مالك بن نبي.. مفكر الجزائر الذي عانى من الاحتلال ولقب بـ«ابن خلدون» العصر الحديث

محمود سعيد

انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م وهناك حظي باحترام كبير، وتعتبر هذه المرحلة الأخصب في حياته كلها.


يعد المفكر الجزائري مالك بن نبي أحد رواد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين ويعتبره المفكرين والباحثين امتدادًا للعلامة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع.

المفكر الجزائري، عانى من الاحتلال الفرنسي لبلاده ورفضته إدارة معهد الدراسات الشرقية في فرنسا لينطلق إلى بحور أوسع قدم من خلالها عديد المؤلفات لتحقيق النهضة الإسلامية بشروط وقواعد محددة، فمن يكون مالك بن نبي؟

حياة مالك بن نبي

هو مالك بن عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي. وُلِدَ في مدينة تبسة التابعة لولاية قسنطينة شرقي الجزائر في ذي القعدة 1322هـجريًا/ يناير 1905ميلاديًا، في زمن الاحتلال الفرنسي لها. تلقي الدروس في المساجد مع التحاقه بمدرسة فرنسية، وأصبحت لغة المستعمر أداة التعبير في مؤلفاته لأمد طويل.

تأثَّر ماك بصديقٍ له دائم الاستشهاد بآيات القرآن وتفسيرها تفسيرًا اجتماعيًّا، وأبناء مدينته المعتصمين بالإسلام والعربية حتى لا تذوب هويتهم في هوية المستعمر، ومجلة “الشهاب” التي تصدرها جمعية العلماء المسلمين، برئاسة عبد الحميد بن باديس.

رحلة مالك بن نبي إلى فرنسا

في عام 1930 سافر بن نبي إلى باريس لمواصلة تعليمه في معهد الدراسات الشرقية، لكن إدارة المعهد لم تقبله بحجة “أنه مسلم جزائري”، وكتب بن نبي عن هذه الواقعة “لم أقبل بالمعهد، لأن الانتساب للمعهد بالنسبة لمسلم جزائري لا يخضع لمقياس علمي، وإنما لمقياس سياسي”. واضطّر لتعديل أهدافه وغاياته، فالتحق بمدرسة اللاسلكي للتخرج كمساعد مهندس.

لكن مالك بن نبي لم يخضع لعنصرية فرنسا، وإنما نفذ ما أراده في الدراسة وفي الحياة الفكرية، واختار الإقامة في فرنسا وخاض حينها نقاشاتٍ كثيرة في العقائد مع الفرنسيين، وتزوج من فرنسية أسلمت على يديه. واستطاع أن يوسع شبكة علاقاته الفكرية والثقافية في باريس، فالتقى هناك الأمير شكيب أرسلان وغاندي، وأصبح له حضور متميز في أوساط المغاربة والجزائريين.

تراثه العلمي

قدم المفكر الجزائري مالك بن نبي للمكتبة الإسلامية خلفه ثروة فكرية تعتبر بصمة في الفكر الإسلامي المعاصر، يزيد عددها عن 30 كتابًا، وهي مؤلفات وصفت أمراض الأمة الإسلامية وطرق علاجها وشروط النهضة, فأصدر كتابه الظاهرة القرآنية في سنة 1946 ثم شروط النهضة في 1948، الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار ووجهة العالم الإسلامي 1954.

ويعتبر الكثير من المفكرين أن مالك بن نبي هو ابنَ خلدون العصر الحديث، وانه أبرز مفكر عربي عُنِيَ بالفكر الحضاري منذ ابن خلدون. ومالك نفسه لا يخفي تأثره بفكر ابن خلدون ونظرياته حول العمران البشري، بل أشار إلى ذلك في مواضع شتَّى من كتبه، كما ذكر ذلك في مذكرات حياته “شاهد القرن”.

انتقاله إلى مصر وتأثيرها عليه

انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954، وحظي باحترام كبير، وتعتبر هذه المرحلة الأخصب في حياته كلها، فقد أنتج مجموعة مؤلفات أهمها “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” وكتب “الفكرة الإفريقية الآسيوية” 1956.

وترجمت بعض مؤلفاته للغة العربية، بعدما اكتشف المثقفون المشارقة في مصر ولبنان والعراق أهمية أفكاره، وتوالت أعماله الجادة ومنها آفاق جزائرية 1964، والإسلام والديمقراطية 1968، والمسلم في علم الاقتصاد 1972، و”فكرة كومنولث إسلامي”، و”مشكلة الثقافة”، و”بين الرشاد والتيه”، و”دولة مجتمع إسلامي”، و”المشكلة اليهودية”، و”نموذج المنهج الثوري”.

عودته إلى الجزائر

بعد استقلال الجزائر عاد إلى بلاده، فعين مديرًا للتعليم العالي الذي كان محصورًا في جامعة الجزائر المركزية، حتى استقال سنة‏ 1967 للتفرغ للكتابة، بادئًا هذه المرحلة بكتابة مذكراته، بعنوان عام مذكرات شاهد القرن.

وقال قبل وفاته: “سأعود بعد 30 سنة وسيفهمني الناس”، وتحقق بالفعل ما ردده، ورغم أنه رحل في 31 أكتوبر 1973، عن 68 عامًا إلا أن علمه ومؤلفاته ونظرياته وصلت إلى شتى بقاع العالم الإسلامي.

شروط النهضة لدى مالك بن نبي

يقول أستاذ الفلسفة في المدرسة العليا للأساتذة عن شروط النهضة لدى “ابن نبي”، عليش لعموري، إن إجهاض النهضة تسبب في أزمة سياسية دائمة عند العرب والمسلمين، مشيرًا إلى أن بن نبي طالب “النخبة السياسية إلى أن تعتمد في معالجة قضايا الأمة على فهم الواقع، وأي إصلاح أو تغيير يجب أن ينطلق من الأرض التي يعيشون فيها”.

وأردف: “ابن نبي تأثر بفكر ابن خلدون في مسألة بناء الحضارة عندما قسمها إلى 3 مراحل، تبدأ بتلبية الاحتياجات الغريزية، وفي المرحلة الثانية تلبي الاحتياجات العقلية، أي الفكر والحضارة، والمرحلة الثالثة انهيار الحضارة وزوالها، وهو يرى أن معوقات بناء الحضارة أنها تكمن في قابلية المجتمعات العربية والإسلامية للاستعمار، وهو يعني التفكير بعقلية الآخر، والذوبان فيه دون التفريق بين هويتنا وهوية الآخر”.

العيش بعقلية الحاضر لا الماضي

ومن أهم ما دعا إليه المفكر الجزائري المسلمين، أن يعيشوا بعقلية الزمن الحاضر لا بعقلية الماضي. وقال أستاذ التاريخ في جامعة الجزائر، مولود عويمر: “رغم انتقاد بن نبي للغرب ووجهه الاستعماري، فإنه أنصف الغرب في أحكامه، فلم ينكر دوره وإسهامه في البحث العلمي وتوفير أسباب الراحة المادية للبشرية، ولم يرَ مانعًا من التعاون مع الغرب على قاعدة الاحترام المتبادل”.

من أقواله وعباراته

  • “نحن نستورد أدوات المدنية لكن لا نتعامل معها بشكل حضاري”.
  • “ليست المشكلة أن نعلِّم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها، وقوتها الإيجابية، وتأثيرها الاجتماعي”.
  • العلم هو الطريق الوحيد للاستفادة من المبدأ الأخلاقي وذوي الجمال والمنطق العملي ، فهي بلا علم لا تعني شيئًا”.

ربما يعجبك أيضا