لماذا أعلن “أردوغان” عن فوزه بغالبية مطلقة؟

يوسف بنده

رؤية

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه فاز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية بينما رفضت المعارضة بشكل قاطع الأرقام التي نشرتها وكالة الأناضول للأنباء التي تديرها الدولة.

وأعلنت السلطات الانتخابية، في وقت مبكر الإثنين، أن أردوغان حصل على الغالبية المطلقة من الأصوات ما يتيح إعادة انتخابه من الدورة الأولى أمام منافسه القوي محرم اينجه.

وقال أردوغان -في أول كلمة بعد إعلان النصر- “إن النتائج غير الرسمية للانتخابات واضحة. أمتنا كلفتنا بمهمة الرئاسة”.

وأضاف الرئيس التركي، “كما وضع الشعب التركي مسؤولية تشريعية كبيرة على تحالف الشعب وحزب العدالة والتنمية بمنحهما الأغلبية بالبرلمان”.

وكان أردوغان يشير إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم والتحالف الانتخابي الذي أبرمه مع حزب الحركة القومية اليميني.

وأوضح أردوغان أنه لن يتراجع عن النقطة التي وصل إليها بعد كفاح طويل ضد من سعوا إلى فرض وصايتهم وضد الحكام العسكريين والانقلابيين  والمخربين الاقتصاديين، وقال: “بل على العكس، سنواصل كفاحنا للأمام أكثر”.

كما وجه أردوغان بعض التصريحات التصالحية وقال: “في هذا البلد لن يتعرض شخص للاحتقار ولن تفرض قيود على الحريات بسبب العرق والدين ونمط الحياة أو أي اختلافات أخرى”.

وأضاف، “سوف نستمر لكي نمكن ونثري بلادنا ونتقاسم الرفاهية بشكل عادل”.

ويصف أردوغان مرارا معارضيه بأنهم أعداء الديمقراطية ليلعب على وتر المشاعر القومية التي سادت بعد محاولة الانقلاب في 2016.

المعارضة ترفض فوز حزب العدالة

قال حزب الشعب الجمهوري المعارض، إنه يرفض تماما المزاعم السابقة لآوانها التي أطلقها حزب العدالة والتنمية الحاكم بفوزه في الانتخابات التي جرت أمس الأحد.

وقال مسؤولون في حزب الشعب: إن المزاعم تستند على نتائج غير صحيحة نشرتها وكالة الأناضول للأنباء التي تديرها الدولة.

وقال بولنت تزجان -المتحدث باسم حزب الشعب- إن النتائج الحقيقية ستمنح الرئيس رجب طيب أردوغان أقل من 50 بالمئة من الأصوات مما سيضطره لخوض جولة ثانية فاصلة بعد أسبوعين أمام محرم إينجه مرشح حزب الشعب.

كما أكد كوراي آيدن السياسي بالحزب الصالح القومي المعارض أنه واثق في أن الانتخابات الرئاسية ستدخل جولة ثانية فاصلة، وقال: “16 مليون صوت لناخبين بالمدن الكبرى مثل أنقرة واسطنبول وإزمير وأنطاليا وأضنة ومرسين لم تدخل النظام بعد”.

وأضاف، “النتائج التي نراها هي باقي أنحاء تركيا.. يوجد شيء واحد مؤكد مئة بالمئة وهو أن السباق الرئاسي سيدخل جولة ثانية”.

ويتفق تقييم آيدن مع تقييم تطبيق “عدل سيجم” لمراقبة الانتخابات الذي حذر في تغريدة على تويتر من أن البيانات لا تزال تتوالى من المدن التركية الكبرى وأن النتائج معرضة لتغير كبير.
 
وتتهم المعارضة أردوغان البالغ من العمر 64 عاما بالميل نحو الاستبداد خصوصا منذ 15 يوليو 2016 اثر محاولة انقلاب أعقبتها حملات للنظام ضد قطاعات عريضة من المعارضة والصحافيين وأثارت قلق اوروبا.

سلطة مطلقة

تضع نتائج الانتخابات تركيا في مرحلة تسودها تكهنات باحتمال الدخول في فترة طويلة من الهيمنة السياسية المطلقة، انطلاقا من إصرار أردوغان على تهميش الطبقة السياسية وحصر صلاحيات واسعة في يديه.

وستدخل التعديلات الدستورية، التي أقرت العام الماضي، حيز التنفيذ بمجرد إعلان النتائج الرسمية، لكن مكمن الخطر الحقيقي على الرئيس التركي ينحصر في البرلمان.

والغالبية المطلقة لأردوغان، تعني السلطة المطلقة، التي يحتاجها أردوغان في مرحلة حكمه القادمة؛ حيث النظام الرئاسي الذي سيغير من طبيعة تركيا الإدارية والسياسية.

حيث يشكل فوزه في انتخابات الاحد تكريسا أكبر لسلطته إذ تنتقل البلاد الآن من نظام برلماني إلى رئاسي تتركز فيه غالبية السلطات التنفيذية بيد الرئيس وذلك بموجب استفتاء أجري العام الماضي.

وقد حل منافسه الرئيسي محرم إينجه ثانيا مع 30,7% من الأصوات، في وقت حصل التحالف النيابي المعارض لأردوغان والمؤلف من أحزاب معارضة عدة على 34% من الأصوات في الانتخابات التشريعية، بحسب نتائج أوردتها الأناضول.

ولم يدل إينجه بأي تصريح حول نتائج الأحد ودعا إلى مؤتمر صحافي ظهر الاثنين في انقرة.

وتجمع الآلاف من أنصار أردوغان خلال المساء حول مقر الرئيس في اسطنبول وهم يغنون ويلوحون بالأعلام.

وعلقت خبيرة الشؤون التركية لدى مركز الدارسات الدولية في كلية العلوم السياسية في باريس جنى جبور أن “فوز أردوغان دليل دون شك على شعبيته الكبيرة بين الناخبين وخصوصا المحافظين في المناطق الريفية في الأناضول وإشارة على قدرته على الصمود في وجه معارضة موحدة”.

وسعى أردوغان إلى تهيئة كل ظروف نجاح مخططه عبر الدعوة إلى هذه الانتخابات أثناء فترة الطوارئ وأكثر من عام قبل موعدها المقرر، لكنه فوجئ بصحوة للمعارضة صاحبها تدهور في الوضع الاقتصادي.

وشكلت أحزاب معارضة تتبنى مبادئ متباعدة مثل حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديموقراطي) و”حزب الخير” (يمين قومي) و”حزب السعادة” (إسلامي محافظ) تحالفا “معاديا لأردوغان” غير مسبوق لخوض الانتخابات التشريعية، بدعم من حزب الشعوب الديموقراطي المؤيد للقضية الكردية، معتبرة هذه الانتخابات الفرصة الأخيرة لوقف اندفاعة أردوغان نحو سلطة مطلقة.

صعوبات وعواقب

ورغم الفوز بالرئاسة من الجولة الأولى، لا تزال تواجه أردوغان مشكلة تكمن في أمر واقع جديد خلقه استفتاء أبريل 2017 على تعديل الدستور. وعكست فلسفة حكم الرئيس التركي، منذ انتخابه عام 2014، حقيقة أن تركيا محكومة بنظام رئاسي استبدادي بشكل غير رسمي.

ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، فرض أردوغان حالة الطوارئ، التي منحت النظام الرئاسي القائم بالفعل صفة رسمية.

ويبقى على أردوغان رغم الفوز غير المتوقع التعامل مع قوة كبيرة معارضة له في البرلمان، الذي سيتشكل من 600 عضو، وفقا للتعديلات الجديدة. وستدخل هذه المعادلة السياسية تركيا في فوضى سياسية واجتماعية، لكن الاقتصاد سيكون في مأزق أكبر.

ويبقى الملايين في تركيا غير قادرين على الحصول على وظائف، رغم معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، في وقت تتزايد فيه نسب الفساد، ويقف فيه الاقتصاد التركي بأكمله على حافة الهاوية.

ويعود ذلك في المقام الأول إلى طريقة إدارة أردوغان للدولة، التي دفعت كثيرين إلى التساؤل عما إذا كان أي شكل من أشكال الديمقراطية التعددية سيبقى قائما بحلول الانتخابات المقبلة.

فنجاحه يعني أن الرجل سيكمل وضع جميع السلطات المتبقية بين يديه لتنفيذ سلسلة من التغييرات وعد بها يرى من خلالها العالم، وسيتعامل بها مع العالم من الآن فصاعدا.

يقول الكاتب الصحفي التركي، يافووز بيدار: نتيجة كهذه ستلائم توقعات عبّر عنها منتقدون منذ فترة طويلة في الداخل والخارج تبدو فيها تركيا، التي باتت منذ عام 1946 أرضا غير صالحة لإقامة ديمقراطية حقيقية وسيادة قانون، مقبلة على الانضمام لقائمة من نظم حكم استبدادية كتلك الموجودة في آسيا الوسطى، والتي لطالما اعتبرها أردوغان وعائلته مصدر الإلهام.

ويعتقد بعض المراقبين أن سيناريو فوز ثنائي لأردوغان (يفوز هو بالانتخابات الرئاسية ويحتفظ حزبه بالأغلبية البرلمانية)، يعني تحولا عميقا (وربما لا يمكن تغييره) في نظام الحكم بتركيا.

ويقول هؤلاء إن هذا قد يؤدي في النهاية إلى “تليين” أردوغان، الذي سيكون حينها قد تجاوز جميع العقبات الداخلية في طريقه لتحقيق حلم الحكم المنفرد.

لكن نظرة “تليين” المواقف هذه قد تصبح في النهاية حلما آخر كبيرا: فأردوغان سيرى في انتصاره تفويضا آخر لحكمه الأحادي القاسي، وسيواصل عمله لاجتثاث بقايا معارضيه من السياسيين والبيروقراطيين، تماما مثلما فعل بعد كل انتصار سابق تحقق له. سينطبق السلوك ذاته على العالم الخارجي؛ فسيكون من السهل على أردوغان أن يزعم للجميع، أصدقاء وخصوم على حد سواء، أن لديه “شرعية جديدة” من خلال صناديق الاقتراع.

لكن هذا السيناريو لن يعني بالضرورة الاستقرار للبلد. فالإعلام ومنظمات المجتمع المدني سيظلان في قبضة السلطة، ولا يرجح أن يتوقف النظام عن مسعاه لمحو من يسميهم “أعداء الدولة”.

ورغم التوقعات بتخفيف السياسات القمعية بعد الانتخابات، فإن حالة عدم الاستقرار التي سببتها محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 ستتواصل على الأرجح لتصبح عمليات استهداف المنافسين سياسة قائمة.

ويقول مارك بيريني السفير السابق للاتحاد الأوروبي لدى تركيا والذي يعمل حاليا كمحلل في مركز كارنيجي “هذا الموقف قد يسفر عن أمراض وتوترات مزمنة داخل المجتمع التركي، وهجرة مهمة للمثقفين من البلاد، وعمليات فرار لرأس المال”.

ربما يعجبك أيضا