مجلس العلاقات الخارجية | كيف شكلت حرب 1967 ملامح الشرق الأوسط المعاصر؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

عقب تهديدات الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر” لإسرائيل، وطرده لقوات حفظ السلام الأممية من شبه جزيرة سيناء في الثامن عشر من مايو 1967، وحشده لقوات الجيش المصري، ردّت إسرائيل بشنّ هجوم أسفر عن هزيمة سريعة للجيوش المصرية والأردنية والسورية، واحتلال سيناء وقطاع غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية وهضبة الجولان، وتضاعفت نتيجة لذلك مساحة الأراضي الخاضعة لإسرائيل ثلاثة أضعاف.

حيث منح ذلك الانتصار تلك الدولة الصغيرة “عمقًا استراتيجيًا” كان بعض مؤسسيها يعتقد أنه ضروري لحمايته من أي هجوم؛ إذ يبلغ عرض مساحة إسرائيل أقل من عشرة أميال عند أضيق نقطة بين البحر المتوسط والخط الأخضر، الذي يحدد نهاية حدود إسرائيل الشرقية المعترف بها دوليًّا. كما أسفر الهجوم الإسرائيلي عن خضوع أعداد كبيرة من السكان العرب تحت سيطرة إسرائيل العسكرية.

لقد حطمت الهزيمة العربية المكانة التي حظيت بها فكرة “القومية” وتركت الفلسطينيين يسعون بمفردهم لإنشاء دولة لهم. في غضون ذلك، انتشرت المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، فيما عاش الفلسطينيون هناك تحت الحكم العسكري الإسرائيلي المتواصل.  

وفيما يلي، يتحدث خمسة باحثين عن الدور الكبير للغاية الذي أدته حرب الأيام الستة عام 1967 في تشكيل منطقة الشرق الأوسط اليوم.

القوة الإسرائيلية دفعت العرب للتعامل بواقعية مع إسرائيل
ناثان ثرول، أحد كبار المحللين في مجموعة الأزمات الدولية

إن النصر الإسرائيلي الكاسح في عام 1967، دفع الدول العربية المهزومة في نهاية المطاف لمواجهة وقبول حقيقة أنهم لن يستطيعوا مطلقًا تحرير كل فلسطين. كل ما سيمكنهم تحقيقه هو انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها أثناء حرب الأيام الستة.  

وقد ظهرت علامات التكيّف العربي مع الواقع الجديد سريعًا. ففي أول قمة عربية عقب الحرب، في الخرطوم في سبتمبر عام 1967، أصدرت الدول العربية إعلان المبادئ الشهير “لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، ولا تفاوض معها”. لكن ذلك الإعلان سبقته جملة لم تحظ باهتمام كافٍ؛ إذ لم تؤكد فقط على سعي الدول العربية لانسحاب إسرائيل من “الأراضي التي احتلتها منذ عدوان الخامس من يونيو”، لكنها أكدت أيضًا على سعي العرب لتحقيق ذلك بصورة غير عنيفة، عبر “الجهود السياسية على المستوى الدولي والدبلوماسي”. وعقب القمة، أبلغ مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الجنرال “آهرون ياريف” الكنيست أن العرب قرروا السعي لتحقيق حل سياسي.

لكن إسرائيل لم تكن متحمسة للتخلي عن الأراضي التي احتلتها في 1967، لهذا سارعت لإدانة قرار قمة الخرطوم بوصفه استعراضًا للتعنت، مطلقة عليه اسم “اللاءات الثلاث”. وفي الواقع، كان ذلك الإعلان خطوة استسلاميه مهمة من ناحية القبول رسميًّا بإسرائيل داخل حدودها قبل عام 1967.

بعد مرور شهرين، تبنّى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 242، داعيًا لتحقيق السلام مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها أثناء الحرب. حظي ذلك القرار بقبول مصر، أقوى دولة عربية، فضلاً عن الأردن. وبعد خمسة عشر عامًا، اجتمعت الدول العربية في قمة عام 1982 في “فاس” بالمغرب، حيث دعمت تلك المبادئ عبر دعوتها لانسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل عام 1967 مقابل “إقامة سلام مع كل دول المنطقة”. ويتطابق هذا القرار تقريبًا مع مبادرة السلام العربية التي تبنتها الجامعة العربية عام 2002، بعد مرور عشرين عامًا على قمة “فاس”.

إن اعتراف العرب بسيطرة إسرائيل على 78 بالمائة من أراضي فلسطين التاريخية التي كانت تسيطر عليها إسرائيل قبل عام 1967، لم يجعل أمام الفلسطينيين، الذين اعتمدت استراتيجيتهم بأكملها على توريط الدول العربية في حرب لتحرير كل الأراضي الفلسطينية، أي خيار سوى الحصول على 22 بالمائة فقط من الأراضي الفلسطينية المتبقية؛ أي غزة والضفة الغربية. حيث كان الفلسطينيون أضعف حتى من الحصول بمفردهم على الأراضي المتبقية، وبعد ما يزيد على عقدين عقب حرب 67، اعترفت الحركة الوطنية الفلسطينية بالواقع الجديد.

مصر: من هزيمة يونيو إلى إصلاحات مارس  
ستيفن آي كوك، الزميل الأقدم المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية

في الأعوام الأحد عشر بين تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر لقناة السويس في يوليو 1956، وحرب الأيام الستة في يونيو 1967، بدا وكأن مجموعة الأفكار التي عُرفت باسم “الناصرية” كانت فعّالة وناجحة. وقد ارتكزت الناصرية على مناهضة الاستعمار، وتعزيز القومية العربية، وهيمنة الدولة على الاقتصاد والمجتمع والاشتراكية. كما شهدت مصر حينها نموًا اقتصاديًا، وأُتيح لشعبها فرص جديدة في التعليم وما واكب ذلك من حراك اجتماعي، كما حقق البلد قدرًا من النفوذ والمكانة الدولية، غير أن هجوم إسرائيل الساحق كشف عن مدى هشاشة تلك التغييرات.

عندما استقال ناصر عقب الهزيمة، خرج عشرات الآلاف للشوارع مطالبين بعودته لمنصبه، لكن مظاهر الدعم الشعبي تلك أخفت وجود معارضة متزايدة للنظام السياسي الذي بناه الزعيم المصري وطغمته العسكرية. لقد كانت هناك احتجاجات صغيرة ضد ناصر عام 1966، لكن في فبراير 1968، تفجّرت احتجاجات غاضبة في الجامعات المصرية، لا سيما في كليات الهندسة. إن السبب الرئيسي لتلك الاحتجاجات كان الأحكام الخفيفة نسبيًا الصادرة بحق قادة سلاح الجو المصري بسبب هزيمة يونيو، لكن الطلاب عبّروا عن شواغل أوسع نطاقًا.

دعا الطلاب لإجراء إصلاحات سياسية، من بينها إقامة حكومة مُمثلة للشعب وحريات شخصية أكبر. وفي لحظة مثيرة لتلك الاحتجاجات، قدّم منظمو الاحتجاجات الطلابية مطالبهم لأنور السادات، الذي شغل حينها منصب رئيس “مجلس الأمة”. وبالرغم من طمأنة السادات للطلاب بأن مطالبهم سيتم إذاعتها للشعب، إلا أن وعده لم يتحقق. مع ذلك، أصدر ناصر لاحقًا ما يمكن تسميته بـ”بيان الثلاثين من مارس”.

لقد سرد البيان الأسباب وراء الأداء العسكري المصري الضعيف في الحرب (لا سيما فريق الضباط الفاسد وغير الكفء المحيط بوزير الدفاع عبد الحكيم عامر)، كما شدّد البيان على الإنجازات التي حققتها مصر في الأشهر العشرة منذ احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء، ودعا لكتابة دستور جديد يضمن حرية التعبير والتفكير والدين والصحافة. وأكد البيان على ضرورة وجود ممارسات ديمقراطية تُعيد تأهيل المجتمع المصري وتعبّئه استعدادًا لخوض مواجهة حاسمة مع إسرائيل.

لكن وعود الانفتاح السياسي الواردة في بيان مارس سرعان ما جرى نسيانها، كما أن تعبئة الشعب المصري عبر حرب الاستنزاف والتحضيرات العسكرية لعبور قناة السويس في السادس من أكتوبر 1973، حدثت كلها ضمن حدود دولة الأمن الوطني التي بناها ناصر.

انتصار 67 عزز دور الدين في السياسة الإسرائيلية
إليوت أبرامز، أحد كبار الباحثين المختصين في شؤون الشرق الأوسط في “مجلس العلاقات الخارجية”

لقد خضعت الحركة الصهيونية والدولة الإسرائيلية في بدايتها لهيمنة اليهود الأشكناز العلمانيين والاشتراكيين. حيث كان قادة حزب العمل مثل “ديفيد بن غورين” و”شيمون بيريز” يؤمنون بأن اليهودية الأرثوذكسية التي اعتنقها اليهود من أصل أوروبي، واليهود القادمون من دول عربية، سيكون مصيرها الفناء في دولة إسرائيل الجديدة. وأمسك هؤلاء الرجال العلمانيون، بالإضافة إلى سيدة واحدة “جولدا مائير” بمقاليد السلطة حتى انتصار “مناحم بيغن” في انتخابات 1977. منذ ذلك الحين، لعبت الأحزاب الدينية – اليهود الأرثوذكس المتشددون والأحزاب القومية والدينية – دورًا مهمًا في السياسة الإسرائيلية.

يُعزى هذا التغيير في ميزان القوى في السياسة الإسرائيلية عادة لعوامل ديمغرافية واجتماعية: اليهود الأرثوذكس أنجبوا أطفالاً أكثر، واليهود من أصول عربية تمردوا على ما اعتبروه تمييزًا ضدهم من جانب نخبة اليهود الأشكناز التي تضاءلت مكانتها مع اندلاع حرب عام 1973.
ويحظى الدور الذي لعبته حرب عام 1967 بالقليل من الاهتمام، فبالنسبة للعديد من الإسرائيليين الذين كانوا لا يزالون مؤمنين، بدا ذلك الانتصار الذي كان سريعًا وكاملاً بصورة غير متوقعة، دليلاً على أن الرب أوفى بوعوده التوراتية، بعد قرون من النفي ثم الهلوكوست الذي تعرض له اليهود. لقد صلى أسلافهم ثلاث مرات يوميًّا من أجل القدس، وها هي المدينة تخضع لهم.

ولأول مرة منذ ألفي عام، سيطر اليهود على حائط المبكى. لقد تعرض اليهود الذين عاشوا في الضفة الغربية – أرض “يهودا والسامرا” في التوراة- للقتل والطرد تحت حكم الانتداب البريطاني، لكن تلك الأرض الآن باتت خاضعة لهم. حيث اعتبر الجميع أن كل تلك الأحداث  بالتأكيد من ترتيب الرب.

وتجدّد إيمان هؤلاء اليهود وتعمّق. اعترض اليهود المتدينون على القادة الإسرائيليين الذين اعتقدوا أن قوتهم وحدها هي التي حققت الانتصار المذهل لإسرائيل. حينها شعرت الحركات المتدينة بثقة أكبر في الإعلان بأنها أيضًا يحق لها المشاركة في حكم إسرائيل.

إن هذه الأحزاب المتدينة لا تمثّل كل الإسرائيليين، ولا يمكنها الفوز بمفردها بالانتخابات، ولم تتمكن مطلقًا من الهيمنة على الائتلافات الحكومية التي حكمت إسرائيل. لكن وبدلاً من أن تكون هذه الأحزاب مجرد بقايا مُحتضِرة لليهودية التقليدية، باتت منذ ذلك الوقت فصاعدًا تطالب بأن يكون صوتها مسموعًا.

كيف اكتسبت المستوطنات شرعية؟  
سارة يائيل هيرشهورن، محاضرة في جامعة أكسفورد 

“يعيش شعب إسرائيل”، كان هذا عنوان الأغنية التي تغنّى بها مستوطنو المستقبل الإسرائيليون في اعتصامهم في محطة القطار القديمة في “سباستيا”، الواقعة شمال الضفة الغربية، في صيف عام 1975. حضر ذلك المهرجان الموسيقي أتباع جماعة “غوش إيمونيم” (كتلة المؤمنين) المدافعة عن المستوطنين، والتي كانت ملتزمة ببناء مستوطنات مدنية في أرض إسرائيل التوراتية عقب حرب 1967 من أجل استرداد الأرض وشعبها.

لكن بعد مرور خمسين عامًا على قدوم أول مستوطنين إسرائيليين لاستيطان الأراضي الفلسطينية المحتلة، تلاشت الجماعات القومية – الدينية الهامشية التي كانت القوة المرشدة للحركة الاستيطانية وحلّ محلها مزيج معقد من الأيديولوجيات والقواعد الشعبية والخطابات. بعد أن تحولت من مجرد كونها حركة تاريخية طلائعية، تطورت الحركة الاستيطانية لتصبح تحالفًا غير متجانس يضم 400 ألف فرد (أو 550 ألف فرد لو أضفنا إليهم سكان بلدية القدس اليهود على الخط الأخضر، والتي ضمّتها إسرائيل عقب الحرب). وبينما يواصل الباحثون ووسائل الإعلام الترويج لأفكار نمطية عن المستوطنين من قبيل أنهم مجرد نشطاء عقائديين، إلا أن مستوطنات اليوم ربما تضم انتهازيين اقتصاديين، ويهودًا متشددين (وهؤلاء يشكلون أكبر كتلة ديمغرافية في المستوطنات)، أو مواطنين إسرائيليين أصليين ومهاجرين يهودًا من خلفيات دينية وعرقية مختلفة، من بينهم 60 ألف مهاجر من الولايات المتحدة.

ومع احتفال الحركة الاستيطانية بالذكرى الخمسين لتأسيسها، يُعد التنوع والديناميكية اللذين تتمتع بهما هذه الحركة شاهدًا على نجاح مبادرة إسرائيل لتنمية وتوسيع المستوطنات، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، استثمرت الحكومة الإسرائيلية موارد اقتصادية وعسكرية كبيرة في الأراضي المحتلة. تستخدم إسرائيل هؤلاء المستوطنين لتحقيق أهداف استراتيجية ولتطبيع الاحتلال. ومع تعمّق العلاقات بين إسرائيل ومستوطناتها في الضفة، أصبح الفصل بينهما أكثر صعوبة، وصارت جذور المشروع الاستيطاني أكثر ترسخًا.

إن تلاشي الخط الأخضر يثير تساؤلات بشأن وجود ومستقبل أي كيان صهيوني أو فلسطيني في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، فضلاً عن احتمالات التقسيم، أو أي وضع سياسي آخر، على هذه القطعة الصغيرة من الأرض. ويتفق اليمين واليسار على فكرة عدم وجود فرق بين مدينة تل أبيب ومستوطنة “تيكوا” اليهودية في جنوب “بيت لحم”، لكن آراؤهم تختلف بشدة حول مستقبل اليهود والفلسطينيين في ظل وجود دولة واحدة تضم شعبين.

وبالرغم من أن الذكرى الخمسين لحرب عام 1967 هي لحظة تستحق التأمل العميق، غير أنه حتى لو اختفت كل المستوطنات غدًا، فإن جذور الصراع الممتدة لعام 1948 ستظل باقية. وبعد مرور  خمسين عامًا، علينا الاعتراف بأنه لا الفلسطينيين ولا الإسرائيليين يرون أنه من الممكن – أو المفضّل – السعي لتحقيق حل الدولتين.

حرب عام 1967 والحركة الوطنية الفلسطينية  
معين رباني، أحد كبار الباحثين في معهد الدراسات الفلسطينية

لم تخلق حرب 1967 الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، لكنها هيأت الظروف لصعودها السريع وقدرتها على انتزاع الوصاية على القضية الفلسطينية من أيدي العرب. لقد كان لتلك الحرب آثار بعيدة المدى حتى يومنا هذا، فمنذ نهاية الثورة العربية الكبرى في الفترة بين 1936-1939 ضد الانتداب البريطاني على فلسطين، حتى حرب عام 1967، كان الفلسطينيون ليسوا أكثر من متفرجين على القرارات والتطورات الدولية والإقليمية التي قررت مصيرهم، أولاً وقبل كل شيء، تأسيس إسرائيل عام 1948، الذي أسفر عن حرمانهم بشكل جماعي من حقوقهم. بالرغم من أن الحركة الوطنية الفلسطينية، مثل حركة التحرير الوطني الفلسطينية (فتح)، بدأت في الظهور بعد عقد من نكبة 1948، إلا أن معظم الفلسطينيين في عقدي الخمسينيات والستينيات سعوا وتوقعوا أن يكون العالم العربي هو من سيخلّصهم من الاحتلال.

انضم الكثير من الفلسطينيين للعديد من الحركات القومية والشيوعية والإسلامية المنتشرة في عموم المنطقة، أو أعلنوا الولاء لقادة أو أنظمة عربية بعينها، بدلاً من انضمامهم لمنظمات ذات أجندة فلسطينية مميزة. لقد تأسست “منظمة التحرير الفلسطينية” في حقيقة الأمر من جانب الجامعة العربية في عام 1964 كآلية تتمكن عبرها الدول العربية، لا سيما مصر في عهد عبد الناصر، من التحكم في المستويات المتزايدة للحركة النضالية الفلسطينية، وبالتالي إطالة عمر وصايتها على القضية الفلسطينية وتعزيز زعامتها للعالم العربي.

لكن ستة أيام فقط في حرب يونيو عام 1967 غيّرت كل هذه الحقائق. فبفضل الهزيمة الساحقة التي تلقتها الجيوش العربية وتلاشي مصداقية الأنظمة العربية، ظهرت الحركات الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى؛ إذْ ظهر “جورج حبش”- الذي أسّس في وقت سابق حركة “القوميين العرب” – مرة أخرى في ديسمبر من العام ذاته بوصفه الأمين العام لـ “الجبهة الشعبية الماركسية لتحرير فلسطين”. وبعد أن حوّل الفلسطينيين الأردن إلى قاعدة لحرب عصابات ضد إسرائيل، سيطرت حركة “فتح” على منظمة التحرير الفلسطينية في عامي 1968-1969، ونصّب “ياسر عرفات” نفسه رئيسًا جديدًا لها. بحلول منتصف السبعينيات، نجحت منظمة التحرير الفلسطينية في ترسيخ مكانتها بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبذلك قوّضت المنظمة بشكل عملي مزاعم ملك الأردن “الحسين” بأنه الوصي على الضفة الغربية والممثل لشعبها، كما قوّضت نفي إسرائيل وجود شعبي فلسطيني أساسًا.

إن تحوّل القضية الفلسطينية لقضية مركزية في الصراع العربي – الإسرائيلي، واحتلال مسألة تقرير المصير الفلسطيني لمكانة مهمة في الأجندة الدولية، كانا نتيجتين غير متوقعتين لحرب يونيو 1967. كما أن تحوّل الشعب الفلسطيني من كونه حقيقة ديمغرافية مشتتة إلى جهة سياسية موحدة يظل هو الإنجاز الوحيد الذي حققته الحركة الوطنية الفلسطينية. لكن هذا الإنجاز بات اليوم في خطر بسبب عجز الفلسطينيين فيما يبدو عن وقف الزحف المسعور للمستوطنات الإسرائيلية. وبفضل تشرذمهم وتشتتهم وانقسامهم غير المسبوق منذ عام 1948، صار الفلسطينيون يخاطرون مجددًا بأن يصبحوا حقيقة ديمغرافية غير مهمة.

في النهاية إن نجاح الفلسطينيين في منع تفسُّخ الحركة الوطنية الفلسطينية التي تشكّلت عقب حرب عام 1967، هو السبيل الوحيد أمامهم ليكونوا قادرين على تحويل حلمهم بالتحرر والحرية من مجرد سراب إلى حقيقة سياسية.  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا