مؤتمر ميونخ للأمن 2019… هل يتسع لمشروع القرن والخطر االإيراني وأمن أوروبا ؟

محمود رشدي

رؤية ـ جاسم محمد

شهد مطلع عام 2019، حراكًا سياسيًا دوليًا، أكثر من بقية الأعوام السابقة، وتداخلت الكثير من أجندات هذه المؤتمرات وتقاربت أيضا في توقيتاتها: وارشو، سوتشي وبروكسل وميونخ وغيرها. لكن الأهم هو ليس في الحراك، بل بالنتائج، والتي ما زالت متواضعة جدا، وكل هذا يتعلق ربما بحقيقة لم يدركها العالم، إن ترامب يضع معايير ويرسم خريطة توزيع قوى وتحالفات جديدة، ينبغي على مؤتمر ميونخ وغيره من المؤتمرات إدراك ذلك والتعامل معها بشكل عملياتي وبراغماتي.

تشهد مدينة ميونخ انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن للفترة 15 ـ 17، والذي يعد واحدا من أهم المنصات لطرح النقاش حول قضايا الأمن العالمي، رغم عدم وجود قرارات لهذا المؤتمر. يأتي انعقاد مؤتمر ميونخ هذا العالم، وسط تردي الأمن العالمي والإقليمي، وينعقد بعد يوم واحد أو يومين فقط من انعقاد قمة وارشو، “مشروع القرن” وقمة سوتشي” الشأن السوري” وكذلك اجتماع وزراء الناتو في بروكسل “الأمن في أوروبا”.يشهد المؤتمر أكثر من 100 فعالية خلال الأيام الثلاث، ويحضره أكثر من 40 رئيسا و100 وزير و600 خبير أمني ودفاع.

غياب الرئيس الفرنسي

غياب الرئيس الفرنسي عن حضور مؤتمر ميونخ، أثار اهتمام المراقبين ووسائل الإعلام، ليدفع بتكهنات، وجود خلافات داخل المحور الفرنسي الألماني. الفرنسيون اعترضوا على خط غاز” نورد ستريم” من روسيا إلى أوروبا، والذي تعتبر فيه ألمانيا المستفيد الكبير، لكن في حديث مباشر”لشبكة رؤية” مع الإعلامي والصحفي من باريس، مصطفى طوسة: قال إن عدم حضور ماكرون، ربما يتركز بسبب خلافاته مع ترامب وتحديدا حول كيفيه التعامل ممع الملف النووي 5 زائد واحد، وخلافات ترامب مع ضفتي الأطلسي، ومشكلات فرنسا الداخلية أكثر من غيرها.

التنبيه إلى الخطر الإيراني

الأوربيون ينظرون إلى الخطر الإيراني، لم يتحدد في الملف النووي، بل التهديد الإقليمي لدول المنطقة، وتهديد أوروبا، بامتلاكه الصواريخ البالستية، وأنشطة شبكات تجسسية وتخريبية داخل أوروبا، لكنها تريد أن تبقي على الملف النووي مع إجراء التعديلات بدل إلغائه وهذا ما يتعارض مع الرؤية الأمريكية.

أمن أوروبا

ما زالت أوروبا تعيش هاجس القلق وعدم الثقة بتحالفها مع واشنطن، وهذا القلق، يكمن بتجميد الرئيس الأمريكي ترامب معاهدة الحد من الصواريخ القصيرة والمتوسطة الأمد خلال شهر يناير 2019 ولمدة ستة أشهر.

التجميد يعني إعطاء الأطراف وأبرزها موسكو وواشنطن فرصة لمراجعة الاتفاق وربما التفاوض، الأخطر في ذلك وربما هي العنوان الرئيسي خلال مؤتمر ميونخ للأمن هو” الخطر الذي يهدد أمن أوروبا”، باحتمالات نشر صواريخ أمريكية من جديد في أوروبا خاصة في أعقاب قمة وارشو، رغم نفي ترامب والأمين العام للناتو لذلك، إلا في حالة وجود تهديد روسي.

أمن أوروبا هذا العام يطغي على مؤتمر ميونخ أكثر من عنوان مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم داعش.

قمة سوتشي هي الأخرى كانت عينها على مؤتمر ميونخ، الانسحاب الأمريكي، أعطى دفعة قوية إلى موسكو وإيران ودمشق وتركيا، لتكون الأطراف الأكثر فاعلة في المشهد السوري.

التحالف الدولي، تراجع كثير وخاصة أعضاءه الأوروبيين، أبرزها بريطانيا وفرنسا.

محاربة داعش

هذا العام، عنوان محاربة داعش، يكون ضمن عنوان الأمن الدولي، وتحديدا الساحل الأفريقي والعمليات الإرهابية التي تشهدها شمال وغرب أفريقيا، وهذا ما حدده تقرير ميونخ السنوي لهذا العام والذي جاء بما يقارب مائة صفحة.

يلتقي وزراء دفاع دول التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في ميونيخ اليوم 15 فبراير 2019 لمناقشة التحولات التي سيعرفها التنظيم بعد طرده من آخر جيب لهم في سوريا ومغادرة القوات الأمريكية البلاد.

ويحضر حوالي 20 وزيرًا مؤتمر ميونيخ للأمن من بينهم وزراء دفاع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.

تفكك الأمن الدولي

مؤتمر ميونخ لعام 2019، يضرب جرس الإنذار إلى تفكك الأمن الدولي، وما يعنيه مؤتمر ميونخ هو تفكك “الناتو” وتفكك التحالف ما بين دول أوروبا والولايات المتحدة.

التناقضات، في توزيع القوى خلال هذا العام، دفعت مؤتمر ميونخ للأمن إلى ضرب “جرس الأنذار”، في أوروبا لتعطي ظهرها إلى الولايات المتحدة وتتقرب من موسكو، التشيك ودول أوروبية أخرى، تعلن حالة”العصيان” ضد أي خطة محتملة لنشر الصواريخ الأمريكية ! تركيا حليف الناتو… قريبة من موسكو وتشتري صواريخها !

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليوم 10 يناير 2019 إن تركيا قد تشتري صواريخ باتريوت من أمريكا في المستقبل إذا كانت الشروط مناسبة، لكن ذلك سيكون مستحيلا إذا أجبرت واشنطن أنقرة على التخلي عن شراء منظومة إس-400 التي اتفقت على شرائها من روسيا.

هذا الحراك الدولي غير الطبيعي، أو غير النمطي يربك حساب القادة والمراقبين المعنيين بالأمن والسياسة.

مؤتمر ميونخ عام 2019، يعقد لثلاثة أيام فقط، فهل ممكن حل مشكلات وأزمات العالم بثلاث أيام ؟ بدون شك، مستحيل أن يحصل ذلك.

السؤال: ما هي أهمية مؤتمر ميونخ للأمن هذا العام؟

تكمن أهمية مؤتمر ميونخ هذا العام، كونه مؤتمرًا غير رسمي، يحرر القادة من بروتكولات الدبلوماسية، ويعطيها حرية ومرونة الحركة ما بين أروقة المؤتمر لعقد اجتماعات ثنائية، وفرصة إلى المعنيين بالأمن على مستوى الخبراء لتبادل الرأي والمشورة.

وهذا يعني أن مؤتمر ميونخ سوف لا يخرج بمخرجات أو قرارات، بقدر مايخرج بتنبيهات أو توصيات لحل مشكلات الأمن الدولي.

الاستخبارات :تبقى الاستخبارات، هي العنوان الفاعل في مؤتمر ميونخ هذا العام، كونها “الأساس” في تبادل المعلومات والبيانات، في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب، أكثر من قضايا الدفاع والخيارات “الصلبة”.

وهذا يعني أن دول أوروبا تحديدا أكثر من الولايات المتحدة، سوف تتجه أكثر إلى دول المنطقة، من أجل إيجاد اتفاقيات ثنائية أكثر من التحالفات، من أجل التعاون الاستخباراتي في قضايا الإرهاب، تعقب تنظيم داعش، وعناصر تنظيم داعش من حملة الجنسية الأوروبية ومحاولات الوصول إلى آلية ربما في موضوعات تمويل الإرهاب .

العام الماضي وعلى هامش المؤتمر عقد رؤساء أجهزة المخابرات الألمانية BND والفرنسية DGSE والبريطانية M16 مؤتمرًا صحفيًّا مشتركًا، خلص بالتعاون الأمني مع بريطانيا حتى ما بعد “البريكست“.

فمن المتوقع أن يكون أمن أوروبا ” ما بعد “البريكست” حاظيًا باهتمام كبير من قبل أجهزة الاستخبارات الأوروبية، فرغم خلافات الساسة الأوربيين، فإن أجهزة استخباراتها تعمل على خط آخر مختلف عن لغة السياسة، طالما فيها مصلحة الأمن الأوروبي والأمن الدولي.

مؤتمر ميونخ للأمن خلال عام 2018، وصف بالمؤتمر الفاشل، رغم إن الظروف الدولية للعام الماضي كانت أكثر بكثير من العام الحالي، وهذا يعني أن نتائج مؤتمر ميونخ هذا العام، لن تكون أفضل من سابقاته.

التوصيات

ما تحتاجه دول أوروبا ودول منطقة الشرق الأوسط، النهوض بأمنها القومي ومواجهة التحديات والتهديات الأمنية، بنفسها، ولا تعول على التحالفات الدولية، رغم حقيقة أنه لا توجد دولة يمكنها محاربة الإرهاب بمفردها، كون الإرهاب لم يتحدد بجغرافية ولم يعد محصورا بمسك الحدود.

تبقى آلية تبادل المعلومات والتعاون الأمني هي المطلوبة، ويمكن للدول الإستفادة من تنبيهات مؤتمر ميونخ لهذا العام والعمل عليها بما يخدم أمنها القومي ضمن منظومة الأمن الدولي.

ربما يعجبك أيضا