مؤامرات سياسية وحروب نفسية.. العالم السرّي لوحدة الأنشطة الخاصة في سي أي إيه

عملاء وجواسيس ومؤامرات.. ماذا تعرف عن وحدة الأنشطة الخاصة في CIA؟

محمد النحاس
مؤامرات سياسية وحروب نفسية وعمليات خاصة.. العالم السرّي لوحدة الأنشطة الخاصة في سي أي إيه

تشمل مهام وكالة الاستخبارات المركزية، التجسس على الحكومات الأجنبية والقيام بعمليات سرية بما في ذلك تحويل الأموال إلى جماعات المعارضة في بلدان أخرى للتأثير في الانتخابات أو الإطاحة ببعض القادة الأجانب


في 11 سبتمر عام 2012 -ذكرى هجمات برجي التجارة- شن مئات المتمردين في ليبيا هجومًا داميًّا واسع النطاق على القنصلية الأمريكية في بنغازي شرقي البلاد.

وقُتل خلال الهجوم السفير الأمريكي في بنغازي كريس ستيفنز و3 دبلوماسيين أمريكيين، وعقب ذلك أمر مدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA عملاء الوكالة على بعد ميل تقريبًا من موقع القنصلية بعدم التدخل، غير أن مسؤول فرع التدخل العالمي ( GRS) تدخل مخالفًا الأوامر، إلا أنّه قتل رفقة عناصر آخرين من الوكالة.

CIA وكالة الاستخبارات الأقوى عالميًّا

كان هذا الفشل الاستخباري مثارًا لجدل كبير داخل الولايات المتحدة، غيّر أنه ورغم من ذلك تظل CIA واحدة من أعتى وكالات الاستخبارات العالمية وأكثرها براعةً وتعقيدًا.

فكيف تعمل هذه الوكالة وما هي أقسامها المختلفة؟ ولماذا تدخلت وحدة GRS في هجوم بنغازي؟ وتحت أي قسم تندرج؟

تعد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، سي أي إيه، واحدة من أقوى الأجهزة الاستخبارية في العالم والتي تُنسج حول عملها الكثير من المبالغات.

كيف تعمل الوكالة؟

وكالة سي إي إيه”CIA”، جهاز استخباري معلوماتي بالمقام الأول، وتعد جزءًا من مجتمع الاستخبارات الأمريكي ومكلفة بجمع ومعالجة وتحليل معلومات الأمن القومي في جميع أنحاء العالم، هذا بالإضافة لتنفيذ العمليات السريّة والمؤمرات السياسية، وفق تقرير لمجلة “سوفريب” العسكرية.

وتضرب الوكالة الاستخبارية بجذورها في الماضي إذ تأسست قبل عقود إبّان الحرب العالمية الثانية بأمر بموجب قرار من الرئيس الأمريكي آنذاك ”هاري ترومان” لتصبح بديلاً عن “مكتب الخدمات الاستراتيجية” (OSS).

تُقدم وكالة الاستخبارات المركزية تقاريرها إلى مدير الاستخبارات الوطنية وتوفر الوكالة على تقديم المعلومات الاستخبارية للرئيس الأمريكي، حسب تقرير مطوّل لمجلة سوفريب. وعلى النقيض من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، فليس لدى CIA مهام تتعلق بإنفاذ القانون في الداخل، إذ تركز بنحو أساسي على العمليات الاستخبارية خارج حدود البلاد.

نشاط داخل الولايات المتحدة

تشمل مهام وكالة الاستخبارات المركزية، التجسس على الحكومات الأجنبية والقيام بعمليات سرية بما في ذلك تحويل الأموال إلى جماعات المعارضة في بلدان أخرى للتأثير في الانتخابات أو الإطاحة ببعض القادة الأجانب، وفقًا لهئية الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وفي حين يُحظر على الوكالة تنفيذ عمليات داخل الأراضي الأمريكية، إلا أنّ تقرير سوفريب يفيد أن مصادره الموثوقة داخل وكالة الأمن القومي الأمريكي، وقيادة العمليات الخاصة المشتركة ( JSOC) تفيد باستخدام CIA  بشكل روتيني وكلاء أنشطة “البيزنس” الأجانب للقيام بعمليات تجسس داخل الأراضي الأمريكية.

وعلى سبيل المثال، يُمكن أن تُجند CIA  صاحب فندق من جنسية أجنبية بهدف التجسس على شخصيات هامة ذات حيثية ممن يرتادون الفندق من خلال تسجيل الصوت الصورة.

المهام الرئيسية لـ CIA

إجمالاً فإن وكالة الاستخبارات المركزية مكلفة بـ 3 مهام  رئيسية:

  • جمع المعلومات: عن الحكومات الأجنبية والشركات والأفراد والتي قد تتعلق بشكل أو بآخر بالأمن الأمريكي.
  • تحليل المعلومات الاستخبارية: المرتبطة بقضايا الأمن القومي وإعداد تقارير شاملة تُقدم للحكومة للمساعد في اتخاذ القرارات المرتبطة بالأمن القومي والسياسة الخارجية
  • العمل السري: بناء على طلب الرئيس، يمكن لوكالة الاستخبارات المركزية استخدام مواردها لتنفيذ أنشطة سرية في الخارج للتأثير على الأحداث لصالح مصالح الولايات المتحدة، هذه العمليات تترواح بين العمليات الدعائية ومرورًا بدعم الحلفاء وحتى استهداف حكومات أجنبية وزعزعة سيطرتها.

ويمكن اعتبار أن وحدة أو مركز الأنشطة الخاصة (SAC) هي القسم الأكثر إثارةً للاهتمام، حيث يضطلع بالعمليات السرية والعمليات شبه العسكرية.

ويمثل هذا القسم الطريق الثالث  -البديل- بين مساري التدخل العسكري والدبلوماسية، ويعد مركز الأنشطة الخاصة “حجز الزاوية” في عمليات الظل الأمريكية.

وحدة الأنشطة الخاصة

يتألف مركز الأنشطة الخاصة (SAC) من عدة أفرع متخصصة، على سبيل المثال: الفرع البري والفرع الجوي والفرع البحري ومجموعة العمل السياسي، حيث تنفذ هذه الأفرع مهام على شاكلة: جمع المعلومات الاستخبارية والحرب النفسية والمؤمرات السياسية وحتى أعمال التخريب.

وينقسم مركز (SAC) إلى قسمين رئيسيين: مجموعة العمليات الخاصة للعمليات التكتيكية شبه العسكرية (SOG)، ومجموعة العمل السياسية، للمهام السياسية السرية (PAG).

اختيار عملاء الوكالة

نظام التوظيف والتدريب لعملاء قسم مركز الأنشطة الخاصة صارم للغاية، حيث يتم توظيفهم من أفراد النخبة في مجتمع العمليات الخاصة للجيش والمجالات المتخصصة الأخرى، ليكونوا في طليعة حروب الظل الأمريكية، وعلى أتم الاستعداد للانتشار في جميع أرجاء العالم.

ويتمتع هؤلاء الأفراد بمجموعة كبيرة من المهارات الفريدة والقدرات الخاصة، ناهيك عن مستويات التدريب الرفيعة التي يتلقونها قبل الانخراط في العمل الاستخباري.

و إجمالا تؤدي مهام قسم الأنشطة الخاصة (SAC)، التي غالبا ما تكون غير مرئية وغير معترف بها، دورا محوريا للغاية في تشكيل الملامح الاستراتيجي للمشهد السياسي العالمي، كما كان عليه الحال بالنسبة لسلفها مكتب الخدمات الاستراتيجية.

أفرع متعددة

الفرع البري: هو الذراع البري لوحدة الأنشطة الخاصة، يضم أفراد يتمتعون بقدرات متعددة على شاكلة إمكانات وحدة العمليات خاصة “قوة دلتا”، وقوات النخبة البحرية، والمارينز، في الجيش الأمريكي، هذه الأفرع المتعددة لا تتبع لـ CIA  لكن أفراد وحدة الأنشطة الخاصة لديهم قدرات مماثلة لأفراد المجموعات سالفة الذكر ويشارك الفرع في عمليات على ذات الشاكلة.

وعلى شاكلة الفرع البري، لدى وحدة الأنشطة الخاصة أفرع جويّة وبحرية: حيث ينفذان -بشكل منفصل- عمليات في البحر والجو والتجسس على الأنشطة الجوية والبحرية للدول الأخرى وتنفيذ المهام في هذه السياقات.

أما الفرع البري: تشمل مهام عملاء الفرع البري إجراء عمليات سرية مثل: عمليات التخريب والاغتيال وجمع المعلومات الاستخبارية.وتتميز عمليات الفرع البري بسريتها ودقتها، وغالبًا ما يتم تنفيذها بهدوء في مناطق العدو.

وأنقذ الفرع البري من وحدة الأنشطة الخاصة: الجنديّة الأمريكية جيسيكا لينش والتي اعتقلتها القوات العراقية في 23 مارس 2003 بكمين في الناصرية في المراحل الأول للغزو الأمريكي للعراق.

وقد تمكن أفراد الفرع البري في وحدة الأنشطة الخاصة بإنساد من قوات من الجيش الأمريكي من إنقاذ الجنديّة الأمريكية في 1 أبريل أي بعد نحو أسبوع من اعتقالها. ورغم سريّة التفاصيل فمن المعروف أن المهمة شارك عناصر CIA رفقة الجيش في جهد منسق.

من يؤمن: الأفراد والمهام والمنشآت؟

لكن من يؤمن كل تلك المهام والتي تجري عادةً “خلف خطوط العدو”؟ نعود هنا إلى الوحدة التي تدخلت في هجوم بنغازي، وهي إحدى أهم الفروع داخل وحدة الأنشطة الخاصة هي طاقم الاستجابة العالمي (GRS) يتكوّن الفرع من عملاء مدربين تدريب رفيع المستوى في الحماية الشخصية حيث يتولوا مسؤولية تأمين المواقع والأشخاص ذوي الأهمية القصوى.

بالإضافة إلى توفير إمكانات الدعم المسلح  والتأمين لعملاء الوكالة في المناطق الخطرة. وتقديم الدعم العسكري المباشر في العمليات التي يجري تنفيذها بواسطة عملاء قسم الأنشطة الخاصة الآخرين.

جميع الأفرع سالفة الذكر تقريبًا داخل وكالة الاستخبارات المركزية تندرج ضمن وحدة الأنشطة الخاصة SAC  وتتبع لقسم العمليات التكتيكية شبه العسكرية (SOG).

مجموعة العمل السياسي

أما الفرع السياسي أو مجموعة العمل السياسي (PAG ) هو أحد أكثر الفروع سرية، ويهدف إلى تغيير المجريات السياسية في البلدان الأجنبية دون تدخل عسكري، بحسب المجلة الأمريكية.

ويشمل دور مجموعة العمل السياسي: كافة أساليب الحرب النفسية وعمليات التخريب الاقتصادي، وما يُعرف بـ الدعايا السلبية أو الدعايا المضادة والتي تجري من خلال التلاعب بوسائل الإعلام الرئيسية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتمويل حركات المعارضة، وتنظيم هجمات إلكترونية. هذه المجموعة تلعب دورًا جوهريًّا في تشكيل الخرائط الجيوسياسية بطرق عميقة وغير معلنة بطبيعة الحال، والأدهى من ذلك أنه من المفترض ألا يُلاحظ دور الاستخبارات فيها.

إجمالاً يمكن القول إن CIA هي وكالة شديدة التعقيد من حيث الهيكلية الداخلية، وشديدة التباين من حيث طبيعة المهام الموكلة إليها، كما أنها حيوية الأهمية في تحقيق المصالح الأمريكية، ولم تكن الولايات المتحدة لتتمكن من الوصول إلى ما وصلت إليه يومنا هذا -والحفاظ عليه- دون الدور المحوري الذي لعبته هذه الوكالة، بغض النظر عن مدى أخلاقية دورها.

ربما يعجبك أيضا