن أن تؤذي أمننا القومي. تعهّدت شركة فيسبوك باستخدام التعلم الآلي لحذف الحسابات والصفحات المزيّفة. والمنصات الآخرى بحاجة إلى أن تكشف الحسابات المزيّفة وتلغيها. تقول شركة فيسبوك أيضا إنها ستوفّر سياقًا للمواقع الإخبارية، وستحدّ من المكاسب المالية التي تحققها الأخبار المزيّفة. أشار نائب رئيس مؤسسة "سنوبس Snopes" للتدقيق بالحقائق، فيني جريين، أن شركات الإنترنت قد تبحث عن طرق أفضل لضمان التزام المواقع التي تتظاهر بأنها ذات مصداقية بالمعايير والمبادئ التحريرية التي يتبعها تقليديا صحفيون ومؤسسات إعلامية ذات سمعة حسنة.

تعدّ تدابير كشف المعلومات من هذا النوع مهمة، لكن هناك حاجة للقيام بالمزيد من البحث والتحقيق. هناك قضايا شائكة مطروحة للنقاش، ومن بينها تأثير الإعلانات السوداء على النقاش الديمقراطي، وكيفية التصدّي لجهود نشر التطرف على المنصات القائمة على الخوارزميات.

وكما هو الحال مع السلوكيات المؤذية الأخرى على الإنترنت، فإن التحديات لن تبقى ثابتة. تحاول بعض المؤسسات الممولة تمويلاً جيدا، ومن بينها جهات حكومية، تحديد شكل الخطاب على الإنترنت، وستحاول تلك المؤسسات أن تتأقلم مع الجهود الرامية للحدّ من أنشطتها. تستطيع منصات التواصل الاجتماعي أن تستعين بمساعدة الأكاديميين والباحثين عبر تزويدهم ببيانات مجهولة المصدر لدراسة مدى فعالية تدابيرها المضادة. إن الابتكار المستمر سيكون ضروريًّا لتعزيز الكشف عن المعلومات والنقاش الديمقراطي على الإنترنت.

المصدر – مجلس العلاقات الخارجية

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا