لماذا تتكرر العمليات الإرهابية في فرنسا رغم فرض حالة الطواريء ؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
أعلنت شرطة باريس يوم أمس 9 أغسطس 2017، أن سيارة صدمت جنودا فرنسيين مشاركين في عملية “سانتينيل” لمكافحة الإرهاب وأصابتهم في لوفالوا بيريه إحدى ضواحي المدينة.

ووقع الهجوم قرابة الساعة السادسة حسب توقيت جرينتش، وتمكن السائق بعده من الفرار بسيارته، بعد ذلك أكد رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب اعتقال الشرطة للمشتبه.

وكشفت التحقيقات أن منفذ العملية يحمل الجنسية الجزائرية، يدعى “حمو ب”، ويحمل تأشيرة إقامة قانونية في فرنسا، وغير معروف لدى الدوائر الأمنية.
 
دلالات الحادث
 
رغم أن الحادث بعد لم تتأكد دوافعه ـ وإن كانت فرضية الإرهاب الإسلاموي أو غيره –  فإن فريق التحقيق، من الشرطة القضائية وعمدة بلدية” لوفالوبيريه”، ذكر أن الحادث كان متعمد، لكنه لم يحدد دوافعه.

ومهما كانت الجهة التي تقف وراء هذا الحادث فإن العملية استهدفت جنود يستعدون للقيام بدورية تعنى بحماية المواطنين في ضواحي باريس

استهداف الجنود له دلالات:
 
إن فرض حالة الطواريء لا تمنع هذه الجماعات من تنفيذ عمليات انتحارية، الجماعات المتطرفة تتجه الى استهداف الجيش والشرطة، ضمن جهودها “باستعراض قوتها” بهدف الحصول على أنصار جدد وتعاطف أكثر من قبل الجمهور.
 
لماذ الإرهاب يستهدف فرنسا
 
ربما فرنسا طالها الإرهاب أكثر من غيرها من العواصم الأوروبية إلى جانب بريطانيا، وهي المرة العاشرة التي تتعرض إلى عملية إرهابية من هذا النوع وربما يعود ذلك للأسباب التالية:
 
ـ سياسة فرنسا الداخلية التي توصف بأنها ليس بصالح الجاليات المسلمة والاجانب، وربما تميل نحو اليمين والكراهية، ذلك من خلال اتخاذها إجراءات بإغلاق جمعيات ومساجد وتضييق على ممارسة الطقوس، وخلطها ما بين الملسمين وما بين الجماعات المتطرفة.

يُذكر أنه في فرنسا حوالي 2500 مسجد وقاعة صلاة، يعتبر حوالي 120 منها أنها تبث الإيديولوجية السلفية الأصولية.
 
ـ سياسة فرنسا الخارجية: هي أبرز الدول الأوروبية الفاعلة داخل التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش، ولديها خبراء ومجموعات عمل على الأرض في العراق وسوريا وكذلك في غرب افريقيا.

ـ يوجد أكثر من 2000 مقاتل فرنسي داخل تنظيم داعش.

ـ إن فرنسا جغرافيا غير بعيدة عن منطقة الشرق الأوسط.
 

هل نجحت خطة الطواريء في فرنسا ” سانتينتتل”
 
وافق مجلس الشيوخ الفرنسي بأغلبية كبيرة على مشروع قرار ينص على تمديد حالة الطوارئ في فرنسا، المعلنة، منذ اعتداءات 13 نوفمبر 2015، في باريس. ومع مجيء الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون قرر كذلك  تمديد حالة الطوارئ التي فرضت منذ عام 2015، حتى الأول من نوفمبر 2017.

لكن رغم ذلك سبق الى لجنة الأمن داخل الجمعية الوطنية الفرنسية أن انتقدت فرض حالة الطواريء،  وبجدوى استمرارها، حالة الطواريء يمكن أن تستنزف قوات الدفاع والشرطة، وما يزيد الأمر تعقيدا هو التواجد العسكري لفرنسا خارج أراضيها مع انخفاض في القوى البشرية والميزانية.
 
إن فرض حالة الطواريء ونشر الجيش داخل المدن الفرنسية، لا يمنع أبدا من وقوع وتنفيذ عمليات إرهابية، لكن ممكن أن تقلل الخسائر، من خلال التحرك السريع للجيش والشرطة.
 
 
مركز وطني لمكافحة الإرهاب
 
أعلنت الرئاسة الفرنسية، عن إقامة “مركز وطني لمكافحة الإرهاب” لدى رئيس الجمهورية “إيمانويل ماكرون” وسط أجواء تشير إلى تزايد التهديد في باريس، والهيكل الجديد الذي بدأ العمل بعشرين شخصاً بينهم محللون، سيكلف “بالإشراف الاستراتيجي على خدمات الاستخبارات”، للتأكد من حسن التنسيق بينها.

كما سيكون من مهام المركز الجديد “أن يقترح على الرئيس خطط عمل ملموسة بشأن عمل أجهزة المخابرات” و”تقديم تقرير أسبوعي لمجلس الدفاع، حيث يتم إعداد إستراتيجية مكافحة الإرهاب”.
 
مشاكل بنيوية تؤثر في أمن فرنسا
 
الوكالة العامة للامن الخارجي الفرنسية DGSE : وهي وكالة تعمل على غرار وكالة الاستخبارات المركزية وتعمل إلى جنب وكالة ال DGSI المديرية العامة للأمن الداخلي ووظيفتها الاساسية جمع المعلومات الاستخباراتية وتقديمها الى دوائر صنع القرار ويعمل في داخلها بضعة آلاف فقط، وأجهزة الاستخبارات الفرنسية ما زالت تعاني من مشكلة الهيكلية كونها موزعة في ستة كيانات تحت إشراف وزارة الداخلية أو الدفاع أو الاقتصاد.
 
لماذ تنظيم داعش يتجه نحو تنفيذ عمليات انتحارية فردية من هذا النوع ؟
 
أن الضغوطات التي يتعرض لها التنظيم في معاقله، دفعته الى تبني عمليات منفردة من هذا النوع، منفذي العمليات يوصفون بالذئاب المنفردة، عندما تكون العملية من وحي تنظيم داعش دون وجود ارتباط او مبايعة للتنظيم،  وممكن ان يقوم عنصر واحد من تنظيم داعش “مرتبط بالتنظيم”، بتنفيذ عملية انتحارية، يوصف من قبل التنظيم ” بجند الخلافة”.

التنظيم يعطي حرية اختيار الاهداف والتوقيت الى منفذ العملية، اي ان التنظيم لايقدم الدعم اللوجستي الا نادرا، منفذ العملية يقوم بالاستطلاع والتخطيط والتنفيذ وتوفير المستلزمات التي بدءت تتركز على عمليات الطعن بالسكين او عمليات دهس بسيارة. توجه التنظيم الى هذا النوع من العمليات وفرت لتنظيم داعش الكثير من الجهد والنفقات والدعم اللوجستي، وكذلك نسبة عالية من الامان وعدم الكشف.
 
 
عمليات محدودة غير نوعية
 
العمليات من هذا النوع تعكس تراجع قدرات وقوت تنظيم داعش، فلم يعد يستطيع تنفيذ عمليات واسعة أو التحرك على شكل مجموعة خلايا او شبكة.

هذا النوع من العمليات محدود جدا لكن يحقق استقطاب إعلامي الى التنظيم، لذلك يختار التنظيم الأماكن العامة، والعواصم الأوروبية وفي الغالب تكون هناك مناسبة، من أجل الحصول على استقطاب إعلامي واسع، وهذا أيضا يعتمد على الطريقة التي يتعامل بها الإعلام بتغطية هكذا حوادث.
 
التوصيات
 
لقد أنجزت فرنسا ودول اوروبية أخرى، خطوات باتجاه تضييق الخناق على تنظيم داعش، لكن هذه الإجراءات ما زالت محدودة كونها اقتصرت على المقاتلين الأجانب وعودتهم، دون معالجة جذرية الى الارهاب.

ما تحتاجه دول أوروبا والغرب، فهم مسببات الإرهاب وفهم أكثر إلى ما يجري في منطقة الشرق الأوسط من نزاعات ومشاريع تفتيت دول، ضربت بتداعياتها أوروبا والغرب، فالإرهاب لا يتحدد بجغرافية، ولا توجد دولة بمأمن عن الإرهاب.
 
 
 

ربما يعجبك أيضا