كيف تستفيد إيران من قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

كانت الاحتجاجات التي اندلعت في الضواحي الجنوبية لبيروت يوم 11 ديسمبر متوقعة بقدر ما كانت غاضبة. هذا لأن الأحياء هناك هي معقل لحزب الله, الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران, وقرار الرئيس ترامب قبلها بأيام بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ضرب رسالة الجماعة في الصميم: الكفاح المستمر ضد الدولة اليهودية. هتف آلاف المحتجين, “الحرب, الحرب حتى النصر” ولوحوا بالأعلام الفلسطينية. ظهر زعيم حزب الله, حسن نصر الله, في مقطع فيديو عُرض على شاشة خارجية لحث جميع “جماعات المقاومة” على التوحد. أعلن قائلًا, “قرار ترامب سيكون بداية النهاية لإسرائيل.”

 إن الدعوة لحمل السلاح لم تكن مقتصرة بالكامل على المسلحين المدعومين من إيران. بالمقارنة, ردود الأفعال في معظم أنحاء العالم العربي كانت صامتة. في حين أن قرار ترامب حول القدس كانت يهدف لنيل استحسان قاعدته المحافظة, ومن ضمنها الإنجيليين والمتشددين الموالين لإسرائيل, يبدو إنه لعب أيضًا لمصلحة إيران, نفس الدولة الشرق أوسطية التي يهتم كثيرًا بمعاداتها. عن طريق منح الإسرائيليين فوزًا رمزيًا ضخمًا كهذا, دعم ترامب حُجة إيران بإنها المدافع الحقيقي عن فلسطين – وليس السعودية خصمها والحليف المخضرم لأمريكا. يقول غانم نسيبة, مؤسس مجموعة كورنرستون للاستشارات, “إن قرار ترامب هدية على طبق من فضة لإيران. إذا كان الإيرانيون يطرحون هذه الاستراتيجية, لم يكونوا ليفعلوها أفضل من ذلك. إنه يعزز الموقف الإيراني.”

القرار يعقد أيضًا الأمور على السعوديين, الذين يجدون أنفسهم متحالفين مع الأمريكيين  في صراعهم الأوسع مع إيران على الهيمنة الإقليمية. من الناحية التاريخية, صورت السعودية نفسها كوصي على القضية الفلسطينية. المملكة, التي تودد حاكمها الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان إلى ترامب هذا العام, حثت الولايات المتحدة على التراجع عن قرارها.

في حين إنه لم تكن هناك دعوات رسمية للعنف في المملكة, نشرت الصحف السعودية, الخاصة لكن الخاضعة لإشراف الحكومة, مقالات إفتتاحية تهاجم الأمريكيين. في خطاب موجه لترامب ومنشور في جريدة الجزيرة, أوضح الأمير تركي الفيصل, مدير المخابرات والسفير في واشنطن سابقًا, أوضح الأمر ببساطة. كتب الأمير, “قراركم شجع إيران وأتباعها الإرهابيين على الإدعاء بإنهم الحماة الشرعيون لحقوق الفلسطينيين ضد الأهداف الإمبريالية لإسرائيل وأمريكا.”

تُعد خطوة ترامب أيضًا نكسة لجهود السلام التي كان يقودها صهره, جاريد كوشنر. سوف تصبح عواقب القرار أكثر وضوحًا عندما يطرح فريق كوشنر خطة العام القادم. في الوقت ذاته, يمكن لإيران أن تعتمد على ما تسميه “محور المقاومة,” الذي يشمل أيضًا سوريا, وحزب الله, وبعض الميليشيات العراقية, وحماس, الفصيل الفلسطيني الذي يحكم قطاع غزة. إنهم مناهضون بضراوة لأمريكا وإسرائيل. يقول جوناثان رينولد, الباحث في مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية, “إذا أمسكت النيران في عود الثقاب الذي أشعله ترامب في القدس, ستربح إيران. إن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني عبارة عن بركة من البنزين. أي تصعيد في المواجهة الإسرائيلية مع حماس أو حزب الله تقوي نفوذ إيران.”

السؤال هو ما إذا كانت إيران تستطيع استخدام هذا للتودد إلى العرب السُنة القلقين من طموحاتها الإقليمية, لا سيما وأن حزب الله كان يحارب السُنة في سوريا. يقول آرون ديفيد ميلر, الخبير في شئون الشرق الأوسط في مركز ويلسون بواشنطن, “سيكون من الصعب جدًا على الإيرانيين استغلال هذا نظرًا لحقيقة كونهم شيعة. من الصعب عليهم حشد السُنة حول هذا الأمر أو العمل بطرق تقوض الأهداف الأمريكية وتروج لأهدافهم.” مع هذا, غياب الرد القوي على مناورة ترامب من القادة في الدول ذات الأغلبية السُنية مثل مصر والأردن يمنح إيران مدخلًا لتستغله, مثلما يقول أماتزيا بارام, الخبير في الإسلام الشيعي في جامعة حيفا. يقول, “الأنظمة في القاهرة, وفي عمان, الذين لا يقفون بقوة ضد أمريكا وإسرائيل, تراهم الشعوب في العالم السُني مقصرين في واجباتهم. والدعاية الصاخبة من طهران وبيروت تحظى بشعبية كبيرة لأن القدس هي القدس بالنسبة لكل مسلم.”

كانت محنة الفلسطينيين القضية الوحيدة التي اتفق عليها المسلمون في جميع أنحاء الشرق الأوسط. مع هذا, في خضم فوضى الربيع العربي, والغزو الأمريكي للعراق, والحرب الأهلية السورية, فقدت القضية بعض من شهرتها, في العالم العربي وأماكن أخرى. بينما سعت السعودية إلى علاقة أوثق مع الولايات المتحدة وركزت على احتواء النفوذ الإيراني, لم يأتي الدعم لفلسطين بنفس الحماسة التي اعتاد عليها في المملكة. في 2002, بعد أن حاصرت القوات الإسرائيلية الضفة الغربية, أمر الملك فهد, حاكم السعودية آنذاك, بحملة ضخمة لجمع التبرعات للفلسطينيين, والتي شملت حملة تبرعات تلفزيونية من ثلاثة أيام والتي جمعت أكثر من 100 مليون دولار. تبرعت شركة أرامكو السعودية بمليون ريال سعودي (267 ألف دولار) للقضية وبدأت حملة من خمسة أسابيع بين عمالها. لا يحدث شيئًا كهذا الآن.

كانت إيران تلعب اللعبة الطويلة عندما يتعلق الأمر بفلسطين. بعد الثورة الإسلامية عام 1979, استحدثت إيران يومًا وطنيًا للاحتفال بالقدس من أجل دعم الفلسطينيين ونشر نفوذها الإقليمي. يتميز الحدث الآن بالشيعة وصولًا إلى نيجيريا. تُسمي إيران وحدة النخبة العسكرية لديها “فيلق القدس.”

تحاول السعودية تحرير اقتصادها ومجتمعها في الوقت الذي تحارب فيه التطرف والجماعات الإرهابية, والتي ساعد في دعمها المذهب المحافظ بشدة من الإسلام الذي تنتهجه السعودية. في الوقت نفسه, تواصل إيران دعم المسلحين الذين تصنفهم الدول الغربية كتنظيمات إرهابية. في بعض بقاع العالم الإسلامي, هذا يحسن موقف إيران كحصن أمام النفوذ الغربي المتصور والتواطؤ السعودي. يقول كمران بوخاري, المحلل في برنامج مكافحة التطرف بجامعة جورج واشنطن, “كانت استراتيجية إيران هي استغلال أية مشاكل في العالم العربي.” ويقول أن قرار القدس “يعزز بطريقة معقدة نفوذ إيران في المنطقة. إنه ليس شيئًا أراد ترامب فعله, لكنه نتيجة غير مقصودة.”

أكدت القمة التي عقدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم 13 ديسمبر لشجب قرار ترامب أكدت على السياسة الناعمة. حضر رئيس إيران ورؤساء دول الكويت والأردن وغيرهم, بينما أرسلت السعودية وفدًا من مستوى أقل, مما شجع محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران على كتابة تغريدة: “مستوى المشاركة المرتفع الذي شهدته قمة التعاون الإسلامي غير العادية يُعد مصدرًا للإلهام, برغم مجموعة من الاستثناءات المعبرة.”

الخلاصة – قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل له عواقب بعيدة المدى على الصراع الأوسع على الهيمنة الإقليمية بين السعودية وإيران.

المصدر – بلومبرج

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا