لوفيجارو | علاقة وطيدة تجمع بين تركيا وقطر وتمزق العالم العربي الإسلامي

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – محمد شما

لوفيجارو- بقلم جورج مالبرونو

من سوريا إلى ليبيا، تثير الشراكة التركية القطرية الهادفة إلى الدفاع عن الإسلام السياسي، حالة من القلق.

بات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على وشك الحصول على هدية لطيفة؛ إنها طائرة رئاسية من طراز بوينج 747. هذه الطائرة الخاصة التي أهداها إياه بسخاء حليفه أمير دولة قطر، والتي زارها الرئيس التركي يوم الخميس الماضي، في إشارة رمزية على تعزيز الشراكة القطرية التركية، التي تتسبب بقلب المعطيات على الساحتين السورية والليبية.

وبعد وصولها إلى مطار بازل مولوز في 11 ديسمبر 2017، تنتظر الطائرة التجارية التابعة للخطوط الجوية القطرية الآن طبقة الطلاء النهائية قبل أن يتم تسليمها إلى الرئيس التركي في شهر سبتمبر المقبل. فعلى مدار عام ونصف، خضعت طائرة الجامبو ذات الطابقين لأعمال التجديد، في حظيرة قسم الطيران الخاص في المطار الفرنسي السويسري حيث أعادت الشركة المتعهدة بإعادة التجديد تصميم الطائرة وتم تغيير الداخلية بالكامل، مما رفع من قيمتها بأكثر من الضعف، أي أكثر من مليار دولار وذلك وفقًا لمصدر سويسري. وحصلت الطائرة على تجهيزات من الخشب الطبيعي تم تصنيعها حسب الطلب! فالشيخ تميم آل ثاني، الذي دفع فاتورة التجديد، لم يستهزأ بحليفه التركي: فعند دخولك من باب الطائرة، تجد على اليسار المساحة المخصصة لإردوغان، والتي تحتوي على غرفة نوم وحمام، ومكتب كبير مع شاشات تلفزيون عملاقة. وفي نهاية المقصورة، يوجد حوالي عشرين مقعدًا للمستشارين الخاصين به.

طائرة مؤمنة للغاية. وبعد أشهر قليلة من وصوله إلى بازل، ذهب فريق مختص إلى مدينة زيوريخ لاستلام منظومة مضادة للصواريخ من تصنيع شركة “إلبيت” الإسرائيلية، حيث ثم تم تثبيتها تحت أجنحة طائرة الرئيس التركي، المعروف بمواقفه المعادية للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. ولكن، وفقا لما أدلى به أحد العسكريين الفرنسيين، “في مجال الأمن الجوي، تكاد تكون إسرائيل ضرورية، وعندما يتعلق الأمر بالحماية الشخصية، ينسى عظماء العالم مبادئهم بسرعة للحفاظ على أنفسهم”.

لقد عزز الحصار الذي فرضه السعوديون والإماراتيون في عام 2017، على قطر لدعمها الإسلاميين والإرهاب، من ذلك التحالف بين الدوحة وأنقرة، وعزز أيضا المواقف التركية في الخليج.

وبعيدا عن الانقسام العميق القائم بالفعل بين السنة والشيعة، فإن هذا المحور التركي القطري، الذي يهدف إلى الدفاع عن الإسلام السياسي، يشكل صدعا جديدًا في العالم العربي الإسلامي، يواجه المحور المعادي للإخوان المسلمين والذي ترعاه كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.

التبادل المخابراتي

لقد كان إردوغان مدينا بالفضل لأمير قطر الشاب بعد الانقلاب التركي الفاشل في صيف 2016، حيث ساندت قطر تركيا في دعم الليرة من خلال تقديم ثلاثة مليارات دولار للبنك المركزي التركي. وبعد ذلك بعام، أنشأت أنقرة جسرا جويا مع الدوحة، وسط جيرانها. وفي المقابل، تستثمر قطر المليارات في قطاعات السياحة والمصارف والصناعات التحويلية التركية. 
وتجددت هذه الشراكة في 20 مايو بعد أن وجدت تركيا نفسها في مأزق بسبب تعذر التوصل لاتفاق مع الدول الغربية، لتجد في قطر مصدرا جديدا للحصول على العملة الأجنبية، بفضل مضاعفة الاتفاق بين البنوك المركزية في البلدين ثلاثة مرات ليصل إلى 15 مليار دولار .

عميل فرنسي على دراية بشؤون الخليج

ولكن بعيدا عن هذا التحالف، الذي يبرره في أنقرة الحاجة إلى الانفتاح على الشرق الأوسط بعد الرفض الأوروبي لقبول تركيا، تتعلق هذه الشراكة بمجالات الدفاع والاستخبارات والسيطرة على العالم الإسلامي.

ومن جانبه أكد عميل فرنسي على دراية بشؤون الخليج، التبادل المعلوماتي بين البلدين قائلا : “لقد تم دمج ضباط أتراك من جهاز المخابرات الخارجية التركي داخل أجهزة المخابرات الداخلية والخارجية القطرية، وبالمثل تم أيضا دمج ضباط قطريين في جهاز المخابرات الخارجية التركي”. وهذا أمر لا يثير استياء بعض الدول الأوروبية التي تحتاج إليه في بعض الأحيان. فكما استفادت فرنسا من المساعدة الثمينة التي قدمها جهاز الاستخبارات الخارجية التركي في إطلاق سراح الرهائن في سوريا عام 2014، استفادت إيطاليا مؤخرًا من الدعم التركي والاستخبارات القطرية في إطلاق سراح “سيلفانا رومانو”، التي احتجزتها الصومال من قبل حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة. حيث أجرت المخابرات التركية بفضل القاعدة العسكرية التي تمتلكها أنقرة في الصومال، اتصالات مع الخاطفين، ودفعت الدوحة الفدية، وفقا للصحافة الإيطالية.

العمل المشترك في ليبيا

وفي سوريا أيضًا، تتعاون أجهزة الاستخبارات التركية والقطرية لإدارة السديم الجهادي، المحصور في إدلب، تلك المدينة التي تسعى دمشق وموسكو لاستعادتها. وتحتاج أنقرة إلى اتصالات حليفها القطري مع الجهاديين لتحقيق هدفها المتمثل في القضاء على أكثر هؤلاء الجهاديين تطرفًا، وهم المقاتلين الأجانب المرتبطين بالقاعدة، وإعطاء الانطباع بأن المجموعة الباقية، أصبحت مقبولة، وستطيع تركيا.

وبالإضافة إلى دعمها السياسي والتشغيلي، تستثمر الدوحة بشكل متزايد في الصناعات الدفاعية التركية، فوفقا لعدد خاص من مجلة “رايد” العسكرية “تعد وزارة الدفاع القطرية من أوائل الدول التي حصلت على طائرات المراقبة التركية بدون طيار من طراز “2Bayraktar TB-“، كما تقوم بتمول تطوير النموذج التالي للشركة التي يرأسها سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس إردوغان.

وتضاعفت المشاريع المشتركة بين البلدين، كمشروع شركة “بس إم سي”، المسؤولة عن إنتاج أول دبابة قتال تركية من طراز “Altay”، والمملوكة بنسبة 25 ٪ لرجل أعمال مقرب من إردوغان وهو إيثيم سانجاك، و 25.1 ٪ من قبل عائلة أوزتورك، والنسبة المتبقية 49.9٪ تعود لملكية القوات المسلحة القطرية.

أما القاعدة التركية التي تأسست في قطر في أعقاب الحصار السعودي الإماراتي فباتت تضم الآن ما يقرب من 5000 جندي، من بينهم قوات خاصة وبحرية. وتسمح الموانئ القطرية الموجودة في المياه العميقة لتركيا بالرسو في مياه الخليج. أما الدعم التركي فيزيد من عمق قطر الاستراتيجي، مما يسمح للبلدين بالتدخل في شرق إفريقيا على وجه الخصوص.

وفي ليبيا، تواجه الإمارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا الدعم الذي تقدمه الدوحة واسطنبول لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، حيث ينتقدون التوافق التركي القطري على دعم الإسلاميين المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين. لذا وجدت فرنسا، التي سحبت قواتها الخاصة من معسكر السراج، نفسها في قلب الأزمة عندما كانت سفينة لو كوربيه التابعة لها، في مهمة لفرض حظر الأسلحة على ليبيا، هدفا لعمل عدائي من قبل سفينة تركية في البحر المتوسط قبالة الساحل الليبي. ويقول أحد العسكريين الفرنسيين: “السفينة التركية كانت تحمل أسلحة يشتبه في أن قطر اشترتها لصالح حكومة السراج”.

تداعيات في الألزاس

ومع الإشارة إلى أن قطر ليست الممول الوحيد لأنقرة في ليبيا، لكنها تشكل غطاء دبلوماسيا لها، يؤكد الباحث جليل الحرشاوي أن سفن الشحن القطرية قد غادرت بالفعل قاعدة “العديد” الجوية بالقرب من الدوحة ورست بشكل مؤقت في تركيا، قبل فترة وجيزة من استعادة حكومة الوفاق لقاعدة الوطنية الجوية من قبضة خليفة حفتر في 18 مايو.

وتثير الشراكة التركية القطرية قلق ألمانيا ووزارة الداخلية الفرنسية التي تخشى بدورها من عواقب هذه الشراكة على الأقليات المسلمة. لذا يقول أحد عملاء جهاز الاستخبارات الإقليمية في باريس، من الواضح أن “الأموال القطرية تستخدم لتقوية تيار الإسلام الراديكالي بالجاليات التركية في أوروبا”. ففي الخريف الماضي، ذهب أيوب شاهين، الزعيم الإقليمي لجمعية “ميلي جوروس” الإسلامية، لطلب المساعدة في الخليج لإكمال بناء مسجد أيوب سلطان الكبير في مدينة ستراسبورج.

وكشفت مجلة “Rue89Strasbourg” أن جان ميشيل كروس، مدير هذه المشروع في بلدية ستراسبورج، كان يرافقه في هذه الجولة. وإذا كان نظام الكونكورد، المعمول به في مقاطعة الألزاس الفرنسية، يجيز التمويل العام للمؤسسات الدينية، فإن هذه المبادرة غير مرحب لا سيما وأن الدولة الفرنسية تكافح ضد التيارات الانفصالية الإسلامية والتمويل الأجنبي للإسلام في فرنسا. ومن جانه قال وزير الداخلية الفرنسي: “أيوب شاهين لم يعد من الخليج خالي الوفاض”.

ويخطط المسؤول عن جمعية ” ميلي جوروس” لافتتاح أول مدرسة إسلامية خاصة بدون عقد في إقليم الراين الأسفل شمال شرقي فرنسا. ووفقًا لمعلوماتنا، فقد قام بتقديم اللوائح الأساسية لمدرسته أمام محكمة مقاطعة مولوز في 18 فبراير؛ التاريخ الذي وافق يوم وصول إيمانويل ماكرون إلى إقليم الراين الأسفل، حين ندد بالتيارات الانفصالية الإسلاموية وأعلن إغلاق برنامج “دروس اللغة والثقافة الأصلية” التي تسمح لأبناء المهاجرين بتلقى دورس اللغة الأم للوالدين للإبقاء على علاقتهم بجذورهم، بما في ذلك اللغة التركية. ويقول أحد ضباط الاستخبارات بباريس، “أجد فيما قام به المسؤول عن جمعية ميلي جوروس استهجان لرئيس الجمهورية”.

ويعتزم إردوغان الذي يترأس دولة يعيش على أراضيها عدة ملايين من اللاجئين السوريين والعديد من قيادات الجماعات الإسلاموية المطاردين من مصر على وجه الخصوص، إعادة جعل اسطنبول “مركزا للعالم الإسلامي”، كما كان الحال في عهد الدولة العثمانية، في منافسة صريحة للملكة العربية السعودية. ويقول ستيفن أ. كوك وحسين إيبش الباحثان في معهد الدول العربية في واشنطن: “قطر ليست إلا شريك صغير في هذه الشراكة، وتركيا هي من يطمح إلى لعب دور إقليمي رائد”.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا