لماذا تفشل الولايات المتحدة في الانفصال عن الصين؟

آية سيد
لماذا تفشل الولايات المتحدة في الانفصال عن الصين؟

تُعد محاولة الولايات المتحدة لـ"الحد من المخاطر" في التجارة مع الصين هي حجر الزاوية لسياسة البيت الأبيض الخارجية.


اتخذت الولايات المتحدة العديد من الإجراءات الرامية إلى “الحد من المخاطر” في التجارة مع الصين.

إلا أن الأمر ليس بالسهولة التي يبدو عليها، لأن العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين مستمرة، وبطرق أكثر تشابكًا، وفق تقرير لمجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية، في 8 أغسطس 2023.

إعادة رسم الخريطة

لفتت المجلة البريطانية إلى أن الصين لم تعد موقع التصنيع المفضل للشركات الغربية. هذا لأن الكثير من الشركات العملاقة شيدت مصانع جديدة في دول أخرى، مثل الهند والمكسيك وتايلاند وفيتنام.

وبسبب العلاقات المتوترة بين واشنطن وبكين، أصبحت الشركات قلقة بنحو متزايد إزاء التوترات الجيوسياسية. ونتيجة لهذا، في النصف الأول من العام الحالي، تعاملت الولايات المتحدة تجاريًّا مع المكسيك وكندا أكثر من تعاملها مع الصين، للمرة الأولى منذ عقدين، ما وصفته “ذي إيكونوميست” بأنه “إعادة رسم لخريطة التجارة العالمية”.

اقرأ أيضًا| الصين والولايات المتحدة.. حرب اقتصادية قادمة تفوق الأزمة الأوكرانية

السياسات الأمريكية

تحت إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن، طبّق المسؤولون مجموعة من الرسوم الجمركية والقواعد وإجراءات الدعم. وكان آخرها في 9 أغسطس الحالي، بتطبيق أمر تنفيذي يقضي بفحص الاستثمارات المتجهة إلى الخارج، ويحظر بعض الاستثمارات في الحوسبة الكمية، ومشروعات الذكاء الاصطناعي والرقائق المتطورة الصينية.

وحسب “ذي إيكونوميست”، تريد أمريكا إضعاف قبضة الصين على الصناعات الحساسة، والاستعداد للغزو الصيني المحتمل لتايوان. وهذه المحاولة لـ”الحد من المخاطر” في التجارة مع الصين هي حجر الزاوية لسياسة البيت الأبيض الخارجية. إلا أن العلاقات التجارية بين البلدين مستمرة، وبطرائق أكثر تشابكًا.

التجارة مع الحلفاء

أشارت المجلة البريطانية إلى أن واشنطن تأمل في تحفيز “نقل الإنتاج إلى دول صديقة”، مثل الهند والمكسيك وتايوان وفيتنام، لتوفير بديل للواردات القادمة من الصين، وترتفع التجارة مع هذه الدول بسرعة.

وذكرت “ذي إيكونوميست” أن 51% فقط من الواردات الأمريكية من الدول الآسيوية “منخفضة التكلفة” جاءت من الصين العام الماضي، منخفضة من 66% عندما فرضت إدارة ترامب الرسوم الجمركية منذ 5 سنوات.

لكن المشكلة أن التجارة بين حلفاء واشنطن وبكين ترتفع أيضًا، ما يشير إلى أنهم يعملون في أكثر الأحيان كمراكز تعبئة للبضائع الصينية. ووفق المجلة، يعني تدفق المنتجات أنه على الرغم من أن أمريكا لم تعد تشتري مباشرة من الصين مثل السابق، لا يزال اقتصاد الدولتين يعتمد على أحدهما الآخر.

إعادة توجيه

في ما يتعلق بالدول المستفيدة من انخفاض التجارة الصينية المباشرة مع الولايات المتحدة، أشار بحث لعميدة كلية السياسة والاستراتيجية العالمية بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، كارولين فروند، وآخرين، إلى أن الدول التي لديها أقوى علاقات تجارية مع الصين في صناعة معينة، كانت المستفيد الأكبر من إعادة توجيه التجارة.

وحسب “ذي إيكونوميست”، يشير هذا إلى أن سلاسل الإمداد الصينية العميقة لا تزال مهمة بشدة لأمريكا. وتظهر صحة هذه النتيجة أكثر في الفئات التي تشمل منتجات التصنيع المتقدمة، التي تحرص واشنطن على تقييد وجود بكين بها.

وعندما يتعلق الأمر بهذه البضائع، انخفضت حصة الواردات الأمريكية من الصين بنسبة 14% في الفترة بين 2017 و2022، في حين حصلت الواردات من تايوان وفيتنام، اللتين تستوردان بكثافة من الصين، على الحصة الأكبر من السوق. ولهذا، فإن النشاط الصيني لا يزال ضروريًّا لكثير من المنتجات الحساسة.

اقرأ أيضًا| «ناشيونال إنترست»: الاقتصاد العالمي دخل حقبة جديدة للأعمال التجارية

انفصال زائف

لفتت “ذي إيكونوميست” إلى أن آخر البيانات الرسمية، المنشورة في 2018، بخصوص صادرات رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) تُظهر أن 7% من حيث القيمة يُنسب فعليًّا إلى شكل من أشكال الإنتاج في الصين، وهو رقم أقل من الواقع نظرًا إلى صعوبة فك تشابكات التجارة.

وتشير البيانات الأحدث إلى أن أهمية الصين ازدادت منذ ذلك الحين. وارتفعت حصة الدولة من الصادرات إلى الرابطة في 69 من أصل 97 فئة منتجات تراقبها آسيان. وكانت الصادرات الإلكترونية في الفئة التي شهدت النمو الأكبر.

وأشارت المجلة البريطانية إلى وجود نمط مماثل في الاستثمار الأجنبي المباشر، لأن الإنفاق الصيني في دول جنوب شرق آسيا المهمة تجاوز الإنفاق الأمريكي.

صناعة السيارات

حسب “ذي إيكونوميست”، تعج المصانع في مناطق أخرى بالنشاط الصيني، خاصة في صناعة السيارات. والعام الماضي، صدّرت شركات صينية قطع سيارات بقيمة 300 مليون دولار في الشهر إلى المكسيك، وهو أكثر من ضعف الملبغ الذي كانت تتعامل به منذ 5 سنوات.

وفي وسط وشرق أوروبا، حيث ازدهرت صناعة السيارات في السنوات الأخيرة، أصبح الانفصال الزائف أكثر وضوحًا. وتوفر الصين الآن 10% من جميع قطع السيارات المستوردة في أوروبا الشرقية ووسط أوروبا، أي أكثر من أي دولة أخرى من خارج الاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضًا| كيف تستعيد الولايات المتحدة مكانتها كقوة تصنيعية عظمى؟

نتيجة عكسية

تُعد العلاقات التجارية الأوثق بين حلفاء أمريكا والصين النتيجة العكسية لرغبة واشنطن في إضعاف العلاقات. ووفق “ذي إيكونوميست”، تتبع الشركات الخائفة من تدهور العلاقات عبر الباسيفيك استراتيجيات “الصين زائد واحد”، وهي الحفاظ على جزء من الإنتاج في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع نقل بقية الإنتاج إلى دول صديقة لواشنطن.

وتقول المجلة إن الطلب الأمريكي على المنتجات النهائية من الحلفاء يعزز أيضًا الطلب على الإسهامات الصينية الوسيطة، ويخلق حوافز للشركات الصينية كي تعمل وتُصدّر من أماكن بديلة.

هل الوضع مقلق؟

في أسوأ السيناريوهات، وهي الحرب التي تُقطع فيها إمدادات البضائع بين الولايات المتحدة والصين بالكامل، يمكن للتعامل مع الصين، أو شركاتها الموجودة في دول ثالثة، بطريقة غير مباشرة، أن يحسن الإنتاج الصيني.

ولفتت المجلة إلى أن الشركات تتكيف مع القواعد الأمنية لتقليل التكلفة على المستهلكين، لكن الاعتقاد بأن الانفصال يحدث قد يحجب أهمية الإنتاج الصيني لسلاسل الإمداد الأمريكية.

ولأن الدول تحتاج بشدة إلى الاستثمارات والوظائف التي تجلبها التجارة، تعجز أمريكا عن إقناع حلفائها بتقليل دور الصين في سلاسل إمدادهم، والكثير منهم سعداء باللعب على الجانبين. وهكذا، من المفارقة أن العملية التي تباعد بين واشنطن وبكين في التجارة والاستثمار قد تبني علاقات تجارية ومالية أقوى بين الصين وحلفاء أمريكا.

ربما يعجبك أيضا