لماذا تفشل أوروبا في لجم «الطاقة الروسية»؟

لمياء أمين

طريق التوصل إلى اتفاق سريع بشأن وضع سقف لسعر النفط الروسي لم يكن سهلًا.. فهل يتكرر في مبيعات الغاز.


فشل وزراء الطاقة الأوروبيون، أمس الثلاثاء 13 ديسمبر 2022، في التوافق على آلية لتحديد سقف لأسعار الغاز بالجملة.

ويأتي ذلك في إطار محاولات الاتحاد الأوروبي المتواصلة للجم منابع مهمة للدخل القومي الروسي، سواء على مستوى الغاز أو النفط، شهدت فشلًا متكررًا، نتيجة خلافات على آليات تحديد سقف سعري، أو عقبات لوجستية تعيق التنفيذ.

أسبوع أخر للتفاوض

أمهل التكتل الأوروبي نفسه أسبوعًا إضافيًّا لانتزاع اتفاق يتيح تبني تدابير طارئة أخرى، لتخفيف وطأة أزمة الطاقة. وأرجئت المباحثات حتى اجتماع وزاري جديد، من المقرر أن يعقد في 19 ديسمبر الحالي.

وتختلف الدول الـ27 منذ 3 أسابيع بشأن اقتراح قدّمته المفوضية الأوروبية، يقضي بتحديد سقف، بدءًا من يناير المقبل، لأسعار العقود الشهرية (تسليم الشهر التالي) في السوق الهولندية، بورصة الغاز الأوروبية المستخدمة كمرجع في غالبية تعاملات المشغّلين بالاتحاد الاوروبي.

آلية تحديد السقف

اقترحت المفوضية، بادئ الأمر، تشغيل آلية تحديد السقف تلقائيًا بمجرد تجاور الأسعار 275 يورو، أي 292.62 دولار، للميجاوات/ساعة، لأسبوعين متتاليين، بشرط أن تكون أعلى بما لا يقل عن 58 يورو، أي 61.7 دولار، من متوسط السعر المرجعي العالمي للغاز الطبيعي المسال.

وإزاء هذه الشروط، البالغة الشدة، التي لم تتوافر بنحو متزامن في أيّ من الأيام، حتى خلال فورة الأسعار في أغسطس الماضي، وتجعل فرض السقف على الأسعار مستبعدًا تمامًا، نددت بعض الدول، بينها فرنسا وإسبانيا وبولندا واليونان، بما عدّته “استهزاءً”، مطالبة بـ”تليين” الشروط المطلوبة.

محاذير وتحفظات

طالبت عدة دول متحفظة على أي تدخل، بينها ألمانيا وهولندا والنمسا، في المقابل، بوضع “محاذير” بالغة الشدة، لمنع أي سقف قد يجري تفعيله من تهديد إمدادات الغاز لأوروبا.

ويتخوفون بعض المزودين الأساسيين، مثل النرويج، من أن إقرار السقف في خطوة أحادية، قد يشجع بعض المزودين بالغاز الطبيعي المسال على التخلي عن أوروبا، لصالح زبائن آسيويين يدفعون أسعارًا أعلى.

تضرر الاستقرار المالي في منطقة اليورو

اقترحت دول عدة، منها اليونان وإيطاليا وبلجيكا، خفض السقف إلى 160 يورو، أي 170 دولارًا للميجاوات/ساعة، لكنّ دولاً أخرى رفضت المقترح. وسعت التشيك إلى جعل السقف عند 220 يورو، أي 234 دولارًا للميجاوات/ ساعة.

وأقر وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، في تصريحات صحفية بأنّ “القضية شديدة الحساسية”. وقال: “من الحكمة أن نعود خطوة إلى الوراء، للتحقق مما إذا كنا لا نرتكب أخطاء”. ويحذر البنك المركزي الأوروبي من أنّ تحديد سقف بنحو غير مدروس من شأنه أن يفاقم التقلّب، وأن يلحق ضررًا بـ”الاستقرار المالي في منطقة اليورو”.

انتهاء أزمة نقل الخام الروسي

بينما يقف وزراء أوروبا عاجزين عن الاتفاق بشأن سقف الغاز، أعلنت تركيا، يوم الثلاثاء، انتهاء أزمة نقل النفط الخام الروسي، المرتبطة بسقف السعر، التي تسببت في ازدحام مروري لناقلات النفط في مضيقيها، الأسبوع الماضي، لكن المشكلة لا تزال قائمة في الأفق.

وتشكل الازدحام على خلفية آلية تحديد سقف الأسعار، التي أقرها الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الـ7 وأستراليا، وينص على تسليم النفط الخام المباع بسعر 60 دولارًا للبرميل، كحد أقصى، ويحظر على الشركات تقديم خدمات النقل البحري، ولا سيما التأمين، حال زاد ثمنه عن هذا الحد.

كبح التدفقات النقدية الروسية

رغم محاولات حصار مبيعات موسكو من الطاقة، تتجه ناقلات النفط الروسية الآن نحو الأسواق الآسيوية عبر قناة السويس، وفقًا لما نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية.

ويرى المحلل البريطاني، تيموثي آش، أنه منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، سعى الغرب جاهدًا للإجابة على سؤال صعب يتمثل في كيفية كبح تدفقات الأموال، التي تحصل عليها موسكو من بيع نفطها، ومنع الرئيس فلاديمير بوتين من جني أرباح الطاقة، التي تستخدم لتمويل الحرب، وفي الوقت نفسه حماية اقتصادات أوروبا من ارتفاع الأسعار.

كل الأنظار تتجه إلى روسيا

أضاف آش، في تحليل نشره معهد “تشاتام هاوس” البريطاني، أن قرار الاتحاد الأوروبي بشأن فرض سقف سعري للنفط الروسي قوبل بردود فعل متباينة من الدول الأعضاء، مشيرًا إلى أن كل العيون تتجه الآن إلى روسيا لرؤية كيف سيكون رد فعلها على الخطوة الأخيرة.

واعتبر أن طريق التوصل إلى اتفاق سريع بشأن وضع سقف لسعر النفط الروسي لم يكن سهلًا. وتشكلت مجموعتان متعارضتان داخل الاتحاد الأوروبي، أولاهما ترى أن أسرع طريق لهزيمة روسيا هي العمل على إحداث انهيار لعائداتها من الطاقة، وخفض سقف سعر النفط إلى ما يتراوح بين 20 و30 دولارًا للبرميل، وهو سعر أقل كثيرًا من تكلفة الإنتاج.

حلول الصراع الجيوسياسي

على الجانب الآخر، ترى مجموعة الدول المستوردة للطاقة الروسية بكميات أكبر، أن فرض أي سقف منخفض للغاية يخاطر بزعزعة استقرار أسواق الطاقة العالمية. وتزعم هذه المجموعة أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة أكبر في أسعار الطاقة،ما يفيد روسيا، وفي الوقت نفسه يفرض عبئًا اقتصاديًا أكبر على دول الاتحاد الأوروبي.

وأبقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على توقعاتها لنمو الطلب العالمي للنفط في عامي 2022 و2023، بعد خفضه عدة مرات، قائلة إن حل الصراع الجيوسياسي في شرق أوروبا، وتخفيف سياسة “صفر كوفيد” في الصين من شأنه أن يوفر بعض الدعم الصعودي.

ربما يعجبك أيضا